شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 1938-05-10
 

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب (2) .

أنطون سعادة

حقوق الأمة بين الكتلة الوطنية والأجانب - 2

حكومة الأقليات

∗وعدنا القراء في عدد أمس أننا سنبين لهم العجز الفاضح الذي أظهره الكتلويون في معالجتهم الأمور والقضايا المتعلقة بالأمة السورية ومصيرها ونحن نبر بوعدنا ابتداءً من اليوم.

مما لا شك فيه أن أمتنا تتراوح اليوم بين الحياة والموت فالأحابيل السياسية تحبك حولنا من كل جهة من الخارج بينما شؤوننا الداخلية تتخبط في فوضى السياسات الخصوصية والخصومات التحزبية وبلبلة الأغراض المستعجلة واضطرابات المصالح والتبعة الكبرى في هذه الفوضى والبلبلة والاضطرابات تقع، بلا شك ولا جدل، على الكتلويين في مجموعهم بسبب العقم السياسي الباهر الذي تفوقوا به على جميع سياسيي العالم.

ولا نحتاج لتبيان هذه الحقيقة إلى الغوص في بطون التاريخ الكتلوي، فكيفما قلبنا الطرف رأينا دليلاً جديداً من أعمالهم اليومية يعطينا البرهان القاطع على ما نزعم. والأدلة التي نجمعها تشير كلها إلى أن أخطاء الكتلويين هي في الأساس، لا في الشكل. والدارس الفاهم لا يسعه إلا الوقوف مشدوهاً تجاه العجز الباهر الذي يبديه الكتلويون، حتى في معالجة أبسط الأمور الحقوقية المدنية والسياسية. فأول أمس وأمس نشرت "النهضة" تفاصيل مناقشات المجلس النيابي الشامي في صدد لواء الجزيرة والحوادث المتكررة فيه. وفي هذه التفاصيل صورة واضحة للعقلية الإقطاعية الممتازة التي يتحلى بها الكتلويون ويسوسون بها الأمة ومصالحها والشعب ومقدراته.

في وسط اجتماع المجلس النيابي الشامي، وعلى مرأى ومسمع من النواب والنظارة ورجال الصحافة وفي عين الرأي العام وإذنه يقف نواب كتلويون ويقولون أن أعضاء في الدولة الشامية هم "أقلية أثيمة" وإنه ليس في لواء الجزيرة رجال كالأمير الفلاني الذي اكتسبوا صداقته أو اشتروها مؤخراً، مفضلين عشائر في لواء الجزيرة على عشائر ورؤساء على رؤساء ومقياسهم في كل ذلك السياسة الشخصية.

وبعد هذه الحقائق العلنية التي تصفع الأمة صفعاً وتحول النيابة عن الشعب إلى مهزلة قبيحة وبعد كل التبجحات الكلامية التي أقلق بها الكتلويون راحة الأرض والسماء قائلين: "لا أقليات في سورية" يقفون دون حياء ودون خجل أمام الأمة والتاريخ ويقولون: "هذا الجزء من الشعب الذي تدعي النيابة عنه أقلية يجب ألا يؤبه لها. وذاك الأمير هو الرجل والباقون صعاليك"! أما الحق والعدل وأما جعل المساواة القومية أساس كل سياسة وكل نظرة حقوقية أو إدارية فكلام خرافي لفطاحل السياسة الكتلوية.

وبعد كل هذه الأعمال المضحكة المبكية ينحي الكتلويون على الفرنسيين وغيرهم باللائمة، لأنهم يفتحون قصة الأقليات أليس الكتلويون أنفسهم هم الذين يوجدون الأقليات في البلاد بهذه التفرقة العلنية بين احترام جماعة واحترام جماعة أخرى؟

أجل، ليست الفئات التي لا تخضع لمشيئة الكتلويين الطاغية سوى "قطرة ماء في المحيط الهادئ" ويريد الكتلويون بعد كل ذلك أن يستتب الأمر وتتوحد الصفوف وتتقدم الأمة في طريق الفلاح!

وما أشأم هذه العقلية الإقطاعية على الأمة وقضيتها! ويا ضياع المجهود العظيم الذي تقوم به الأمة في هذه النتيجة الضائعة!

قلنا أن أخطاء الكتلويين في الأساس، فهم يزعزعون أساس الدولة الحقوقي ويرجعون بنا على حكم الإقطاع البائد، وهم مع ذلك لا يشعرون أنهم يأتون أمراً ادّ!

الكتلويون سادة ومن سبح بحمدهم موالي ومن أراد أن يتمتع بحقوقه المدنية كان مارقاً من الوطنية عدواً لللاقطاعيين الذين يمثلونهم، هذه هي الحكمة الفائقة التي نزلت على الكتلويين نزول الوحي.

"ايش أخي، أقليات يوق!".

النهضة ، بيروت 1938


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه