إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

النظام الدستوري وانتخاب رئيس الجمهورية

رفيق حاج - البناء

نسخة للطباعة 2014-11-21

السؤال: هل نحن في حاجة إلى ثورة دستورية؟ وهل الأحداث التي عصفت في الكيان اللبناني منذ نشوئه عام 1920 حتى الآن، توجب تغييراً في النظام الدستوري؟ وهل يوجد ظلم وطغيان واستبداد يدعو إلى لتمرد وإعلان السخط العام؟ وهل يوجد تمهيد لانقلاب في المفاهيم، قد يؤدي إلى محاولة تغيير في النظام والقوانين وفي إدارة الحكم؟

لناحية سيرة الحكم الذاتية في جبل لبنان، بعد خضوع الأمير فخر الدين الأول لسلطة العثمانيين إثر تحالفه معهم ضدّ المماليك في معركة مرج دابق 1516، حيث نكلوا عن إعطائه كامل «إمارة عربستان» أي المشرق العربي وظهرت سلطة الإمارة التابعة لسلطان «الباب العالي».

وحين قرّرت الخلافة العثمانية إضعاف الأمراء، أدى هذا الإضعاف إلى تقسيم إمارة جبل لبنان إلى قائمقاميتين سهّلتا تدخل الدول الأوروبية، ما دفع الحكم العثماني إلى وضع نظام المتصرفية عام 1864 لإدارة الجبل بمجلس تمثيلي يترأسه المتصرف الذي يملك السلطة التقريرية والإدارية لمصلحة الدولة العثمانية، مكرّساً عقلية «فرق تسد» الطائفية. وقد ألغيت هذه القوانين بإعلان الحكم العثماني المباشر منذ عام 1914.

عام 1918 قررت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، الانتداب الفرنسي على لبنان وجزء من سورية، أما بقية منطقة «عربستان» الموعودة فقد انتُدب الإنكليز لحكمها بموجب معاهدة «سان ريمو» وصُدّق على المعاهدة في عصبة الأمم، وكما فعل العثمانيون، قامت جماعة سايكس ـ بيكو بنفس النكول مع الشريف حسين المتحالف معها.

وبذلك، تحوّل النظام الدستوري إلى يد الحاكم العسكري سنة 1920 وتمّ تعديله عام 1922. وظلّ تعديل الأنظمة يتبدل حتى انتخبت في مجلس النواب لجنة من 12 نائباً، لتتولى وضع دستور وافق عليه المفوض السامي في 23 أيار 1926. وقد كُتب لهذا الدستور بما أدخل عليه من تعديلات، أن يظلّ نافذاً ومطبقاً حتى اليوم في معظمه وفي روحيته.

في ما يتعلق بالتعديلات الدستورية، فإذا راجعنا كافة الأسباب التي مرّت عليها التعديلات الدستورية منذ محاولة الإنشاءات الأولى للكيانات السياسية في المشرق العربي، فإننا نلاحظ أنّ هذه التعديلات منوطة بالتغييرات الإقليمية، كما نلاحظ وجود متمّمات محلية تواكب هذه المتغيرات وتفلسف لمبدأ «السيادة والحرية والاستقلال» وفقاً للمنظومة المتحكّمة في المنطقة ودوائر الصراع «الأنترنسيونالي».

ومن هذه الناحية، تتوجب قراءة ما تمّ تكوينه في التعديلات الأساسية التي توافق عليها مجلس النواب في اتفاق الطائف، وحلّ هذا الاتفاق المعدّل على الشعب اللبناني بصفة دستور. ولكن هل تمّ تطبيق «الدستور؟» وهل تمّت إجراءات إنشاء المؤسسات الدستورية التي نصّ عليها «الطائف» ومنها مجلس الشيوخ؟

فإذا كان دستور 1926 قد نصّ في مادته 73، على أن يجتمع مجلس الشيوخ ومجلس النواب في «مجمع نيابي» قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بناء لدعوة رئيس مجلس الشيوخ. كما نصّت المادة 74 من دستور 1926 على أنه إذا خلت سدّة الرئاسة لأي سبب، يجتمع المجلسان من أجل انتخاب الخلف فوراً بحكم القانون، وإذا حصل خلو الرئاسة في وجود مجلس النواب منحل، تدعى الهيئات الناخبة من دون إبطاء ويجتمع المجلسان بحكم القانون في حال فرغا من الأعمال الانتخابية لانتخاب الرئيس.

كما اعتبرت المادة 75 من دستور 1926 أنّ «المجمع النيابي» الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر «هيئة انتخابية» لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الجمهورية من دون مناقشة أو أي عمل آخر، كما نصّت المادة 76 من دستور 1926 يحقّ للمجلسين مباشرة، أو بناء على اقتراح رئيس الجمهورية، أن يقرّرا إعادة النظر في الدستور بعد قرار يتخذه كلّ منهما على حدة بغالبية الثلثين المطلقة من مجموع أعضائهما، تحدّد فيه المواضيع التي يراد تنقيحها .

وجدير بالذكر أنّ عدداً كبيراً من نصوص مواد الدستور أكدت وجود مجلس الشيوخ بل سمّت النظام البرلماني «بالمجمع البرلماني»، أي التئام مجلسي الشيوخ والنواب معاً لاعتبار النظام اللبناني ـ نظاماً ديمقراطياً ـ برلمانياً.

وحيث أنّ تغييب المؤسسات الدستورية الموقّع عليها أصولاً من معدلي الدستور الحالي يعتبر انتقاصاً قانونياً للنظام السياسي وللدستور، فإنّ التعديلات التي طرأت على مواده وبالأخصّ من المادة 60 إلى المادة 79، لم تراعِ أصول التنفيذ بين أركان السلطات الحاكمة لأنها حولت النظام الدستوري إلى نظام عرفي موزع بالمحاصصة بين الإقطاع السياسي الطائفي ومراكز النفوذ الإقليمي، ولولا وجود بقايا «تحالف» عائلي ـ اقتصادي ـ طائفي ـ سياسي، لكانت الأمة والبلد في حاجة فعلية إلى الجواب على الأسئلة المطروحة في بداية هذا البحث، أي هل نحن في حاجة إلى ثورة دستورية أو ثورة انقلابية؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024