إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نووي إيران يفضح الخلاف الصهيو ـ أميركي

حسن شقير - البناء

نسخة للطباعة 2013-12-02

إقرأ ايضاً


لعلّه من الجزم في القول إنّ توقيع اتفاق الإطار النووي في جنيف ما بين إيران ودول الـ 5 1 قد شكّل الدافع الأهم لإخراج بواطن الخلاف الصهيوـ أميركي إلى العلن في عهد أوباما الثاني والذي يتعلّق بآليات الإلتزام للإدارات الأميركية المتعاقبة في الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني على مرّ السنين..

ولكن غداة أزمات أميركا المتتالية على الصعد كافة لم يكن أمام أوباما خيارٌ سوى تبنيه استراتيجية للأمن القومي تُراعي في جوانبها الأفول والكهولة الأميركية من جهة وذاك الإلتزام الأبدي بالحفاظ على أمن الكيان الصهيوني من جهة أخرى فكانت الإحاطات الأميركية الأربع التي تجلت في خارطة الطريق التي خطها البيت الأبيض في أواخر أيار من العام 2010 والتي تمثلت في الإحاطة الجغرافية ضمن « دمج الكيان في الشرق الأوسط الكبير» والإحاطة العربية الصهيونية المشتركة ضمن « المظلة الأمنية» وإحاطة «تعرية الأعداء» فضلاً عن الإحاطة في الساحات الخلفية والتي تجلّت في العمل بشكل حثيث مع «العائلات والإدارات المحلية والمؤهلة بشكل جيد» وذلك «لنزع الشرعية عن الأعمال الإرهابية وعزل كل من يمارسونها»

منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة على وجه التقريب وقع الخلاف الفعلي لا النفاقي في طبيعة تلك الإحاطات الأربع التي يبدو أنها لم تحز على الرضى الصهيوني أقلّه لأنها تعتمد في مفاصلها تلك ولأول مرّة على نقل مسؤولية الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني من الرعاية الأميركية المباشرة إلى الرعاية الخلفية والتي تجعل من الكيان الصهيوني جزءً من تلك الدول التي أوصت تلك الإستراتيجية في «مساعدتها على حماية نفسها» فضلاً عن تشجيعها كما ذكرنا على إقامة « المظلة الأمنية المشتركة».

لقد اعترى الفشل الكثير من جوانب هذه الإحاطات وذلك بفعل الكثير من الوعي لمندرجاتها من قبل محور الممانعة منذ صدورها - والتي كنّا كتبنا حولها في الثاني من أب من العام 2010 ضمن ما أسميته خارطة طريق في استراتيجية أوباما الجديدة - فضلاً عن أن الكثير من حلقاتها أيضاً لم يكتمل عقد دورانها لا بل أنها بدأت بالإلتفاف بشكل معاكس أيضاً..

لعل تصريح جون كيري الشهير بعيد الساعة الأولى من التوقيع على الإتفاق مع إيران كان مؤشراً قوياً في تجلي ذاك الخلاف حيث اعتبر جازماً «أن الاتفاق مع إيران سيجعل «إسرائيل» أكثر أمناً» في الوقت الذي كان نتنياهو يصفه بأنه الإتفاق «الأسوأ» في تداعياته على أمن كيانه..

منظومة الحماية برؤية أميركية

- على صعيد العقوبات: تنظر أميركا إلى أن رفع العقوبات جزئياً وتدريجياً عن كاهل الجمهورية الإسلامية سيؤدي بحسب اعتقادها إلى عزل طروحات جزء من الرأي العام الإيراني المحافظ لصالح تعزيز الرأي العام الإصلاحي والمنفتح على الحوار مع الغرب مما سيجعل البحبوحة المتوقعة جرّاء هذا الرفع تظهر أثارها في الحراك السياسي الداخلي بترجيح كفة من هذا الرأي العام على أخرى.. مما قد يسبّب نوعاً من الحرج عند طروحات المحافظين بتحميلهم مسؤولية المعاناة للشعب والممتدة لعشرٍ من السنين الأمر الذي يجعل من القيادة في إيران أقل اندفاعاً في معاداتها للغرب وأقل حماسةً في الإنخراط في أعمال قد تُعيد سيف العقوبات مجدداً أقلّه بسبب تذوّق الشعب الإيراني لحلاوة رفع العقوبات عن كاهله.

-على صعيد الجغرافيا: تعتبر أميركا أن تأمين الكيان الصهيوني من النووي الإيراني سيشجعع على خلق الظروف التي تُسرّع في إقامة المظلة الأمنية الخليجية الصهيونية بحيث تركت المجال للسعودية تحديداً في عدم اتباع نهجها في الإنفتاح على إيران بل كأنها أوحت لها بأن مصابها ومصاب الكيان الصهيوني واحد! وما عليهما إلاّ التكامل لملء الفراغ الذي سيخلّفه تراجعها عن المنطقة فضلاً عن تركها للجسد السوري ينزف بقوة مع تسعير للفتن المذهبية وزرع الشقاق في الذراع اللبنانية المستعصية على الكيان الصهيوني ومحاولة عزل المقاومة في عقر دارها وذلك بتسعير الإرهاب في بيئتها الحاضنة تحديداً.

-على صعيد الإرهاب: ترى أميركا أن السماح لهذا الكم الهائل من الإرهابيين في التوافد من أربع رياح الأرض إلى سورية الممانعة والصمود وتحفيز هؤلاء بتفريخ أقرانهم في البيئات المجتمعية فيها وفي محيطها.. وجعل بوصلة «جهادهم» مع من تسميهم أميركا أيضاً بالإرهابيين في الضفة المقاومة ستجعل من هؤلاء وأولئك في مسار تصادمي تصاعدي وعنيف جداً يجعل من الإنهاك يصيبهما معاً من دون أن تُصيب شظاياه الكيان الصهيوني الذي سيتنعم بالأمن الذي يجنبه الجهاد والجهاديين لأية ضفة انتموا.

منظومة الحماية برؤية صهيونية

-على صعيد العقوبات: يرى الكيان الصهيوني أن البدء برفع العقوبات الإقتصادية رويداً رويداً عن إيران سيجعل من منظومة العقوبات تنهار وبالتالي فإن الإسراع في تشغيل عقارب الساعة الدبلوماسية بدلاً من إبطائها جعل من «ساعة اهتزاز استقرار النظام»- التي كان يأمل في حدوثها - تبتعد وتضمحل مما سيجعل من الرأي العام الإيراني موحداً خلف قيادته المنفتحة على متطلبات الجماهير وآمالها وخصوصاً أن هذا الرفع للعقوبات لم تُعط إيران مقابله أي التزامٍ خارج إطار المفاوضات النووية لأن هذه الأخيرة قامت على أساس الخطوة مقابل الخطوة دون السلّة المتكاملة للحل والتي كانت وما زالت مطلباً صهيونياً بامتياز.. وبالتالي يعتقد الكيان الصهيوني أن نعيم رفع العقوبات عن كاهل الجمهورية الإسلامية سيعمّم البحبوحة على أطراف المحور الممانع كافةً مما سيزيدهم قوةً ومنعةً وإصراراً على مجابهة الكيان الصهيوني ومشاريعه في المنطقة بشكل يفوق ما هو قائمٌ في زمن العقوبات.

-على صعيد الجغرافيا: يعتقد الكيان الصهيوني أن الإتفاق النووي مع إيران قبل التسوية مع السلطة الفلسطينية حول مفاوضات الحل النهائي سيجعل من هذه الأخيرة أكثر انعتاقاً من نير الإبتزاز الأميركي المتواصل لها وذلك بحيث أنها ترى في إيران المستقبلية قطباً مؤثراً في الساحة الإقليمية وتحديداً الفلسطينية منها مما سيشجعها على مدّ جسور التواصل معها بشكل أوثق وخصوصاً بعد فتور العلاقات ما بين حماس والجمهورية الإسلامية مما سيجعل هذه الأخيرة لها الكلمة الفصل في الجغرافيا الفلسطينية المفاوضة مع ثقلها في الجغرافيا الفلسطينية الممانعة.. فضلاً عن أن الإتفاق سيعقد الأمور على قيام المظلة الأمنية المشتركة لأن منطق أفول الأمبراطوريات يُخشى منه في تحريك الصحوات والثورات في الجغرافيا المجاورة لإيران مما سيطيح بأية آمالٍ صهيونية في تكوين التحالفات المضادة للجمهورية الإسلامية في تلك الدول.

-على صعيد الإرهاب: ينظر الكيان الصهيوني اليوم بعين الريبة والخشية والتي يُعبر عنها باستمرار من إمكانية قرب إعلان حزب الله انتصاره في سورية على أولئك الشراذم الآتين من خلف البحار وبالتالي فإن الإتفاق النووي مع إيران وبداية تشكّل ما يروّج له إعلامياً بجبهة واحدة في محاربة الإرهاب الذي لا تخشاه الصهيونية في سوريا المتمثل بالعصابات المسماة جهادية - فضلاً عن أنها وبفعل تجربتها المريرة مع حزب الله فهي أي الصهيونية ترى تباشير نصره تلوح في أفق الجغرافيا السورية مما سيفرض على هذه العصابات- بعد اكتشافها للمؤامرة التي أوقعها الغرب بها إما توجيه السلاح نحو بوصلته الصحيحة في فلسطين أو أنها يُقضى عليها مجتمعياً وعسكرياً في الميدان.. حيث سيجد الكيان الصهيوني نفسه حينها مضطراً لمغامرة حرب جديدة يخشاها جداً مع المقاومة لمنع انتصارها.. وفي كلتا الحالتين تكون استراتيجية نزع الشرعية عن الأعمال «الإرهابية» قد أثمرت مفعولاً معاكساً على الكيان الصهيوني.

خلاصة القول إنّ الصراخ الصهيوني العالي بوجه إتفاق جنيف النووي ربما مردّه لأنه يُعجِّل بالكيان لتجرّع كأسٍ مُرّةٍ يتجنبها منذ الرابع عشر من آب من العام 2006.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024