شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2015-05-19
 

" أمثولة " تأسيس الحزب القومي: انبعـاث أمّـة من " قبر التاريخ " 2

طـه غـدار

حلقة ثانية :

-8- تأسيس كل شيء للحركة الجديدة.

-9- صياغة أنظمة الأحزاب التي أسسها.

-10- وضع أول دستور لسورية.

-11- مسألة التعاقد.

-12- الزعامة.

8- تأسيس كل شيْ للحركة الجديدة:

كانت المهمة التي انتدب سعاده نفسه إليها، مهمة تكاد تكون في ذلك الزمان في منتهى الصعوبة أو شبه مستحيلة: إصلاح حالة مجتمع يعاني من التخلف الاجتماعي والغياب التام للشأن الاقتصادي والتمزق النفسي و... لا سيما في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية المحيطة ببلادنا. لكنه رغم ذلك كان "رجل المستحيل"، فلا شيء، لديه صعب على الإطلاق. كان دافعه إيمانه بمقدرات شعبه، وهكذا أطلق سعاده هذه النهضة الجبارة هادفاً تغيير وجه التاريخ.

تابع سعاده بجدية لا مثيل لها، رغم كل الصعوبات والعراقيل لأن ما يهدف إليه هو إقامة "عجيبة" أي "النهضة" في ذلك الزمان. يقول حول هذا الأمر في مقالته من "الظلمة إلى النور" (15/10/1942)، بعد إيراده أسباب توقف مجلة المجلة العام 1933: "... من أجل صرف كل عنايتي إلى تنظيم الحركة القومية التي كانت تحتاج إلى إنشاء وتأسيس كل أمر من أمورها، إذ لم يكن قبلها شيء إداري أو اجتماعي أو سياسي أو ثقافي أو دستوري أو مناقبي يصح اعتماده لنوع هذه الحركة الجديدة".

ويعلن بوضوح كلي أنه أسس كل شيء، وأن ما وضعه كافٍ "أما الزعيم، صاحب الدعوة، ومؤسس التعاليم، فقد أعطى حتى الآن أشياء أساسية كافية لقيام النهضة، بدليل أنها قامت عليها. وهو ليس للمهاجرين فقط وإن يكن الآن موجوداً في المهجر بحكم الظروف الغالبة، بل لجميع الشعب. ليس للجيل الحاضر فقط، بل للأجيال المقبلة أيضاً". (معلومات وانتقادات واقتراحات 1/1/1943)

وكان سبق أن قال المعنى نفسه في كلمة له إلى ادويك شيبوب (6/1/1938): "... إقامة أمرٍ لم يسبق له مثيل في وطننا ولم يسبق لأمتنا اختبار فيه".

نهضة المجتمع

ويؤكد سعاده أن هذه "النهضة العجيبة" ستجترح العجايب في سورية وستركز اهتمامها على المصالح الحقيقة" وأن المشاكل السياسية لسورية الطبيعية قد أصبح حلها بواسطة النهضة السورية، التي يقوم بها الحزب السوري القومي، مسألة وقت فقط.

أما المشاكل الاجتماعية فأهمها وحدة الحقوق والواجبات، وهي مشاكل ننظر إليها بعين التقدير في المبادئ الأساسية والإصلاحية للحزب السوري القومي. والعلاقة بين السياسة والاجتماع ضعيفة جداً، وأن من الأخطاء الفادحة في جميع الحركات التي جرت في حياتنا الماضية هي أخطاء إهمال الاجتماع في الأعمال السياسية، أما النهضة السورية القومية الجديدة فتعلن أن السياسة فن غرضه خدمة المجتمع فأساسه دائماً اجتماعي قومي". (حديث الزعيم إلى جريدة الأيام 20/5/1936).

واضح مما تقدم، أن سعاده هو المعلم والهادي والباني للأمة السورية من خلال وضعه العقيدة بمبادئها الثمانية، التي تهدف إلى إعادة توحيد الشعب السوري على أرض وطنه، والمبادئ الإصلاحية الهادفة لبناء حياته المستقبلية وتأمين مصالحه الحيوية ونهوضه القومي... لذلك فهو عندما عاد إلى وطنه عام 1947، ولاحظ الانحراف الذي وقعت به القيادة على الصعيدين العقدي والدستوري، سارع إلى إعادة العمل بالندوة الثقافية وشرح العقيدة مجدداً، مؤكداً في ذلك على أنها العقيدة المحيية لآمال الشعب السوري في الوحدة القومية. كما أعاد شرح النظام الجديد الذي يرفع مستوى الأمة ويؤمِّن مصالحها، كما شرح الخطاب المنهاجي الذي يوضح سياسة الحزب العامة.

9- صياغة انظمة الاحزاب التي أسسها:

ما من شك في أن تجربة سعاده في المغترب لجهة تأسيس أحزاب ووضعه المبادئ والنظام لها. إضافة إلى انتسابه للحركة الماسونية. قد أعطاه خبرة في العمل التنظيمي. فهو كان يشدد على أهمية وضع مبادئ ونظام لكل حزب أسسه أو شارك فيه. فهو في أول تجاربه الحزبية: (جمعية الشبيبة الفدائية) وضع المبادئ وغاية الجمعية، وأُنتخب رئيساً لهم رغم كونه أصغر المرشحين سناً كما يقول نواف حردان في الجزء الأول من كتابه "سعاده في المهجر"، كما جرى انتخاب سكرتير عام للجمعية ومدير للدعاية، إضافة إلى ستة مدراء آخرين.

كذلك وضع سعاده مبادئ "الرابطة الوطنية السورية" وأدخل تعديلاً على قانونها، وبقيت الغاية التي سبق أن وضعها للجمعية الآنفة الذكر.

ونقرأ عند حردان أيضاً، بعدما أسس سعاده "حزب الأحرار السوريين" أنه وضع المبادئ التالية:

1- سيادة الأمة السورية على نفسها.

2- توحيد البلاد السورية ضمن حدودها الجغرافية المعروفة.

3- فصل الدين عن السياسة في الدولة السورية.

4- مكافحة الطائفية.

5- اعتماد القوة لنيل الأمة السورية حقوقها وبلوغها أهدافها.

أما نظام الحزب فكان ينص على وجوب احترام الأعضاء لرؤسائهم وتأييد سلطة زعيمه في التشريع والتنظيم والقيادة، وأن يُقسم كل عضو قسماً رسمياً عند الانتماء، وأن لا يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، وأن يبقى الحزب سرياً.

وأجمع الأعضاء على سعاده رئيساً له وزعيماً والناطق باسمه في المستقبل، وله وحده حق القيادة العليا، وتعيين المؤهلين لوظائف الحزب".

أما المسؤوليات الواردة في النظام فهي التالية:

رئيس أو زعيم، نائب رئيس، الناموس العام، أمين الصندوق، مدير الدعاية، مدير الثقافة، مدير العلاقات العامة.

وجدير بالذكر أيضاً، أنه خلال انخراطه في الماسونية كان متفوقاً على المنتسبين كافة لهذه الحركة وقد قطع أشواطاً خلال فترة قصيرة، وقبل نهاية العام من انتسابه أُنتخب سكرتيراً في هيئة الإدارة الجديدة. وهذه خبرة جديدة له في مجال العمل السياسي فترة شبابه.

10- وضع اول دستور لسوريا:

أتينا على هذه النبذة، لنتعرف إلى أعمال سعاده على الصعيد الحزبي والقومي العام، قبل تأسيسه الحزب السوري القومي الاجتماعي. ولنؤكد على حقيقة أن هذه المؤشرات تثبت على مسيرته الناصعة على الصعيد القومي، وأنه كان صاحب قضية منذ يقظته على الحياة، ومنذ رفضه حمل العلم العثماني وحتى تأسيسه النهضة القومية عام 1932 هو هو. وبالتالي كان طوال هذه المدة في مرحلة إعداد لحركته الحزبية التي توَّجها بتأسيسه الحزب القومي الاجتماعي، بعدما استوعب بعقله المنفتح علوم عصره وكوَّن منها "نظام فكر" ومؤسسات فيها خلاص مجتمعه، وإعادة إطلالته بقوة، واحتلال مكانه اللائق تحت الشمس.

عمل سعاده على درس أوضاع مجتمعه السوري دراسة معمقة. هذا المجتمع الراسف تحت التجزئة الجغرافية نتيجة مفاعيل سايكس – بيكو، والواقع في أجزاء منه تحت احتلالات استيطانية فارسية، تركية، سعودية، يونانية، مصرية ويهودية. إضافة إلى التفسخ الروحي الثقافي، في ظل إهمال الشأن الاقتصادي.

البناء القومي

لقد صاغ سعاده الفكر الصالح لإنقاذ مجتمعه كما صاغ النظام "الأمثل" لنهضته عبر إنشاء المؤسسات في شؤون الحياة القومية كافة إذ لا يقوم مجتمع من دون مؤسسات اجتماعية وسعاده في هذا المنحى هو رائد نهضة مجتمعه السوري من رقاده في عصر الظلمات إلى عصر الأنوار. فما فعله سعاده، هو إعادة بناء شاملة للمجتمع والدولة السوريين فهو باني المجتمع السوري الجديد. لكن حزبه قصَّر في العمل بخطته. ومجتمعنا ينتظر من تلامذة سعاده الارتقاء إلى مستوى العمل الجاد بهذه الخطة التي وضعها معلمهم.

ويؤكد سعاده في خطابه المنهاجي العام 1935 على قيام الدولة السورية القومية الاجتماعية بعد وضعه دستوراً لها العام 1934. فالدساتير توضع للدول، لا للأحزاب والجمعيات العادية – كما بتنا اليوم بكل أسف – من هنا قوله في بداية خطابه: "منذ الساعة التي أخذت فيها عقيدتنا القومية الاجتماعية تجمع بين الأفكار والعواطف وتلمّ شمل قوات الشباب المعرَّضة للتفرقة بين عوامل الفوضى القومية والسياسية المنتشرة في طول بيئتنا وعرضها وتكَّون من هذا الجمع وهذا اللَّم نظاماً جديداً ذا أساليب جديدة يستمد حياته من القومية الجديدة هو نظام الحزب السوري القومي الاجتماعي – منذ تلك الساعة انبثق الفجر من الليل وخرجت الحركة من الجمود وانطلقت من وراء الفوضى قوة النظام، وأصبحنا أمة بعد أن كنا قطعاناً بشرية وغدونا دولة...

الحقيقة، أيها الرفقاء، أننا قد ترابطنا في هذا الحزب لأجل عمل خطير جداً هو إنشاء دولتنا وليكون كل واحد منا عضو دولته المستقلة..." ويشدِّد في شرحه للخطاب على هذا المعنى بقوله: "هذه هي النظرة الحقيقية لوجود الحزب السوري القومي الاجتماعي ولذلك عبَّرنا عنه أنه دولة الأمة السورية المستقلة... وهو حقيقة جوهرية أكيدة".

بدايات الصياغة

ويكتب سعاده إلى سلمى صايغ العام 1936، أنه كتب دستوره بالتتابع وكذا الأمر في خطابه أول مارس 1938. ويكرر عبد الله قبرصي ذلك في الجزء الأول من مذكراته (ص 83).

ويشير سعاده إلى هذا الأمر في دفاعه في المحكمة المختلطة فيقول: "إن المبادئ الأساسية التي تكوِّن دستور الحزب هي الشيء الثابت الراهن، أما بقية المواد التي في القوانين فليست إلاّ وسيلة عملية مؤقتة، ولدينا براهين هي الآن في يد المحكمة تثبت أننا كنا على وشك تعديل هذه القوانين".

وتثبت مقدمة مرسوم الطوارئ (العام 1936) إضافة إلى مضمونه، إلى استمرار إجراء التعديلات على الدستور قبل تصنيفه عام 1937، وإلغاء كل ما سبق عملية التصنيف.

ويشير عبد الله قبرصي في مذكراته (الكتاب الأول ص 30) إلى أن بداية الحزب كانت عسكرية الطابع. حيث ترد في رسائل الزعيم الأولى كلمة "القائد العام"، إضافة إلى السرية التي أتى على ذكرها جبران جريج في مذكراته (ص 110) فقد كان يرد اسم الحزب خلال فترة العمل السري بعبارة "الحق" أي الحزب القومي، وخلال فترة التأسيس، كان لدى القوميين المبادئ فقط دون شرح، مخطوطة على ورقة بقلم رصاص، إضافة إلى ورقتين، واحدة للانتماء، وأخرى كُتب عليها قسم العضوية... هكذا انتشر الحزب في أيامه الأولى...

وقد وضع سعاده المبادئ أولاً، ثم المواد الدستورية واحدة تلو الأخرى، نتيجة متطلبات العمل وتطوره. متخطياً ما سبق وعمله في المغترب. وأثناء فترة وجود الزعيم في المغترب، صدرت طبعة من الدستور عام 1941 وهي غير متوفرة. وقد أجرى الزعيم عليها بعض التنقيحات (الأعمال الكاملة – جزء 4، ص 334).

ملامح أولى

وتوضح بعض رسائل الزعيم قبل فترة تصنيف الدستور العام 1937 بعض ملامح للدستور الذي سبق عملية التصنيف: مثال رسالته إلى رفيق الحلبي (10/8/1934) فقد كان يطلق على الزعيم تسمية "القائد العام"، يرد فيها: "أننا في أشد الحاجة إلى نفي المسائل الشخصية من الحق. ومن مجموعنا عموماً. فليس عند القائد العام شخص أفضل من شخص، ولا فرد أحبُّ من الآخر، وهو لا يقر تدبيراً إلا لضرورة وسبب جوهري، ولا أخالكم تنكرون أن الحزم ضرورة قصوى لمثل المسؤولية التي نتحمَّلها..." كما ترد كلمات مثل: "اللجنة المركزية الإدارية في بيروت"، "الاجتماع العام" و"القانون" و"التقرير" و"لجنة الإدخال في دمشق" و"اللجان المختصة" و"هيئات ومجالس دنيا وعليا" في رسائله إلى عبد الحليم مراد وفضل أديب عبد الواحد (صيف 1936) والتي يرد فيها عبارة "النظام الداخلي" ومجلس العمد وهيئة مالية مؤلفة من "عميد، جابي عام، وماسك دفاتر، وأخرى إذاعية مؤلفة من: عميد، وكيل عميد وسكرتير. كما يورد مؤسسة "مكتب عبر الحدود" في رسالته إلى فخري معلوف (العام 1936). ويختصر في رسالته القصيرة من السجن إلى سلمى صائغ (1936) عملية وضعه المبادئ والدستور فيكتب: "وكانت حياتي، في هذه المدة القصيرة كثيرة الإنتاج، مع كل الظروف الصعبة المحيطة بي. وإني أعتبر إنجازي شرح مبادئ الحزب في مدة لا تتجاوز أربعاً وعشرين ساعة أعظم عمل قمت به في حياتي في أخصر وقت. إن هذا الشرح الوجيز يحتوي تعاليم الحزب وإيضاح قضيته. وقد أنجزت، مع الشرح المذكور، أهم شغل في بناء الحزب منذ نشأته، أي تكوين "جذعه"، الذي هو عدة هيئات ومجالس دنيا وعليا. فقبل هذا الإنشاء الجديد كنت أتصور الحزب رأساً وأعضاء بدون صدر وأكتاف، أما الآن فهو هيكل حي تام قابل للنمو".

هذا الإنجاز التاريخي، يَمْثُلُ أمامنا نحن القوميين الاجتماعيين، فنرى الزعيم الذي ضحّى وعمل وسهر وسُجن و... ليضع لنا المبادئ والنظام اللذين نسير على هديهما. وواجبنا ان نتابع سيرة سعاده ونضاله وتضحياته وقدوته...!؟

ونشير أيضاً في هذا المجال، إلى أن غاية الحزب قبل انكشافه – خلال فترة الانتداب – لم تكن تتضمن عبارة "إقامة نظام جديد". كذلك قسم المسؤولية للرتبة والوظيفة التي تضمنها الدستور الأساسي لاحقاً في المادة 14 منه.

إبرام الدستور

وكان قد صاغ بعض المواد النظامية لتنظيم شؤون الحزب الناشئ، وقد أُحتفل لمناسبة إبرام الدستور عام 1934، وصُنَّف عام 1937. ومعنى الإبرام قاموسياً: يقال قضاء مبرم أي قاطع لا مناص منه. بدأ عمله بوضع دستور، لتثبيت حق الأمة وتعيين شخصيتها، ولوضع الأعضاء أمام المسؤوليات التي ما اعتادوا عليها.

ويأتي عبد الله قبرصي على ذكر عملية الإبرام هذه، فيذكر في الجزء الأول من مذكراته (ص 110) "أن يوم الخميس في 21 تشرين الثاني كان يوماً مشهوداً. فقد طلب إلينا سعاده أن نعقد اجتماعاً حافلاً، لنُعيَّد الذكرى السنوية الأولى لإبرام الدستور. صحيح أنه صُنّف في كانون الثاني 1937، أما إبرامه ووضعه موضع التنفيذ فقد تمَّ فعلاً في 21 تشرين الثاني 1934.

عقدنا جلسة، أقمنا شبه حلقة حول المعلم. وحوالي الساعة الخامسة وقفنا وأدينا التحية وراح سعاده يحدثنا عن قيمة الدستور عقيدةً ونظاماً. وعن وجوب الاحتفال بعيد إبرام الدستور لأنه الشرعة التي كرست تأسيس الحزب الفعلي".

وفي خطابه في أول مارس 1938، يأتي سعاده على ذكر وضع الدستور، بقوله: "... وكنت في سنة 1934 قد وضعت مواد التشريع الأساسي وأوجدّتُ بعض المؤسسات فنشأت الفروع وتعيَّن عدد من المسؤولين لممارسة الصلاحيات الإدارية في المركز والفروع...".

لماذا لم يستمر العمل بالاحتفال بهذه المناسبة، إضافةً إلى مناسبة تصنيفه للدستور؟ هذا الدستور الذي أعاد سورية بشخصيتها الحقوقية والقومية إلى الوجود الحي والفاعل. إضافةً لما لهذه المناسبة من فضل في تعميق معرفة القوميين بهذا "النظام الجديد" وتطبيقه عملياً لتقديم النموذج الحي لشعبنا ولبقية أمم العالم؟!

القسم والعضوية

وضع سعاده قسم الانتماء. وفي مقالته "اليمين" شرح وافٍ عن أهمية القسم في حياة الإنسان، وفي حركة عظيمة تبغي نهضة المجتمع السوري الراسف تحت قيود الجهل والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي و... والقسم هو إعلان إيمان وولاء والتزام بقضية وطن تصغر أمامها كل القضايا الخاصة، إنه تصريح يُلزِم فيه العضو نفسه بنظام جديد لحياته العامة – وهو خاص بالسوريين فقط رجالاً ونساءً – وبموجبه عليه إطاعة سلطة الزعامة والدفاع عن هذه السلطة، والقيام بواجباته وفقاً للدستور والنظام... وبموجب القسم يتعاقد العضو مع "صاحب الدعوة"، هذا العقد الفريد من نوعه الضامن لحرية العضو ولحق إبداء رأيه بكل جرأة، وقيامه بواجباته العملية لنصرة القضية، وبالتالي حماية العضوية من مفاسد الإدارات الحزبية – إذا وجدت – فالتعاقد كان للالتزام الصارم بالعقيدة والنظام والعمل الجاد والصادق لتحقيقهما حياة فاعلة في مؤسسات قوية، وبالتالي هو حصن الحزب المنيع.

زيارة المناطق

إن دور الزعيم كان طوال فترة حياته، لترسيخ العقيدة، وبناء العصبية القومية الاجتماعية في نفوس القوميين. لاسيما خلال فترة العمل السري الصعبة في ظل الانتداب لإفهام الناس حقيقة دعوته. فكان يقصد المناطق التي تأسست فيها فروع جديدة للحزب، للقاء الرفقاء وتركيز العمل في الفروع ترسيخاً لإيمان الرفقاء بالعقيدة المحيية، وشحذ العزائم وإعطائهم النصائح والملاحظات على أعمالهم، وتوجيههم لتربية النشء والدقة في اختيار المواطنين الصالحين للعمل الحزبي. كل ذلك في تمام الكتمان والسرية، وفي ظل ظروف صعبة للغاية حيث الجاسوسية منتشرة والأميَّة متفشية و...

رغم كل هذه الظروف، زار سعاده الرفقاء في المناطق. وكانت أكثر زياراته باللباس الرسمي للحزب: فزار مناطق طرابلس والكورة مرتين، والشوف وجزين وجل الديب، وزيارتين للزلقا. وفي مراح غانم في برمانا أواخر عام 1935، دخلت دورية من الدرك على منتدى للتسلية حيث كان الزعيم يلتقي بعض الرفقاء، فاستمر الزعيم في كلامه لإزالة حالة الارتباك، ولم يُكشف أمر الحزب.

كما أقام الرفقاء. خلال فترة العمل السري – سلسلة أنشطة: يوم الكتاب، يوم الشجرة، كما أقيمت مشاريع عديدة منها تأسيس تعاونيات زراعية، واستئجار مدرسة في منطقة برمانا لمدة عام كامل، ولم يقبل مطران المدرسة تجديد العقد لمدة سنة أخرى، ولعدم ارتياحه "للغة الجديدة" التي كان يسمعها في أوساط المدرسين والطلبة!!

العمل النظامي

لقد جهد سعاده من خلال شروحه العديدة لهذا النظام الجديد، ولقسم العضو وأهميته، إفهام القوميين ضرورة الالتزام بالقواعد النظامية في الحياة الحزبية الجديدة طالباً من جميع الأعضاء السهر على "الأمور النظامية لأنها هي التي تحفظ وحدة موقفنا ووحدة عملنا، وهذا يعني أنه يجب على جميع أعضاء الحزب التابعين للمديرية التقيد بالنظام الحزبي بدقة والاستعداد لتقديم حساب عن تصرفاتهم السياسية والعمومية أمام هيئة المديرية والمراجع العليا. ويجب على المدير وأعضاء هيئة المديرية درس دستور الحزب وقوانينه ونظامه وتقاليده جيداً ومراقبة تصرفات أعضاء المديرية ودعوتهم إلى النظام كلما ظهر منهم أو من أحدهم ميل إلى الشذوذ أو الإهمال ورفع التقارير اللازمة في هذا الصدد إلى المراجع العليا". (من رسالته إلى مدير مديرية خوخوي 26/7/1946)

إضافةً إلى التصنيف الفني للوظائف الواردة في الدستور، والتي يطلب سعاده من المسؤولين والأعضاء أخذها بعين الاعتبار في عملنا القومي الاجتماعي في الوطن وعبر الحدود (من رسالته إلى غسان تويني 4/8/1946) وفي هذا الشأن الهام يُنظر إلى المرسوم الأول (مجلس العمد) في مادته الثانية التي جاء فيها: تسير إدارة الحزب وفاقاً للتصنيف الفني للمصالح الرئيسية ويجري تعيين العمد على أساس هذا التصنيف. أي وفقاً لقانوني تقسيم العمل والأهلية (أصحاب الكفاءة). وهذا غير معمول به في الحزب منذ استشهاد سعاده.

وهذا ما يورده الزعيم في بعض رسائله في ما خصَّ توزيع العمل على أصحاب الكفاءة والاختصاص. فيقول في رسالته إلى فارس بطرس (21/3/1941) "توزيع الأعمال على الأكفاء للاضطلاع بالأعباء".

ونقتطف من رسالته إلى وليم بحليس (31/7/1942) قوله: "توزيع العمل الذي هو القاعدة الوحيدة لسد حاجات متعددة في وقتٍ واحد". ويتابع قائلاً: "الإختصاص وقيام كل واحد بواجبه المفروض عليه أولاً هو الطريق الوحيدة المضمونة إلى إتمام كل دائرة مهمتها".

إضافة إلى شروح أخرى له في جملة رسائل لهذا النظام البديع الذي يبتغيه لسورية القومية الاجتماعية.

ويأتي على ذكر "النظام الداخلي" لكل مصلحة أو دائرة في رسالته إلى المذياع العام والمفوض لسان باولو (8/9/1941) وإنه يمكن أخذه من المصادر الدستورية والقسم وواجبات الأعضاء وخلافه من الأمور.

وفي هذا السياق، لا بدَّ من التذكير، والتأكيد في آن، أن سعاده بدأ عمله الحزبي بوضع دستور، بعدما أيقن من أنَّ خطته تسير بمسارها الصحيح.

العمل الإنشائي

وأن مباشرته العمل الحزبي في الوطن تتجاوز ما سبقها في المغترب. وقد رأى سعاده بعد سلسلة تجاربه الحزبية، أن الضرورة تقتضي قيادة نموذجية وجديدة، وأن ما سبق وأقدم عليه سواء في المغترب، أو الوطن لاسيما بعد حلِّهِ الحزب أول مرة لوجود إثنين لديهما نزعة حب الظهور. ولعدم وجود دستور مكتوب. إن عملية التأسيس تتطلب منه أموراً عديدة لا عهدَ لأحد من مواطنيه بها من قبل. لذلك فلا موجب على الإطلاق لهيئة مؤسسين طالما مستوى الوعي القومي لدى كل من التقى بهم في الوطن بُعيدَ عودته في تموز 1930 متدنٍ، إضافة إلى تدني مستوى المؤهلات الاجتماعية والثقافية والوطنية، وبما أن الشعب يرزح تحت كمٍّ هائل من المفاسد، فمن الصعوبة أن يشارك في عمل كبير، كالذي يزمع سعاده القيام به. ولذلك فإن المتنورين والمتعلمين أو الطلبة منهم، هم وحدهم من يمكن الاعتماد عليهم بعد مباشرته العمل الإنشائي للنهضة القومية الاجتماعية.

وحول هذا الموضوع يخط سعاده إلى غسان تويني (26/5/1946): "... وقد اقتضى بث العقيدة واكتساب العناصر الصالحة على أساسها للعمل لها بإيمان بها عملاً شاقاً طويلاً لأسباب عديدة، منها حداثة عهد الشعب بمثل هذه العقائد والمواضيع، وضعف الثقافة العمومية وتأصُّل النعرات الدينية والعرقية والحزبيات المذهبية والشخصية، ولوجود سياسات أجنبية في البلاد تعمل على منع نشوء الشعور بالشخصية القومية والوعي القومي للحقوق والمصالح الرئيسية.

فقد ابتدأت بث أفكاري ودعوتي في سنة 1930 ولم أتوفق إلى تكوين نواة للعمل العقائدي – السياسي إلاَّ في أواخر سنة 1932... وظلت نبتة ضعيفة جداً سريعة العطب طوال سنة 1933 ولم يتجاوز عدد أعضائها الخمسة عشر، وفي سنة 1934 تمكَّنا، إلى حزيران من هذه السنة، من مضاعفة عددنا فصرنا ثلاثين عضواً... وفي صيف السنة المذكورة امتدَّت الدعوة إلى طرابلس والكورة بمناسبة العطلة الصيفية واكتسبت عدداً من الشبان الذين قبلوا الفكرة مبدئياً وكان الواجب صهرهم في العقيدة. وفي شتاء 1934/1935 امتدت الحركة خارج نطاق طلبة الجامعة والمدارس الأخرى إلى أحياء بيروت وقرى الجبل ودمشق، وجميع هؤلاء المقبلين كانوا بحاجة إلى فهم العقيدة وإرساخها في نفوسهم، ولمَّا تكن قد نشأت إذاعة ولا كتب ولا نشرات ولا أبحاث لنقل الأفكار بسرعة وكان العمل بطبيعته بطيئاً ومحفوفاً بالمخاطر بسبب قوانين "قمع الجرائم" وغيرها".

بواسطة هذه الأدوات الأولية استطاع سعاده توليد "الحافز الروحي.... (الذي) حرَّك عوامل الحياة والارتقاء في جماعات كثيرة وأيقظ وجدان ألوف الأحداث والطلبة في طول البلاد وعرضها".

(من مقالته من الظلمة إلى النور 15/10/1942)

11- مسألة التعاقد:

لذلك كانت مسألة التعاقد في مقدمة الدستور. ولا حاجة للقول، أن مقدمة أي دستور تمثِّل الأساس القانوني لعملية البناء الدستوري بأكمله، وهذا في عُرف كل الحقوقيين ودارسي القانون الدستوري أمثال دومينيك روسو، وهذا ما أكدته قرارات المجلس الدستوري الفرنسي (قرار في 16 تموز 1971 – حرية تأليف الجمعيات) وأيضاً قرار المجلس الدستوري في لبنان (رقم 4/96 تاريخ أول آب 1996) والمتعلق بمراجعة إبطال قانون الانتخاب، إضافة إلى عدة قرارات صادرة عن المجلس الدستوري في لبنان.

وهذا ما أكده أيضاً القانوني البارز أندريه هوريو في كتابه بجزئين "القانون الدستوري والمؤسسات السياسية".

توضح مقدمة الدستور، إن الحزب تأسس بموجب تعاقد بين طرفين: الشارع، صاحب الدعوة، واضع أسس النهضة وبناءً عليه يتحمل (سعاده) مسؤولية الزعامة طيلة حياته كطرف أول، والمقبلين على الدعوة كطرف ثانٍ. على أن يؤيد الطرف الثاني، زعيم الحزب "في كل تشريعاته وإدارته الدستورية".

وقد تضمن الدستور الذي شرعه سعاده، كل صلاحياته التي سيضطلع بها خلال فترة زعامته للحزب – أي خلال حياته – كما تضمن كل حقوق الأعضاء وواجباتهم.

وتضمن الدستور قسم الزعامة، وقسم الأعضاء فرداً فرداً، وقسم المسؤولية والرتبة. وقد أدى سعاده القسم عام 1935، ولم يكن قسمه شرطاً لقسم السوريين القوميين الاجتماعيين.

الأساس التعاقدي

وللأمين مصطفى عبد الساتر باع طولى في شروحاته لدستور سعاده. وهو المحامي ورجل القانون الملتزم، وقد صدرت له مقالات عدة في مجلة الحزب في الثمانينات. كما احتوى كتابه "شؤون قومية" الصادر عام 1990 على مقالات عدّة حول مقدمة الدستور والتعاقد تحديداً. ومنها مقالته المميزة على هذا الصعيد: "الأساس التعاقدي لدى سعاده" وقد ورد فيها حول مقدمة دستور سعاده ما يلي: "هذه المقدمة تشكِّل الأساس الحقوقي للعقد الذي قامت عليه المؤسسة، مؤسسة الحزب السوري القومي الاجتماعي". وهي مثلها، مثل كل المقدمات في كل العقود القانونية، تشكل الجزء الرئيسي الذي لا يتجزأ من العقد، وتُفَسَّر جميع أحكامه على ضوئها.

... فإذا أقدمت القيادة على تبديل أو تغيير في محتويات العقد تجعل الفريق الآخر، أي الأعضاء، ليس في حلٍّ فقط من التزاماته تجاه القيادة، بل أيضاً في موقف يحق له دعوة القيادة إلى الالتزام بأحكام العقد وإلى محاسبتها عن كل إخلال فيها ومطالبتها بالعطل والضرر عن ذلك".

وهذا ما يكرره المفكر القومي الاجتماعي هنري حاماتي في كتابه "تجربة ناقصة" الصادر عام 1999 (ص 18 و20): "وما كان التعاقد ليعني شيئاً هاماً بذاته لو أن التعاقد الذي تأسس الحزب به ذو موضوع بسيط. غير أن الحزب السوري القومي الاجتماعي هو الحزب الوحيد في العالم الذي تأسس بالتعاقد. وما كانت هذه الفرادة التاريخية لتعني شيئاً هاماً لو أن الغرض منها كان تأمين سلطة زعيم الحزب ومؤسِسِه، وتعزيز وجوده على رأس الحزب مدى حياته، كما نصَّت مقدمة الدستور.

فلم يكن غرض سعاده من تأسيس الحزب بالتعاقد ضمان سلامة زعامته مدى حياته، بل ما كان سعاده يحتاج إلى التعاقد لضمان سلامة سلطاته على رأس الحزب، فهو الرجل الأقوى والأعلم والأنبغ والأعظم والأشجع والأنزه والأشرف... ليس بين رجال الحزب فقط، بل بين الناس جميعاً...

فالحقيقة هي أن سعاده جعل التعاقد فلسفة تأسيس الحزب ليضمن سلامة القضية السورية، موضوع التعاقد.

... حرص الشارع على ربط المؤسسات – المؤسسة الكبرى والمؤسسات الفرعية – بالقضية السورية القومية الاجتماعية، موضوع التعاقد.

... ولا تستطيع أية مؤسسة... أن تمس موضوع التعاقد. فهذا ثابت، نهائي، لا يحول ولا يزول للأعضاء والمؤسسات على السواء".

وفي كتاب "قراءة في دستور سعاده" الصادر عام 2010 شرح وافٍ لمفهوم التعاقد، وارد في المقالة الأولى، وفي بيان رئاسة الحزب عام 1987 (ص 170) وما يليها...

والحقيقة، كما يقول الأمين حاماتي، "هي أن سعاده جعل التعاقد فلسفة تأسيس الحزب ليضمن سلامة القضية السورية موضوع التعاقد.

هذا التعاقد متكون من عناصر ثلاثة هي: سعاده صاحب الدعوة بوصفه طرفاً أول، والمقبلون على الدعوة (المواطنون) بوصفهم إفرادياً، طرفاً ثانياً، والقضية السورية القومية الاجتماعية، بوصفها موضوع التعاقد.

هذه العناصر الثلاثة هي قوام نشوء الحزب، ووجوده، واستمراره، فهي إذن ثوابت الحركة السورية القومية الاجتماعية الأولى.

إن عضوية المقبلين على الدعوة مشروطة بالإيمان بالقضية السورية عقيدة ونظاماً، والإيمان بمنشئها، وهذا يعني بوضوح كلي أن الأعضاء يبقون مقبلين على الدعوة، ويبقون طرفاً ثانياً في التعاقد، ويبقى إيمانهم بالقضية السورية عقيدة ونظاماً، شرطاً لاستمرار عضويتهم في الحزب، كما كان شرطاً لاكتساب صفة العضوية وحقوقها. أي كما كان شرطاً لقبول الطرف الأول التعاقد معهم".

وحول قيام الدستور كله على فلسفة، يقول سعاده في رسالته إلى فؤاد توفيق بندقي (9/1/1941) بعدما كانا قد تصرَّفا في جريدة الحزب الصادرة في البرازيل، تصرفاً أدى إلى الوقوع في أخطاء جسيمة على الصعيدين الإداري والسياسي: "وبما أنكما قد أظهرتما استعدادكما للقيام بالواجب أولاً، ثم بالتضحية الممكنة ثانياً، فلا بد لي من لفت نظركما إلى أن الواجب والتضحية لا معنى لهما خارج النظام الذي اجتمعنا عليه وعلى إقامته وتأييده.

وقد تقبلت تهانئكما بالسنة الجديدة بكل سرور، وسرني تجديدكما عهد إخلاصكما، وأود أن يكون من وراء تجديدكما العهد ميلٌ إلى درس عمق فلسفة النظام السوري القومي، وعزم على جعل هذا النظام نافذاً تحت كل الظروف.

وأنا أتمنى أن تكون السنة الجديدة سنة خير لكما في حياتكما الخصوصية، وتوفيق في الخدمة القومية ضمن النظام الذي أصبح يمثِّل شخصيتنا المجموعية".

12- الزعامة:

بسبب انعدام وجود مؤسسات اجتماعية وثقافية وسياسية و... وطنية. وبسبب انتشار الأمية بشكل عام في بلادنا، استفادت الإرساليات الدينية الأجنبية على اختلافها من هذا الوضع، فساهمت في إذكاء الانقسام بين السوريين، عبر إنشاء المدارس على أنواعها في بعض المناطق، الأمر الذي لم يعطِ سوى نتائج إيجابية قليلة على الصعيد العلمي، ونتائج سلبية كثيرة على صعيد التعصب الطائفي والمذهبي والعائلي و...

لذلك، ففي ظل هذا الواقع المؤسف المؤلم، كانت الحاجة ماسة لإعادة الوجود السوري إلى الفعل كما في سالف الزمان، وبالتالي عودة ظاهرة النبوغ السوري بفضل البيئة الجغرافية الإستراتيجية، وبفضل الإمكانات البشرية التي يمكن تأهيلها، والموارد الطبيعية التي تختزنها الأرض السورية.

كانت الحاجة كبيرة إلى مؤسسات، كما كانت الحاجة كبيرة إلى أشخاص يحملون مؤهلات تمكنهم من إعادة النبوغ السوري إلى الحياة.

في الحقيقة حمل عدد من السوريين مشعل الفكر والثقافة من المعلم بطرس البستاني، إلى جبران خليل جبران وصولاً إلى بعض المصلحين الاجتماعيين من رواد عصر ما قبل النهضة القومية. لكنهم لم يستطيعوا إقامة مؤسسات جديرة بإنهاض السوريين من كبوتهم.

كانت الحاجة ماسة جداً إلى شخص يعي تماماً معاناة السوريين، ويضع خطة للنهوض بهم من "قبر التاريخ".

سلامة الحزب

في مقالة سلطة الزعيم (الزوبعة 1/3/1941) يشرح سعاده الأسباب الداعية التي حدت به لإقامة سلطة الزعامة في الحزب. يقول: "إذا درسنا جيداً تاريخ الحزب السوري القومي ودققنا في الاختبارات التي مرَّت به وجدنا هذه السلطة غير المحدودة للزعيم الضمان الوحيد لسلامة هذا الحزب الذي يمثل نهضة الأمة السورية. ولولا هذه السلطة لكان الأرجح أن يتفكك الحزب...".

فقد كان سعاده عبارة عن هيئة تأسيسية. وهذا ما يورده الأمين حاماتي في كتابه تجربة ناقصة (ص 13): "لقد قضى سعاده كل حياته بيننا، هيئة تأسيسية عامة دائمة. ولو أن الأقدار مدَّت بعمره حتى اليوم، فإن دوره كهيئة تأسيسية عامة ما كان لينتهي، ويشهد على هذا، ما نلاقيه نحن اليوم، تلامذته، من صعوبة فائقة في فهم أبعاد فلسفته، وهي بين أيدينا نصوص وشروح ووقائع تاريخ.

وهذا بالضبط هو ما اقتضى تأسيس الحزب على أساس التعاقد. فصاحب الدعوة يعرف دعوته ويفهمها، وهو وحده، من دون سائر الناس. وهو يعرف ما دعا الناس إليه، وما سيدعوهم إليه تباعاً، خلال مواجهات العمل".

معنى الزعامة

ونقلاً عن "لسان العرب" لابن منظور، حول معنى الزعيم، يورد التالي:

"الزعيم هو الكفيل، زَعَم به يَزْعُمُ زَعْماً وزعامة أي كَفَل. والزعيم: الكفيل، والغارم: الضامن.. وزَعَمْت به أو أَزْعُمُ زعماً وزعامة أي كَفَلْتُ. وزعيم القوم: رئيسهم والدافع عنهم والمتكلم باسمهم وخطيبهم والذي يرجعون إليه في الملمات. والجمع زعماء والزعامة: السيادة والرياسة و...

والحقيقة أن الزعيم الذي أسس قضية الشعب السوري "... ووقف نفسه على خدمتها بإخلاص لم تعرف له سورية مثيلاً منذ قرون عديدة". (هل حانت ساعة العمل القومي – 15/10/1941).

وقد شرح سعاده في عدد كبير من مقالاته ورسائله معنى الزعامة. فهو "رأس الدولة القومية، في الوظائف والترتيبات العائدة إليه المسؤولة عنها". (من رسالته إلى جورج بندفي 31/7/1940)، ويقول في رسالته إلى المنفذ العام لمنفذية مينس (19/9/1940): "السلطة في الدولة السورية القومية واحدة في جميع مراتبها، لأن مرجعها واحد هو الزعيم الذي تتحد فيه القوتان التشريعية والتنفيذية والسلطتان المدنية والعسكرية". ويعرض في مقالته "مصير فرنسة وإمبراطوريتها" (1/5/1942) تشبه فرنسة بنظام الزعامة الحزبي، يقول: "كان الفرنسيون يتبجحون بنظامهم "الديمقراطي" وكان رجالهم السياسيون وعمالهم في سورية ينتقدون ويحملون على مبدأ حصر السلطان المطلق في زعيم الحزب السوري القومي. فلما أدرك نظامهم الخراب استفاقوا لأغلاطهم وأعلن المارشال بتان أن فرنسة في حاجة إلى نظام شبيه بنظام الحزب السوري القومي!".


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه