إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سقراط وابن المقفّع وسعاده أمام محكمة لاهاي الدوليّة

الياس عشي - البناء

نسخة للطباعة 2013-07-06

إقرأ ايضاً


لم يتواعدوا جاؤوا في الثامن من تمّوز ومن أمكنة مختلفة وكانوا ثلاثةً : سقراط وعبدالله ابن المقفّع وأنطون سعاده وجلسوا حول طاولة مستديرة لمناقشة أمر اغتيالهم أمام قضاة المحكمة الدولية في لاهاي.

رأى سقراط أنّ الحكم عليه بالإعدام في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد أصدرته هيئة المحلّفين التابعة لمجلس الشيوخ في أثينا بعدما وُجّهت إليه تهمتان : الكفر وإفساد الشبيبة وهما تهمتان يقول سقراط إنّه فخور بهما لأنّ تعدّد الآلهة بدعة ولأنّ الشبيبة الناشئة في حاجة إلى من يساعدها في الخروج من مأزق الفلسفة السفسطائية . أنا يضيف سقراط أول من أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض كما قال عنّي شيشرون .

فسقراط هو واحد من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

ورأى عبدالله إبن المقفّع أنّ الأمر بتصفيته في منتصف القرن الثامن الميلادي أصدره أبو جعفر المنصور الخليفة العبّاسي الثاني بعدما اتُّهم بالزندقة .والصحيح يقول ابن المقفّع أنّ السبب يعود إلى ترجمتي لكتاب «كليلة ودمنة « وإلى المبالغة في صيغة « كتاب العهد أو الأمان « الذي قمت بنصّه ليوقّعه أبو جعفر المنصور أماناً لعبدالله بن علي عم المنصور . وإذا كان الأثينيون يضيف ابن المقفّع قد اختاروا السُّمّ لتنفيذ حكم الإعدام لهذا العظيم سقراط فأنا قطّعوا أطرافي طرفاً بعد آخر ورموها في بئر ثمّ ردموا البئر وأنا فيها حيّ .

وابن المقفّع واحد آخر من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

ورأى أنطون سعاده أنّ الأمر باغتياله في منتصف القرن العشرين الميلادي صدر من جهات إقليميّة ودوليّة ونفّذته الحكومة اللبنانيّة بدم بارد بعدما اتُّهم بالتآمر على استقلال لبنان وتدمير الهويّة اللبنانية .

والصحيح يقول أنطون سعاده أنّ السبب يعود إلى محاربتي الشرسة لاتفاقية سايكس - پيكو ورفضي قيام دولة يهوديّة على جزء من أراضي الأمّة السوريٌة ووقوفي ضد مشروع مرور أنابيب النفط لشركة «تابلاين» الأميركية ضمن الأراضي السورية وسعيي لتأسيس مجتمع قوميّ مدنيّ يفصل فيه الدين عن الدولة . وإذا كان سقراط يضيف سعاده قد حوكم ومنح فرصة الدفاع عن النفس فإن الحكم باغتيالي صدر من دون محاكمة وتمّ تنفيذه بسرعة قياسيّة شبيهة بالمحاكم الميدانيّة ومحاكم التفتيش .

أنطون سعاده هو أيضاً شهيد من شهداء المعرفة والفكر الحرّ .

...ولاحظ قضاة لاهاي انّ المسافة الزمنيّة بين سقراط وابن المقفّع هي ألف عام ونيّف وبين ابن المقفّع وسعاده كذلك ألف عام ونيّف . وهي ملاحظة يستحقّ الوقوف عندها لأنها تؤكّد أن الصراع بين الحريّة والعبوديّة هو صراع أبديّ ولن يتوقّف وأنّ الذين يموتون لأجل قضيّة يؤمنون بها هم وحدهم الأحياء.

وكانوا على حقّ ألم يقل سعاده : « أنا أموت أمّا حزبي فباقٍ» ؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024