إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"فيلم غربي طويل": سنوات الدمار المديدة!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2014-10-17

إقرأ ايضاً


هل لاحظتم كيف أن الغرب الأميركي ــ الأوروبي كان شديد الحرص على تبشيرنا بأن "الحرب على الإرهاب في سورية والعراق" ستتطلب سنوات عديدة؟

إبتداءً من الرئيس الأميركي إلى نائبه إلى وزيري خارجيته ودفاعه إلى مستشارة الأمن القومي وصولاً إلى أصغر مسؤول ديبلوماسي أميركي... ومن لندن إلى باريس إلى برلين إلى روما... ومن الحلف الأطلسي إلى الاتحاد الأوروبي... الجميع متأكد من أن "التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية" يحتاج إلى سنوات عديدة لإنجاز مهمته في بلادنا!

لكن أحداً من هؤلاء لا يشرح لنا كيف أن احتلال أفغانستان والعراق بالكامل أنجز في غضون أسابيع، وتدمير ليبيا تحقق في أقل من ثلاثة أشهر، بينما التصدي لتنظيم إرهابي يعمل تحت مسمى "الدولة الإسلامية" يستدعي كل هذه الأعوام الصعبة!

بعض المحللين يظن أن هذه المدة ضرورية للغرب الأميركي ــ الأوروبي لأن قادة "التحالف الدولي الجديد" لا يملكون رؤية واضحة لما يريدون فعله في المنطقة في الظروف الراهنة. وبعضهم الآخر يفسر الأمر بتضارب المصالح والمواقف بين مكونات هذا "التحالف". وبعضهم الأخير يرى بذور مؤامرة جديدة مخطط لها سلفاً في أروقة الدول المعادية.

أما نحن، فنسمح لأنفسنا بالقول إن هذه سياسة معتمدة عن سابق تصور وتصميم لدى الغرب الأميركي ــ الأوروبي منذ عقود، وإن كانت تتنوع وتتطور حسب الأحوال الدولية بين حين وآخر. ولنأخذ مثالين معاصرين من عالمنا العربي ما زلنا نعاني من تداعياتهما حتى الآن، هما العراق وليبيا.

بدأت "أزمة" العراق في مطلع آب سنة 1990 عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت وسيطر عليها بالكامل. والحقيقة أننا يمكن أن نعيد تلك "الأزمة" إلى بداية الحرب العراقية ـ الإيرانية سنة 1980، لكننا سنضع نقطة الإنطلاق لفكرتنا هذه بحرب الخليج الأولى في شباط 1991 بهدف "تحرير الكويت". بعدها تعرض العراق للحصار الإنساني والعقوبات الإقتصادية التي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون طفل عراقي، حسب إحصاءات الأمم المتحدة نفسها. وفي العام 2003، أي بعد ثلاث عشرة سنة بالتمام والكمال، أقدمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على غزو العراق ضاربتين بعرض الحائط القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة.

لا يختلف النموذج الليبي عن مثيله العراقي إلا في بعض التفاصيل. في نيسان سنة 1986 وقع إنفجار في أحد ملاهي برلين أسفر عن مقتل جنديين أميركيين، فوُجهت أصابع الإتهام إلى نظام القذافي. بعد عشرة أيام فقط، أعطى الرئيس الأميركي ريغان أوامره بقصف طرابلس الغرب موقعاً عشرات الضحايا من المدنيين والعسكريين. في 21 كانون الأول سنة 1988 تعرضت طائرة ركاب أميركية للتفجير فوق لوكربي الأسكتلندية، فوُجهت أصابع الإتهام مجدداً إلى القذافي. ومرة أخرى تم فرض حصار جوي واقتصادي على ليبيا استمر حتى سنة 2003 عندما وافق القذافي على تحمل المسؤولية ودفع التعويضات المطلوبة. لكن عودته إلى الساحة الدولية لم تشفع له، إذ قضت عليه وعلى نظامه طائرات الحلف الأطلسي في تشرين الأول سنة 2011.

يمكننا أن نقدم نماذج أخرى من أنحاء العالم، مثل كوبا ونيكاراغوا (واليوم روسيا)، غير أن هذه العجالة تركز على بلادنا أولاً. عندما يعتمد الغرب الأميركي ــ الأوروبي سياسة النفس الطويل في المواجهة والحصار والمقاطعة، فإنما هو يسعى إلى إنهاك الدول التي يستهدفها وخلخلة أركانها الأساسية. وفي هذه الأثناء يراهن على أن الضغوط الخارجية ستؤدي حكماً إلى ضغوط داخلية تكون نتيجتها المباشرة، مع الوقت، تفتت البنى الاجتماعية متأثرة بانهيار البنى الإقتصادية. وهكذا يفقد المجتمع مقومات الصمود الذاتي، وتتآكل عناصر السيادة القومية، وتنفجر الإحباطات الوطنية على شكل صراعات أهلية مدمرة.

لا تخرج الأزمة الراهنة في سورية كثيراً عن هذا السيناريو المتكرر، فها هي تدخل الآن عامها الرابع من دون أن تلوح في الأفق بوادر حل قريب. والغرب الأميركي ــ الأوروبي الذي يبشرنا بسنوات من المواجهات غير مهتم بأي عمل سياسي جاد لوقف التدمير المنهجي طالما أن الثمن يدفعه السوريون في دولتهم وفي مجتمعهم وفي نفوسهم. لقد نجح هذا الغرب نجاحاً باهراً في النموذجين العراقي والليبي، ساعده في ذلك الغياب الكارثي للاتحاد السوفياتي الذي شكل، في زمن ما، نوعاً من التوازن الدولي الدقيق.

الوضع حالياً مختلف إلى حد بعيد، ذلك أن روسيا (وريثة الحقبة السوفياتية) والصين تعملان بقوة على تعزيز دور إفتقدتاه خلال العقود الماضية، مدعومتين بصعود قوى دولية مؤثرة ذات سياسة خارجية مستقلة عن المعسكر الغربي. لكن القادة الغربيين ما زالوا يعيشون أحلام "القرن الأميركي" الذي روّج له "المحافظون الجدد" مع مطلع القرن الحادي والعشرين. ويبدو أنهم غير مستعدين، بعد، لتقبل موازين القوى الجديدة في العالم. وفي إنتظار الصحوة الغربية، يبشرنا "الفيلم الغربي الطويل" بسنوات عجاف قاتلة!


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024