شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2017-01-26
 

مفهوم الحرية في فلسفة أنطون سعاده - المدرحية القومية الإجتماعية 5

يوسف المسمار

معنى المجتمع ومعنى القومية

فما هو معنى المجتمع وما هو معنى القومية في نظر انطون سعاده العالم الاجتماعي والفيلسوف ؟ وما هو معنى القومية الاجتماعية لتسهيل معنى ومفهوم الحرية القومية الاجتماعية ؟

بالاستناد الى كتاب " نشوء الأمم" الذي تناول فيه دراسة الاجتماع الانساني ابتداءً من عهد نشوئه ، ومروراً بكل المراحل التطورية منذ بداية التاريخ الجلي وحتى عهدنا الحالي يقول سعاده في فصل"الاثم الكنعاني" في الصفحة 165 : " الأمة متحد اجتماعي أو مجتمع طبيعي من الناس قبل كل شيء آخر "،ويستخلص بعد بحثه تعريفاً للأمة غير خاضع لتأثير واحد معيّن من تاريخ أو أدب أو سياسة أو أي شيء آخر فيقول : " الأمة جماعة من البشر تحيا حياة موحدة المصالح ، موحدة المصير، موحدة العوامل النفسية المادية في قطر معيّن يُكسبها تفاعلها معه ، في مجرى التطور ، خصائص ومزايا تُميّزها عن غيرها من الجماعات."

المقصود من المجتمع عند سعاده هو المجتمع الطبيعي أي مجتمع الأمة ، ومجتمع الأمة هو جماعة القوم التي تحيا في بيئة معيّنة وتتفاعل مع هذه البيئة وتصنع تاريخها عليها. والقوم لغوياً كلمة مشتقة من الاقامة أي اقامة الجماعة الانسانية في المكان أو البيئة . وجمع الكلمة أقوام . ولاقامة القوم في المكان سُميَّ المكان بيئة القوم الطبيعية أو وطن جماعة - القوم المستوطنة فيه ،والمتفاعلة معه. فالبقعة الجغرافية لا يمكن تسميتها وطناً الا اذا أقام واستوطن فيها قوم. وكذلك لا يمكن أن نسّمي القوم قوماً الا اذا كانوا مقيمين في بيئة معينة . في وطن معيَّن . فكلمة القوم تعني الأمة اي وحدة الجماعة الانسانية المقيمة والمستوطنة في بيئة ارضية معيّنة متحدرةً من تاريخ طـويـل يعـود الى ما قـبـل الزمن التاريخي الجـلي صانعةً ثقافـتها وحضارتها وتاريخها في بيئتها . فاذا وصلت جماعة القوم أي جماعة مجتمع الأمة الى طور ومرحلة النضوج والرشد واخذت تتنبه لوحدة وجودها ووحدة حياتها ووحدة مصيرها وبدأت تدرك مصالحها في الحياة يمكننا ان نقول أنها بلغت درجة الوعي المجتمعي اي الوعي القومي أي وعيّ الامة لوحدة حياتها ومصيرها.

فالقومية اذن يقظة وتنبه أي حالة نضوج مجتمع الأمة ورشده .

فاذا كان الفرد الانساني عندما يصل الى سن الرشد يقال عنه انه اصبح راشداً وبرزت شخصيته الفردية الراشدة وأصبح بامكانه ان يتحمل مسؤولية نفسه بنفسه وبناء أسرة ويصبح له رأي وصوت وحقوق مدنية واجتماعية وسياسية ، فان المجتمع الانساني الذي ينضج ويتنبه لمصالحه في الحياة وتقرير مصيره وتبرز شخصيته الاجتماعية يقال انه اصبح ناضجاً واعيا راشداً نابهاً أي انه بلغ مرحلة وحالة الوعي المجتمعي القومي .

فالقومية اذن هي يقظة ووعيّ وتنبه الأمة وقد عبَّر أنطون سعاده أبلغ وأحسن تعبير عن هذا المعنى في كتابه العلمي " نشوء الأمم ".في الصفحة 167 بهذا المقطع :"القومية، هي يقظة الأمة وتنبهها لوحدة حياتها ولشخصيتها ومميزاتها ولوحدة مصيرها . وقد تلتبس أحياناً بالوطنية التي هي محبة الوطن ، لأن الوطنية من القومية ، ولأن الوطن أقوى عامل من عوامل نشوء الأمة وأهم عنصر من عناصرها. انها الوجدان العميق الحيّ الفاهم الخير العام ، المولّد محبة الوطن والتعاون الداخلي بالنظر لدفع الأخطار التي قد تحدّق بالأمة ولتوسيع مواردها، الموجد الشعور بوحدة المصالح الحيوية والنفسية ، المريد استمرار الحياة واستجادة الحياة بالتعصب لهذه الحياة الجامعة التي يعني فلاحها فلاح المجموع وخذلانها خذلانه"

القومية الاجتماعية وعيّ المجتمع حقيقته

بعد هذا التوضيح لم يعد يوجد أي مبرر لأي التباس في فهم مصطلح " القومية الاجتماعية " المركّب من كلمتي : " القوم والاجتماع " أي الانسان - المجتمع ووجدان المجتمع الحيّ الفاهم . الانسان- الأمة ونضوج الانسان التام الذي لا يحتاج الى وصيّ ولا الى وكيل ولا الى مربّي ولا الى راعي أو مشرف . ولم يعد الاجتماع اجتماع عصبة أو عصابة من الأفراد أو فئة أو عشيرة أو ملة أو طائفة أو مذهب . ولم تعد القومية تعني عصبية عصابة او قومية فئة أو قومية عشيرة او ملّة أو طائفة أو مذهب. بل صارت الأمة تعني وحدة وجود ووحدة حياة ووحدة تاريخ ووحدة حضارة ووحدة مصير، وأصبحت القومية تعني ذاتية الأمة العميقة ووجدانها الحيّ ويقظتها المنعشة ووعيها المنفتح المتوسع باستمرارعلى أبعاد الكون وآفاق الأزمنة وآتيات العصور، وأصبح مفهوم الحرية القومية الاجتماعية هو الروحية الصراعية المنبثقة والمتولدة من أعماق الانسان- المجتمع - الأمة الواعي . الحرية تعني في المفهوم الجديد حرية الوجود الانساني الواقعي أي الانسان- المجتمع التام . وتعني أيضاً وعيّ وتنبه هذا الوجود الانساني لذاته ومكانته ودوره في الوجود . فهي انبثاق فعل من داخل الانسان-المجتمع لاتعطى ولا تؤخذ بل هي حركة تفعل، وحياة تنهض ،ووعيٌّ يرتقي ويتسع ، وقوة صراع لا تكتفي بنجاح لآنها أم كل نجاح وفلاح وانتصار

مـفـهـوم الحـرية المجـتمعية

وبما أن الـوجـود المجتمعي الإنساني هو وجـود نموّ والنموّ حـركة ، فإن حرية الانسان هي حرية انسانية اجتماعية نامية متحركة ديناميكية ، وهي حرية الصـراع والتـقـدم.صراع أفكار تتعمق بأفكار وتتوسع بأفكار. وتمتد بافكار . وتتحسن بأفكار .وترتقي بأفكار . انها صراع بصائر ورؤى . صـراع عـقـائـد في سبيل تحـقـيـق مجتمع أفـضـل .

انها قاعـدة من قـواعـد نـهـضة كل مجتمع يريد ان ينهض ، وهي الى جانب كونها قاعـدة هي ايـضا ً وسيلة من وسائـل تـقـدمه وازدهاره . وهي فوق ذلك منقبة قيمية عليا من مناقب وقيم الانسان- المجتمع - الأمة .

من الطبيعي أن القـاعـدة لا تـكـون سليمة وفاعـلة أو تـكـتسب فاعليتها إلا من حيث هي جـزء في كـل مُرَكَّـب . لها مكانها ولها دورها ولها وظـيفـتها .

ولهذا فإن الحـرية ليست منعزلة عما عداها من القواعد والدعائم وهي لا تكون بالضـعـف بـل تكون مع القـوة . ولا تـكـون بالفـوضى بـل تكون مع النظام. ولا تكون بالتخاذل بل تكون مع الشعـور بالمسؤلية والقيام بالواجب. ونحن لا نستطـيع أن نـتصـور مجتمعا ً حـرا ً راقيا ً يـرضى بالجـهل ويعيش بالتخلـّـف ويسير بالرذائـل مبتعداً عن الفـضـائـل والمحامد والمكارم .

الحرية لا تنشأ الا في مناخ الحرية

يتـبيـّن من كـل ما تقـدم ان للحرية في مفـهومها الجديـد مناخا ًخـاصا ً لا تـنـشأ بـدونه ولا تـنمو وتستـمر بـغـيـر تـوفـره ، ولا ترتقي الا بارتقاء الانسان- المجتمع. وهذا المناخ لا يقـوم بدون مقـومات أصلية جلية ومتينة .

وبما أن الحـرية هي ميزة الإنســان العاقـل ،وهي من أرقى مزايا الإنسان ـ المجتمع فإن مقـومات نشوء مناخها هي مقومات إجتماعية إنسانية نهـضوية . ومن العبث أن نبحـث عن الأحـرار خارج نهـضة المجتمع سواء كان ذلك في مناخ الإستسلام لـقـوى " الماوراء " أوفي مناخ الإستسلام للقوانين" الوضعية الإفـتراضية " التي وضعها الإنسان أو قررها في تعاقب أجياله . وكذلك لاتـفـيـد في شيء كـل محاولات التوفـيـق والتسويات التي تجـري لتـقـريـب وجهات النظـر المـتـناقـضة والمتضاربة في المنطلقات والاساليب والأهداف القريبة والمتوسطة والبعيدة .

إن الحـرية هي من أهـم الوسائـل وأفـعـل الأسباب التي يستطيع الإنسان بواسطـتها غـزو العوالـم التي ، ما تـزال قـدرته الإنسانية غـير كافية وغير مهـيأة لإكتشاف خبايا وأسرار تلك العوالم. والتي تـسـفـِّه ، في حال اكتشافها ، الكثير من المفاهيم " الماورائية " والتعليلات التكهنية ، والروايات الخرافية .

والحرية في الـوقت نفسه هي من أقوى الأسلحة الفـعَّالة في اكتشاف

نواميـس كونية وحياتية أعـم ، وقوانين طبيعية أشمل تساعـد الإنسان على التـخـلـّـص من عـبودية النظريات الحتمية، والأحـكـام المسبقة ، والتنظير الخرافي ، لأن الحقيقة البديهية التي يجب أن تبقى ماثلة أمامـنا هي:" أنـنا كلما صـعـدنا قـمة تراءت لـنا قـمم أعـلى ويجب عـليـنا أن نـصـعـدها ."

والى جانب كون الحرية وسيلة وسلاحاً فعالين في تحرير الانسان - المجتمع من قيود عادات وتقاليد وأعراف الماضي التي رثَّت واهترت فانها قيمة من أهم القيَم التي تدفع الانسان وتحرّك طاقاته لينطلق الى الأمام . الى الأحسن والأفضل .

وانطلاقا ً من هذه الحقيقة فإن كل قـول نهائي فاصـل في تعليل نشوء الكون أو تفسير نهايته ، هـو قـول باطـل مهما ارتقى أسلوب منطقه، ومهما بدت تعليلات حدوثه واقعية للعقول الفردية الجزئية . فالعقول الفردية تـحـتاج دائما ً وباستمرار الى مـزيد من التـعـقّـل والتـبصّـر، ومـزيد من النـمـوّ والنـضـج وسـمـوّ الإدراك .

والحقيقة في نظري هي كما قال المعلم سـعاده : " انه لا يُوجد في العالم شيء يُسمى حقيقة ابتدائية . فـكـل شيء متعلق بما سبقه الى ما لا نستطيع ادراكه . "

واستنادا الى هـذا الفهم الإجتماعي للإنسان ، فـنحن نقـرر أن القيَم

الإنسانية هي قـيـَم اجتماعية انسانية . قيَم قومية اجتماعية .

ولأن المجتمعات هي كائنات طبيعية حيـّة نامية، فإن مفاهيم القـيـَم الحقيقية هيمفاهيم القـيـَم الحياتية التي تـنـمو وترتقي بـنـموّ المجتمعات وارتقائها . وتـضعـف وتتخلف وتزول بضعـف وتخلف وزوال المجتمعات .

ولذلك فإن أفـضـل تحـديد للحرية التي هي قيمة عليا من قيم الانسان المجتمع أن تبقى بدون تحـديـد .

واذا كان لا بد من تعريف الحرية لتقـريبها من الأفهام ، فإن الحرية تكمن في طاقة المجتمع على النـمـوّ الـدائـم ، وقـدرته على الخلق المتسامي ، وتكمن أيضا ً في جـدارته على ممارسة سلبيته في مواجهة الكون الماثـل أمامنا بحيث لا يبقى مشلولاً أمام عظمة الكون وألغازه وخباياه . الحرية هي القدرة الانسانية على تعديل وتصحيح وتصويب كل المفاهيم التي ظـهـرت حتى الآن من جراء تقصير العقول الفردية الجزئية ، التي كان قصورها بالذات ويبقى ، طريقا مسدودة ونهاية خانقة تقضي على كل أمـل للإنسانية بالنهـوض والتـقـدم والارتقاء .

من هنا كانت أهمية تـوفـر مناخ النهضة الذي هـو : " خـروج من البلبلة الى التعيين ." على حد تعبير المعلم سـعاده . ومن هنا كانت أهمية ولادة الإنسان الجديد الجـيـّد الصالح الناهض الذي يسعى باستمرار الى الأصلح والأجود والأرقى نهوضاً .

وتـوفـر مناخ النهوض أو النهضة ، وولادة الإنسان الجـديد هما أمران مهمان أساسيان ولا يمكن أن يحصلا إلا بتوفر المقومات الأساسية التالية :

** يتبع


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه