إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

جيوبوليتيك الأحزاب - 2

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2013-11-25

إقرأ ايضاً


استكمالاً لما عرضناه في مقالتنا الاولى من ملاحظات وتناولنا فيه أننا لم نزل كمنطقة في مرحلة التحرّر القومي والوطني كما تطرقنا الى الأسباب التاريخية التي تقف خلف عسكرة الاحزاب. سنستكمل ملاحظاتنا إسهاماً في تعميق قراءة هذه الظاهرة وتوصيفها للوصول الى تحليلها وفهمها كي يسهل تصنيفها بشكل علمي.


ثالثا: أدت الظروف الموضوعية لقوى الاستدمار القديمة إلى خروجها من النمط القديم في السيطرة واستبداله بنمط جديد للهيمنة تمثّل بالخروج الشكلي من خلال إجلاء القوات العسكرية والحكم المباشر إلى مسك المفاصل السياسية والعسكرية والاقتصادية في البلدان التي تخلّت عنها بواسطة وكلاء يؤمّنون مصالحها ويخضعون بشكل مباشر لإملاءاتها.

وزيادة في الإطمئنان على مصالحها زرعت في مجتمعنا مجموعة من الفيروسات الإجتماعية منها الأنانية والطائفية والاتنية والمناطقية. مستهدفة من وراء زرعها بقاء الجسم بحالة اعتلال دائم وجعله بعيداً عن الانصهار الوطني والولاء القومي. وبالتالي ينشغل عن نفسه بنفسه وعن بناء حالة صحيّة قادرة على الانخراط في دولة يمكن ان تحاكي شكل الدولة الحديثة المتقدّمة. هذه الفيروسات التي تشكّلت كمجموعات طائفية او اتنية أو مناطقية سعت إلى أن تبقى على تماس مع الخارج باعتباره وليّ نعمتها وباتت تدين لهذا الخارج بالولاء الكليّ واستطراداً يسهل على الخارج استخدامها لتنفيذ مآربه وغاياته وأهدافه. إن تقارب جيوبوليتيك الطوائف مع جيوبولتيكات هذه الأحزاب تقترب في بعض الاحيان الى حدّ التماهي الكلي باعتبارها في أحيان كثيرة معبّرة بشكل كامل عن تطلعاتها. غير أن نزوع بعضها الى تجاوز حدود الطائفة الى مواقف وطنية في حالات قليلة جداً فهو ناتج من حاجة المشغّل الأساس للعب دور إقليمي أكبر أو إيجاد حالة توازن محلية خوفاً من وقوع مشروعها في خلل لا يمكن تعويضه. من هنا جاءت المقولة المشهورة قديماً بأن لكل طائفة أم ترعاها. فـ فرنسا الأم الحنون للموارنة وروسيا الأم الحاضنة للروم والسعودية للسنّة والانكليز للدروز وإيران للشيعة وايطاليا أو الفاتيكان للكاثوليك. وبرغم عدم تطابق هذه المقولة حالياً مع الواقع إلا أن البعض ما زال يحتفظ بهذا الحلم ويحاول تسويقه بأحزاب وتنظيمات جديدة.

رابعاً: إن هذا المستدمر الاجنبي استطاع ان يضرب بعض المفاهيم التي نشأنا عليها ويحطّم منظومة القيم الانسانية والإجتماعية ويستبدلها بمنظومة قيم جامدة مستوردة من عصور الجاهلية وعهود البربرية للإيفاء بغرضه. فقد استطاع عبر منظومة القيم هذه التي أدخلها الى عقول البعض أن يصل الى غاياته بحيث أصبحت الغاية تبرّر الوسيلة هي القيمة السلبية السائدة وصولاً إلى «الفوضى البناءة». انطلاقاً من إلغاء الآخر فكرياً أو جسدياً وهو حال العصابات التكفيرية الارهابية الظلامية التي تسعى الى السيطرة على الارض لإحلال ما تعتبره قيم الشريعة في مواجهة القوانين الوضعية.

إن الأصولية لا توجد في دين واحد أو في مذهب واحد بل سنشهد إذا ما استمرّت هذه الحال نوعاً من التعميم الذي سيطال كلّ المذاهب والطوائف استناداً لمعادلة الفعل وردّ الفعل وستصبح مذابح القرون الوسطى أقل وحشية وهمجيّة من المذابح المُرتقبة في القرن الواحد والعشرين.

لقد استفادت هذه العصابات من ضعف سلطة الدولة نتيجة للتوازنات التي تحكمها وإحساس بعض الطوائف والمناطق كحالة عامة بالغبن من ممارسات السلطة على المستوى التنموي كما استفادت من الظروف الموضوعية وحاجة الخارج لزعزعة بعض الكيانات تحت مسمّّيات متعدّدة منها «الربيع العربي».

لا شكّ في أن ارتهان الدولة للخارج يساعد في خلق بؤر ناقمة تأخذ أشكالاً مختلفة لتأكيد ذاتيتها ووجودها وهو ما يزيد في ميعان القرار الوطني وخصوصاً عندما تصبح هذه البؤر في حالة احتضان خارجي.

للبحث صلة في آخر الكلام.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024