إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

معركة "عين العرب" باب لتغيير المعادلات!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2014-10-31

إقرأ ايضاً


الذين يتابعون التغطية الإعلامية الهائلة للإشتباكات الدائرة في بلدة عين العرب السورية بين "مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة و"وحدات حماية الشعب الكردية" من جهة أخرى قد يظنون للوهلة الأولى أنهم أمام معارك إستراتيجية طاحنة أين منها حصار مدينة ستالينغراد أو معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية!!

ويبدو، للوهلة الأولى أيضاً، أن نتائج حرب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" باتت مرتبطة بالقدرة على منع سقوط هذه البلدة التي لم يعد متواجداً فيها من السكان سوى مئات المدنيين فقط، وبضع آلاف من المقاتلين الأكراد قبل أن ينضم إليهم خلال الأيام القليلة الماضية مقاتلون هم خليط من "البيشمركة العراقية" الموالين لمسعود البرزاني و"الجيش السوري الحر" المرتبط بتركيا.

وبغض النظر عن عدد وهوية الذين يدافعون عن عين العرب أو الذين يحاصرونها، ومن دون الضياع في متاهات التحذير والتهويل من مجازر متوقعة إذا سقطت البلدة بيد "داعش"، فإن الضجيج الإعلامي الدولي المُثار حول هذه المعركة يخفي وراءه خططاً دقيقة بدأت تتحقق على أرض الواقع، لتتجاوز الشأن المحلي إلى مجالات إقليمية ودولية سيكون لها تأثيرات خطيرة على مجمل أوضاعنا القومية.

دعونا الآن نكشح عن أعيننا غبار التضليل الإعلامي ونفكك الصورة التي ترتسم أمامنا بوضوح.

لا أحد من اللاعبين الدوليين والإقليميين يهمه فعلاً مصير هذه البلدة وسكانها. فهي ليست ذات قيمة استراتيجية يمكن أن تغيّر موازين القوى في المنطقة. يُضاف إلى ذلك أن سورية والعراق تنزفان مئات الأبرياء يومياً في ظل صمت متواطئ مريب، ومع ذلك لا نرى حراكاً جدياً لوقف هذه المجزرة. إذن، لماذا عين العرب من دون سائر المناطق السورية ــ العراقية؟

نبدأ بالولايات المتحدة الأميركية، فنقول إنها سجلت مجموعة من النقاط التي تُحسب لصالحها في المحصلة النهائية:

أولاً، خلقت هدفاً عسكرياً وسياسياً سهلاً تستطيع أن تقدمه للرأي العام الأميركي خصوصاً، وللرأي العام الدولي عموماً، بوصفه إنجازاً إنسانياً وحربياً ملموساً.

ثانياً، أوجدت مجالاً واسعاً لاستنزاف "داعش" في معركة مفتوحة على الأرض السورية.

ثالثاً، تحت غطاء ضرب مصادر تمويل "داعش" تقوم الطائرات الحربية الأميركية بتدمير منهجي للبنى التحتية السورية (حقول الغاز والنفط) ما يؤثر بطريقة مباشرة على بنية الاقتصاد السوري المترنح أساساً من جراء حرب دخلت عامها الربع.

رابعاً، وهو الأهم، نسجت القيادة الأميركية الميدانية علاقات وثيقة مع أكراد سورية الذين كانت الغالبية العظمى منهم إما موالية للسلطة السورية المركزية في دمشق أو تلتزم موقف "الحياد الإيجابي" تجاه الحكومة السورية التي كانت حتى وقت قريب تدعم صمود الأكراد في مناطق الحسكة والقامشلي وعين العرب أيضاً. وهكذا، بجرة قلم، برزت إمكانية جديدة للولايات المتحدة كي تخلق "معارضة سورية معتدلة" لها إنتشار جغرافي ملموس على عكس تلك التي كانت تخطط لبنائها وتدريبها على مدى السنوات المقبلة! وإذا نجحت تجربة وجود "الجيش السوري الحر" جنباً إلى جنب مع الأكراد في عين العرب، فستكون هي النموذج المعتمد لاحقاً في مناطق أخرى.

ونأتي الآن إلى تركيا التي حاول الإعلام الدولي، وبكثافة منقطعة النظير، تصويرها وكأنها رضخت لضغوط التحالف الأميركي، فوافقت على السماح لقوات "خارجية" بدخول عين العرب من أجل دعم صمود المقاتلين الأكراد فيها. فما هي حقيقة الأمر بالفعل؟

حافظت الحكومة التركية على موقفها المعلن بعدم التدخل البري المباشر لقواتها إلا وفق شروط مسبقة أبرزها العمل على إسقاط النظام السوري بعد إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. أما قوات "البيشمركة" و"الجيش السوري الحر" التي أعطيت الضوء الأخضر لعبور "الحدود" فهي أصلاً موالية لأنقره وستكون طوع بنانها في أي تحركات مقبلة. كما أن هذه القوات ستكون ضمانة للحد من قدرة "وحدات حماية الشعب الكردية" على التفاعل مع الأكراد القاطنين في الجانب الآخر من "الحدود".

لكن أهم ما حققته تركيا في خطوة السماح بعبور مقاتلين إلى عين العرب أنها حصلت على تغطية من التحالف الأميركي، وإلى حد ما من المجتمع الدولي، لما يمكن أن يُعتبر "تدخلاً خارجياً" في سورية. صحيح أن دمشق نددت بما وصفته خرقاً للسيادة السورية، وهي محقة في ما يتعلق بنظرة القانون الدولي. غير أن الأمور لم تعد تجري وفاقاً للأعراف الدولية، والذي حدث في عين العرب قد يشكل نموذجاً يُحتذى في مناطق سورية أخرى، خصوصاً في الجنوب مع الأردن والجولان المحتل.

تركيا التي كانت تخشى التدخل العلني المباشر في سورية، أقدمت عليه بالوكالة أخيراً بمباركة التحالف الأميركي وقبول المجتمع الدولي بعد حملة التهويل الإعلامية المكثفة حول مصير عين العرب. إنها السابقة الخطيرة التي ستفتح شهية المتربصين بمصيرنا القومي!

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024