شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-03-13
 

النقب... فصل مصر عن بلاد الشام لا يزال استراتيجية صهيونية

أحمد أشقر - البناء

في الحادي والعشرين من حزيران 2013 صادق «الكنيست الإسرائيلي» على خطة «برافرمان- بيجن» بالقراءة الأولى هنالك ضرورة بقراءتين أخريين كي يصبح القانون نافذاً . وقد صوّت إلى جانب القرار 43 عضواً في الكنيست مقابل 40 آخرين اعترضوا عليه. وتقضي الخطة بضرورة تجميع عشرات القرى العربية في النقب والتي لا تعترف «إسرائيل» بشرعية وجودها، أي تهجير عشرات الآلاف من أهاليها وحشرهم في تجمعات تخطط لإقامتها دون الأخذ بعين الاعتبار بتاريخ هؤلاء ولا نمط حياتهم ولا مصالحهم ولا ملكيتهم للأرض، كما تقضي بمصادرة 800 ألف دونم، يطالب عرب النقب الحكومة بملكيتهم لها بموجب قانون الملكية الخاصة.

في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2014 أعلن وزير الإسكان الصهيوني، أوري أرئيل عن خطة سيعرضها على الحكومة تقضي بإعادة تجديد استمرار السيطرة على أراضي العرب وتهويد النقب. وتقضي الخطة المذكورة بإقامة 22 مستعمرة منها 7 لتجميع القرى العربية التي لا تزال موزعة على جزء من أراضي النقب وما تبقى، 15 مستعمرة لليهود لاستجلاب نصف مليون مستعمر حتى العام 2035.

أثارت هذه المصادقة وما تبعها من إجراءات عدوانية غضب أهالي النقب، فتظاهر الآلاف منهم، بالإضافة إلى المئات من عرب المثلث والجليل، معربين عن رفضهم الخطة التي وصفوها بالـ»نكبة». وأعلنت «لجنة متابعة شؤون المواطنين العرب في إسرائيل» الإضراب العام في المناطق المحتلة عام 1948 في الخامس عشر من تموز 2013.

بدأت الخطط اليهوصهيونية تجاه النقب قبل ولادة أجداد «برافرمان» و«بيجن» عام 1898، عندما اقترحت الحكومة الإنجليزية على اليهود منحهم كياناً في شمال سيناء والعريش ليمتد بعد ذلك إلى النقب . وفي العام 1903 انطلقت بعثة مشتركة لفحص الموضوع على أرض الواقع مع الحكومة المصرية، لكنّ الأخيرة، التي وافقت في بداية الأمر، عادت وتراجعت، بعد ذلك، لأنّ الكيان الوليد من شأنه أن يستهلك حصّة كبيرة من مياه نهر النيل.

لم يَغِب هذا الاقتراح، وكذلك الأدبيات التي كُتِبت عن المشروع، في حينه، عن ذهن وتفكير العرب والقوى القومية الأخرى، آنذاك. فبعد سنتين من التخلي الموقت عنه، كتب الطبيب والفلكلوري الفلسطيني توفيق كنعان 1882- 1964 ، عام 1905، محذراً العرب من خطورة الاستراتيجية الصهيونية تجاه النقب، شارحاً أنّ النقب هو في صلب العقيدة الصهيونية، لأنه المنطقة التي تعزل مصر عن بلاد الشام، أي أنّ الصهيونية ستستخدمه لتفكيك الوطن العربي وإضعاف الأمة. ومنذ ذلك الحين لا يزال النقب ماثلاً في في الفكر السياسي والتخطيط الصهيونيين بصيغ تؤكد ما جاء به توفيق كنعان.


تبلغ مساحة النقب 13 مليون دونماً، أما النقب الفلسطيني فمساحته 11 مليون دونماً. والمليونان المتبقيان هما شمال سيناء والعريش. وكانت الخطة، في حينه، أن يبدأ المشروع من شمال سيناء ثم يتسع باتجاه الشمال، إلى النقب الفلسطيني.

لم تكتب الباحثة «حايا نوح» عن أهمية النقب بالنسبة إلى الصهيونية ودولة «إٍسرائيل». بالطبع، يمكن معرفة السبب، فالبحث عبارة عن رسالة ماجستير منشورة في الجغرافية الاجتماعية، وليس في الدراسات الاستراتيجية التي هي حكر على السياسيين والعسكريين، ولا يبحث فيها داخل الجامعات والمعاهد البحثية التابعة لها، بل في معاهد تكون مرتبطة بالحكومات والجيش، وتأخذ الطابع السرّي أو شبه السرّي. والباحثة هي مِمَّن يُعرفون بباحثي مرحلة «ما بعد الصهيونية»، التي تهدف إلى نسيان احتلال الجزء الأول من فلسطين وطرد أهلها عام 1948، ومنحه الشرعية، ولو الضمنية منها، والحديث عن النتائج في أبعادها المدنية فقط، كعدم المساواة والتمييز وما إلى ذلك.

تقول الباحثة إنّ الاهتمام بالنقب بدأ عام 1948، لكنّ هذا ليس دقيقاً، فالاستعمار بالقرب من النقب كان قد بدأ في العام 1912 عندما أقامت مجموعة من الصهاينة مستعمرة «روحاما». وفي العام 1943 أقامت ثلاث مجموعات أخرى ثلاث مستعمرات شمال النقب. ولم يمنع هذا الدولة من استخدام قوانين الطوارئ لعام 1945، والتي قال عنها مناحيم بيجن 1913- 1992 إنها لم تكن موجودة في ألمانيا النازية، بغرض قمع العرب والسيطرة على أراضيهم ومصادر ثرواتهم. لذا عمدت الصهيونية وأذرعها المختلفة إلى توسيع حدود الكيان، قدر الإمكان، وتقويتها في وجه «الأعداء العرب»، وسنّ القوانين والأنظمة لتثبيت ذلك، ثم تسليمها إلى «إسرائيل» واليهود، وإقامة المستعمرات لهم. هذا ما جاءت به الباحثة، نقلاً عن تنظير أرنون سوفير، أكثر المنظرين تأثيراً في مجال السيطرة على الأراضي والمياه العربية ص 26- 52 . ما تقوله الباحثة ليس دقيقاً، فقد أقام المُستعمرون اليهوصهاينة النواة الأولى لمٌستعمراتهم في العام 1946، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف هذا الاستعمار.

وكما أسلفنا، وبسبب المكانة الخاصة للنقب، فقد ناقشت «لجنة الترانسفير» عام 1948، علماً أنّ الاسم الرسمي لها هو «لجنة الشؤون العربية» التي كان يرأسها بن جوريون في بداية الاحتلال، مصير سكانه. واقترح بعض أعضاء اللجنة إكمال طرد العرب منه، إلا أنّ النتيجة كانت بضرورة تركيزهم شرقيَّ مدينة بئر السبع ص 29- 30 ، كي تسهل عملية طردهم إلى شرق الأردن، مستقبلاً. ومنذ ذلك الحين وعملية التركيز، التي هي عنوان طردهم من أراضيهم وسجنهم في تجمعات ضيقة، مستمرة، وقد بدأ الإعداد لها عام 1950، حين قررت حكومة الكيان تركيز البدو في تسعة مراكز، ثم انخفض العدد إلى سبعة، ثم إلى خمسة، وفي عام 1962 خفضت الحكومة العدد إلى ثلاثة. ولا تزال سياسة تركيزهم في أقلّ عدد من المراكز هي الاستراتيجية القائمة. ومنذ ذلك الحين وعرب النقب يعانون الأمرّين، من الطرد، إلى تسميم المواشي وآبار الشرب، وجرف الأراضي المزروعة بالقمح والشعير، وقتل كلّ من يقترب من أبنائهم إلى حدود إحدى المستعمرات، حتى أنّ السلطة التشريعية، «الكنيست»، سنّت عام 2008، قانوناً يبيح قتل العرب، وأطلقت عليه اسم الإرهابي «درومي» الذي قتل شاباً عربياً من النقب، لأنّ هذا الشاب اقترب من مزرعة المجرم «درومي» بـ«داعي السرقة»! وحتى منتصف العام 2014، هدم الكيان الصهيوني قرية العراقيب «غير المعترف بها» للمرة السبعين، لأنّ أهاليها يرفضون مبدأ التركيز، أي طردهم من قريتهم. وفي غضون هذه الفترة الممتدة منذ النكبة وحتى يومنا هذا ناقشت حكومة الكيان، علناً، خطة طردهم بالكامل من النقب، فقد ذكرت صحيفة «هآرتس»، في عددها الصادر بتاريخ 20.11.1999، اقتراح وزير المالية يتسحاق موداعي 1926- 2007 بطرد العرب من النقب، وتقدير ورصد التكاليف المالية اللازمة للتنفيذ. كان الهدف المعلن هو استجلاب 400 ألف مهاجر من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، في ذلك الحين. وبحسب إحصائيات عام 2003، يعيش في النقب ما بين 140- 150 ألف عربي، تقريباً، ويعيش 55 في المئة منهم في القرى غير المعترف بها. وقد نعتت السلطات هذه القرى بـ«غير المعترف بها»، علماً أنها تنسجم مع تعريف وزارة الداخلية بأنها قرية عادية «مثلها مثل المناطر في الجليل» ص 19 . وتؤكد الباحثة أنّ هدف السلطات هو السيطرة على الأراضي ليس إلا ص 52- 59 .

تتناول الباحثة القرى الثلاث: الترابين، وأم بطين، والمقيمان، غير المعترف بها، بوصفها حالات ممثلة لبحثها. وتقدم المعطيات الضرورية لأي بحث من هذا النوع. فهي تسلط الضوء على المعطيات المادية المختلفة: التاريخ، السكان، الأبنية السكنية والعامة، عدد الطلبة، والقوانين والأنظمة التي استخدمتها السلطات ضدّها. ولا تنسى الباحثة أن تؤكد أنّ هذه القرى كانت قائمة قبل الاحتلال عام 1948 ص 70- 107 .

رغم أهمية البحث، من ناحية حشد المعطيات اللازمة لإثبات ما تصبو إليه الباحثة: بأنّ سلطات الكيان تسعى إلى السيطرة على الأرض وتركيز/ تقليل/ طرد السكان من النقب… إلا أنها تقع في الفخّ الذي تنصبه نظريات ما بعد الحداثة، وتحديداً نظريات ما بعد الاستعمار، التي تعتقد بانتهاء الصراع القومي، ووجوب التحوّل إلى النضال المدني الذي يكفل، ليس كلّ الحقوق القومية «للسكان الأصلانيين»، بل جزءاً من حقوقهم: المدنية فقط.

تقرأ الباحثة ما يحدث في النقب، وفق النموذج الذي حصل للهنود الحمر في أميركا، والسكان الأصليين في أستراليا علماً أنّ المشرف على رسالتها الجامعية، أورن يفتحئيل، متخصّص في السكان الأصلانيين في أستراليا . وتقول، أيضاً، إنّ المواجهات العنيفة للـ»أصلانيين» مع السلطات الاستعمارية قد فشلت، وإنّ تطوير أساليب غير عنيفة من شأنه أن يُثمر بعض الشيء ص 22- 26 .

ما تقوله يعني الكثير: أولاً أنّ الصراع الوطني في الأرض المحتلة عام 48 قد انتهى. لذا فكلّ ما بقي هو النضال المدني لتحسين ظروف العبودية، ليس أكثر ولا أقل. ثانياً أنّ الصراع القومي: العربي ـ اليهودي الصهيوني، لا وجود له، فكلّ ما بقي هو النضال المدني أيضاً . هذا صحيح، في جانب ما لأنه يحسن حياة الناس اليومية، لكنه ليس بالواقع الحتمي، أبداً، رغم أنّ الفكر السياسي الفلسطيني العربي وغالبية النخب الفلسطينية والعربية تقبل ما تقول به الباحثة. لذا يتوجب العودة إلى المربع الأول: قومية الصراع وعروبته، وعدا ذلك نكون مثل أحد شيوخ الهنود الحمر، الذي حارب الاستعمار، لكن عندما اعتقل ابنه أصبح همّه أن تتم محاكمة ابنه بنزاهة، وفقاً لقانون المستعمر! وعليه يتوجب رفض ما تخلص إليه، في نهاية بحثها، ألا وهو ضرورة تطوير النقب لسكانه العرب واليهود، معاً ص 123 ، أي تثبيت كون النقب المنطقة التي تفصل مصر عن بلاد الشام، لكن هذه المرّة بمشاركة عربية ـ فلسطينية. ولا شكّ، أيضاً، في أنّ حصار قضاء غزة، الواقع غربي النقب، يندرج ضمن هذه الاستراتيجية.

لا يستهدف الاحتلال أراضي وقرى النقب فقط، حيث أقدمت شرطته على قتل كلّ من معاذ سامي الجعّار بتاريخ 14/1/2015 وسامي الزيادنة بتاريخ 18/1 في السنة أثناء جنازة الجعار. ومن تجارب الماضي، نعرف أنّ قائمة قتل عرب من النقب لا تزال مفتوحة. فقد أقدم قائد المنطقة الجنوبية في شرطة الكيان على مكافأة الشرطي قاتل الجعّار بترقيته وضمّه إلى طاقم مكتبه. هذه الترقية إشارة هامة تقول: أقتل عربيّاً تترقى!

نعود ونكرّر مرة أخرى: إنّ خطة «برافرمان- بيجن» خطوة جديدة في استراتيجية منع التواصل الديموغرافي- الجغرافي بين عرب النقب مع شعبهم في الضفة الغربية وقضاء غزّة والمثلث والجليل، ومنع تواصل مصر مع بلاد الشام. وما تواصل العدوان على قضاء غزّة التي تعتبر جزءاً طبيعياً من النقب، إلا محاولة إضافية أخرى في سبيل استمرار تحطيم مصر وجعلها تستجدي بدو الخليج لإنقاذ اقتصادها. هذا ما لا يدركه النظام المصري الحالي في مصر. فهذا النظام لا يدرك أنّ بارود غزة ودماءها ودموعها هم الحرّاس الأوفياء لأرض الكنانة وبدلاً من تحويل غزّة إلى شوكة في خاصرة الكيان، حوّلها هذا النظام إلى خنجر في كلّ جسده.

أقدم كلّ من حكومة «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية والنظام الأردني في السابع والعشرين من شهر شباط الماضي على التوقيع على اتفاق شقّ قناة البحرين من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر لإقامة مشاريع تحلية المياه وإنتاج الطاقة الكهربائية ومحاولة إنقاذ البحر الميت الذي قدّ يجفّ بحلول العام 2050، كما يؤكد خبراء مؤيدين لهذه القناة التي بدأ التخطيط لها في العام 1941! ويخطط الكيان الصهيوني لجرّ المياه المحلاة إلى النقب لتحقيق مشروعه التاريخي بتوطين أربعة ملايين يهودياً إضافة إلى المليون الحالي. ومن شأن هذه القناة في حال إتمام تنفيذ مراحلها كافة أن تهدّد مكانة قناة السويس أو تشكّل بديلاً لها. والسؤال: هل يمتلك نظام الردّاحين في السياسة والإعلام في مصر القدرة على التصدّي لهذا المشروع، أم أنّ خططهم المقبلة، كما يتم تسريب بعض تفاصيلها تباعاً، هي القيام بدور الكيان الصهيوني وقصف قضاء غزّة بالطائرات التي تموّل تكاليفها محميات «الخلايجة»؟

القرى الموجودة وغير الموجودة

القرى البدوية غير المعترف بها في النقب

حايا نوح

إصدار: برديس للنشر، 2010

204 صفحات بالعبرية


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه