إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لو كانت داعش داعش

راجي سعد

نسخة للطباعة 2014-10-01

إقرأ ايضاً


اعترف أن كلمات بلاد الشام والعراق ورديفاتها من الكلمات كسوريا الطبيعية وسوراقيا والمشرق والهلال الخصيب لها نغم خاص في وجداني يشدني اليها فكيف لا يشد انتباهي تنظيم يأخذ من هذه الكلمات شعارا له. كذلك فاخذ التنظيم للاسلام شعار له لا يستفزني وانا العلماني لآني اعرف ان المؤمنون لا يفرضون الدين بالإكراه ويعتصمون بحبل الله، ولا يفرقون "بين عربي وأعجمي" او بين الرسائل الاسلامية وانبيائها وأهل كتبها الا بالتقوى، واكرمهم عند الله اتقاهم.

اعترف ايضا انه عندما ارى الحدود بين الشام والعراق يداس عليها بولاية الفرات الواحدة فيتواصل المجتمع الواحد على طول النهر، لا تفارق مخيلتي صورة أمة مشرقية موحدة بنهريها العظيمين دجلة والفرات الذين شهدا على ولادة التاريخ وأسسا المدنية وبساحلها المتوسطي الذي انطلقت من سفنه الرسائل المدنية والسماوية، تخرج من أنقاض التفتيت المتراكم منذ سقوط بغداد على أيدي هولاكو في 1258 مرورا بسايكس بيكو ووصولا الى سقوط بغداد على أيدي هولاكو الجديد في 2003.

أقولها صراحة ايضا انه عندما اسمع ان تنظيما ثار على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الاميركي الصنع في بغداد وسيطر في ما بعد على معظم محافظة نينوى ودق باب عاصمة الانفصال اربيل، لم تستطع ذاكرتي، رغم الوحشية، الا ان تشرد قليلا فترى نبوخذ نصر وصلاح الدين الذين انطلقوا من ذات المنطقة ووصلوا صفوفا بديعة النظام الى أبواب القدس.

مع ان وحشية وبربرية داعش اصابنتي في الصميم لكني لا أتردد في الكشف ان صرخات الإرهاب التي سمعتها من الغرب لم تهزني ولم تبهرني لانها تتموج علوا وانخفاضا حسب المؤامرات المبيتة فتمتد لمحاربته تارة وتنحسر لتغض النظر عنه او تسانده وتدعمه بالوكالة طورا. كذلك فمدى علو وانخفاض هذه الصرخات يعتمد على الجهة المنفذة والوسيلة المستعملة لتنفيذه فطائرات "الحلفاء" التي تغير على سكان الارض في غزة هي دفاع عن النفس ودفاع السكان "الاعداء" عن الارض هي ارهاب للنفس.

اعترف ان هذا التنظيم حرك حواسي صعودا وهبوطا بامواج من الامل والياس. صرت أتابع أخباره و"إنجازاته" بشكل متواصل على صفحات التواصل الاجتماعي والجرائد. في وسط كل هذا المشاعر وخلال بعض أوقات الاستراحة من الكمبيوتر وإلايباد والموبيل بدأت ذاكرتي ترجع الى الوراء قليلا عندما كنت طالبا في الجامعة وهاجم صدام حسين الكويت وضمها الى العراق وكيف انتابتني مشاعر الامل بان معركة سقوط سايكس-بيكو قد بدأت بتحرير الكويت وما هي الا مسالة وقت حتى يلتقي الخليج بالبحر ونرى صلاح الدين العصر على مشارف حيفا وتل الربيع. لم تمر هذه الذكريات مرور الكرام فإذا بها تحرك تفكيري باتجاه الدرس والتمحيص قبل الوقوع بذات التضليل الذي وقعنا فيه في 1990 عندما وقع صدام في الفخ الذي رسموه له في الكويت وكانت النتيجة كارثة جديدة ونكبة جديدة.

بعد ان غزى الاميركيون العراق تعاملوا منذ البداية مع العراقيين على اساس شيعة وسنة واكراد فرسخوا الطائفية والعرقية واسسوا نواة الدولة الكردية واجتثوا البعث ضمن ما يسمى بنظام الديمقراطية التوافقية. اجتثاث البعث والتنكيل به كانت نتيجته شعور سني بالقهر والذل وخلق بيئة حاضنة للتطرف والارهاب والعداء للشيعة "الروافض" الذين استلموا السلطة في بغداد. في ظل هذه البيئة الحاضنة نمت القاعدة واخواتها التي لم يكن لها أي اثر يذكر في العراق من قبل وانضم اليها الكثير من ضباط الجيش العراقي السابقين. من هؤلاء الضباط ابو بكر البغدادي وابو ايمن العراقي وعدنان اسماعيل نجم وسمير عبد حمد العبيدي الدليمي الذين اسسوا وقادوا تنظيم داعش، واللافت ان جميعم "تخرجوا" من سجن "بوكا" الذي كان يديره الاميركيون ويفصلون فيه السجناء حسب العقيدة، حتي ان بعض السجناء السابقين وصفوه بانه "مدرسة تنظيم القاعدة". اللافت ايضا انه بعد استلام ابو بكر البغدادي لقيادة تنظيم القاعدة (داعش) في 2010، اوقف الاميركيون حملة الاغتيالات ضد قادة التنظيم بعد ان قاموا باغتيال القياديين ابو عمر البغدادي وابو حمزة المهاجر.

من ناحية اخرى وفي دراسة بعنوان "أموال الإمارة"، وجد المعارض السوري هيثم مناع ان قائمة داعمي داعش "مؤلفة من 127 ممول ومسهل لداعش من بينها الكويت والسعودية" وأضاف انه "لو لم يكن هناك تواطؤ من تركيا والاردن وبعض الجهات اللبنانية لم يكن هناك امكانية لدخول مقاتلين لسوريا."

قد لا تكون هذه القرائن ادلة دامغة على الدور الاميركي المباشر او عبر حلفائه في صنع تنظيم داعش، لكن عندما نضيف اليها بعض الوثائق والخرائط المسربة يتضح الدور الاميركي-الصهيوني بشكل افضل. في وثيقة نشرت في مجلة "كيفونيم" فى عام 1982 التى تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية بعنوان استراتيجية اسرائيلية للثمانينات دعت فيها الى تقسيم العراق، ومن ثم دعى نائب الرئيس الاميركي الحالي جو بايدن في 2006 الى تقسيم العراق الى ثلاثة دول. كذلك نشرت مجلة "ارمد فورسس جورنال" في 2006 مقال لرالف بيترز، الضابط المتقاعد والصحافي المقرب من البنتاغون، سرب فيه "خريطة الدم" (http://afj.wpengine.com/wp-content/uploads/2013/10/peters-map-afterjpg) وكشف ان "تعديلا منصفا للحدود سيترك المحافظات العراقية السنية الثلاث في دولة مقتطعة قد تتحد مع مرور الوقت بسوريا التي ستفقد شريطها الساحلي".

الذي فعلته داعش هو طرد الجيش العراقي (بظروف مشبوهة) وتاسيس الدولة السنية في المحافظات العراقية الثلاث و"توحيدها" مع اجزاء سنية مقطعة من سوريا، بالاضافة الى تثبيت الكيان الكردي الانفصالي اقتصاديا بالسماح بضم "عاصمته الاقتصادية" كركوك اليه. هذا يتوافق كليا مع الخطة التي رسمها الاميركيون لتقسيم المنطقة فها هم يصلون الى اهدافهم في العراق عبر داعش بعد ان خلقوا بيئتها الحاضنة وسهلوا تاسيسها وعملها وجعلوا حلفائهم يمولوها ويدعموها. الآن وبعد ان انتهى دور داعش في التاسيس، اتت مرحلة شرعنة هذا الكيان السني بوجه مقبول اقليميا ودوليا فازيح المالكي واعلن اوباما حربه ضد داعش وقال "اننا سوف ندعم الجهود العراقية لقيام وحدات من الحرس الوطني لمساعدة الجماعات السنية في حماية حريتهم الخاصة من سيطرة داعش". ان هذا الحرس الوطني ما هو الا نواة الميليشيا السنية المرادفة للبشمركة الكردية التي يريد اوباما ان يسلمها السلطة بعد "تحريرها" من داعش.

لو كانت داعش داعش بالفعل لكنت اول الدواعش المدافعين عن الاسلام برسالتيه القرآنية والانجيلية ولكنت في صفوفها الامامية سعيا لوحدة الشام والعراق بكل ابنائه، لكن القرائن والادلة تشير ان داعش ما هي الا اداة اميركية للشرذمة والتقطيع، شبيهة بالانفصاليين الاكراد والانعزاليين اللبنانيين وغيرهم من الطائفيين ولكن اشد خطورة لامتدادها على كل المشرق. ان الهدف من وحشية داعش هو ايصال الشرخ الطائفي والمذهبي الى نقطة اللا-عودة فيسهل بذلك تقسيم وفرز شعب الشام والعراق اجتماعيا وسياسيا الى كيانات متناحرة، يصعب او يستحيل من بعدها توحيدها. إنهم يحضرون للاحتفال بمئوية لقاء سايكس وبيكو في 2016 بتاسيس سايكس-بيكو اجتماعية-سياسية جديدة واذا لم تُواجه عسكريا بحزم من قبل الجيش السوري والعراقي واللبناني مجتمعين بدون اي تدخل اجنبي مشبوه، وسياسيا من قبل جبهة وطنية شاملة على مدى المشرق الشامي-العراقي فهي ستُشرعن وتبرر وجود اسرائيل ربما لمئة عام قادمة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024