شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2019-03-27
 

اعتراف ترامب بـ«سيادة» العدو على الجولان إفلاس يسرّع تحريره

سماهر الخطيب - البناء

الاعتراف الأميركي بسيادة كيان الاحتلال على الجولان السوري المحتل، لا يمكن تقييمه من زاوية القانون الدولي فحسب، وإنما من كونه يشكل بداية مرحلة جديدة من الصراع، سيكون لها وقع الصّدمة على العدو الصهيوني وليس كما عزم عليه رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو في تصريحه بأنّه «حقق في واشنطن ما كان يسعى إليه طوال خمسين عاماً». والأحداث السابقة للإعلان الأميركي والمواقف اللاحقة توضح فشل ما أراد السيناريست الأميركي حبكه ضمن مخطط باهت الفحوى.

تهديد بالحرب

إن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمنح السيادة على الجولان للعدو المحتل، هو تهديد بالحرب التي كانت ستقع في الجولان قبيل اندلاع الحرب العالمية على سورية، وكانت أحد أهداف هذه الحرب منذ بداياتها لإضعاف الدولة السورية، وشلّ قدراتها، وإبعاد تهديدها لـ»إسرائيل»، وبشكل خاص سجلت أعوام ما قبل 2011 نهضة سورية في كل المجالات رأى فيها الأميركي ومن ورائه «الإسرائيلي» تهديداً مباشراً على وجوده في المنطقة.

كما يعكس الإعلان الأميركي حجم الأزمة التي يعانيها على الساحة الدولية، والتخبّط الذي يعيشه، من فشل المعالجات بالشروط الأميركية، في المنطقة وما حولها بدءاً من أوكرانيا وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي وجزيرة القرم، وأميركا اللاتينية. كل تلك القضايا الشائكة التي أثبتت فشل القدرة الأميركية على معالجتها وفق مصالحها، ترافق معها تسارع التطوّرات الإقليمية التي أمّنت حضور قوى فاعلة على الخريطة الجديدة والمستقبلية.

الأمر الذي دفع الأميركي المنطقة إلى الحرب، عبر ضرب التناقضات، والاستثمار في الفوضى، من خلال تأزيم الأوضاع، محاولاً فيما بعد الاستفادة من التسويات التي ستنتج عن الفوضى الدولية التي أنتجتها استراتيجيته المصلحية، بعد أن رأى نفسه خارجاً عن النتائج التي أراد تحصيلها فـ»خرج من المولد بلا حمّص»..

وعلى سبيل المثال، أعلن ترامب، تحرير أراضي سورية والعراق بالكامل من الإرهابيين، في الوقت ذاته، وبدعم أميركي، بدأت «قوات سورية الديمقراطية»، بطرح مطالب سياسية على دمشق. وإذا لم يتم تنفيذ المتطلبات، فإن جولة جديدة من الصراع العسكري السياسي في سورية أمر لا مفرّ منه.

وبالتالي لا يريد الأميركي السلام في سورية والمنطقة، إنما استنزاف العمليات العسكرية، وتوليد جولة جديدة من التوتر وإسقاط نتائج النصر الذي استحصله الجيش السوري وحلفائه، خصوصاً بعد أن قام البنتاغون، الأسبوع الماضي، بتسليم دفعة أخرى من الأسلحة والمعدّات العسكرية إلى «قوات سورية الديمقراطية».

فوضى دوليّة واقتسام نفوذ..

إلا أنّ الفوضى الدولية التي أرادها الأميركي، بدون انتباه، أصبحت تخدم القوى الأخرى، لقد فرط العقد الأميركي وأصبحت تحالفاته هشّة ولم تعد القوى التي يرتكز عليها بمقدورها الثبات في المواجهة أمام القوى الصاعدة، الإقليمية والدولية، بدءاً من قوى وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن وصولاً إلى أميركا اللاتينية، ناهيك عن ضعف المجتمعات الأوروبيّة وتفشي ظواهر متعدّدة أضعفت الدولة منها، من تصاعد القوى اليمنية إلى أزمة بريكست..

الأميركي وجد نفسه خالي الوفاض من النفوذ، في المنطقة والعالم، فأراد اقتسام النفوذ بالثروة مع الروسي والصيني، وهو يريد الآن، حضورهما على مائدته لاقتسام «الغنيمة»، ووفق خطته هو من سيحدّد توزيع المكتسبات وليس العكس..

والمحاولات الأميركية باتت واضحة المعالم عبر إشعار الجميع بـ»القلق»، لأنها تعيش بنتائجه أي «القلق على مكانتها»، بعد أن سقطت السيادة الأميركية السياسية والأمنية والمالية، باتت تستشعر بخسارة المواجهة ما دفعها إلى التهديد بانفراط عقد المنظومة الدولية من خلال إعادة فرض نفسها حاكم العالم، ولكن ضمن إطار تصعيد الفوضى، وتسعيرها كما سبق وذكرنا.

إنّ الفوضى التي أحدثتها السياسة الأميركية عبر تصريحاتها المنافية للشرعية الدولية، وانقلابها على القوانين الدولية بلا مسؤولية عن النتائج عبر قلب الطاولة، خدمت فيها القوى الأخرى إن كانت الصين وروسيا أو الأوروبي أو الإيراني وسورية والقوى المقاومة، بالرغم من كونه استخدم أدواته في المواجهة ولم يذهب نحو المواجهة المباشرة إلا أنه يعي أنّ هناك أدوات أكثر فاعلية قد صعدت كلاعبين إقليميين لا يستهان بهم وهم خرجوا عن المنظومة الرسمية أو أنهم يسيرون بجانبها في الاتجاه الآخر..

سورية الدولة الوحيدة في المنظومة العربية تشكل تهديداً لـ»إسرائيل»، بعد ما خرجت الدول الأخرى وانساقت بالركب الأميركي، وبالتالي إضعاف سورية كان بهدف إبعادها عن تشكيل الخطر على «إسرائيل» وجاء الإعلان الأميركي المتعلّق بالجولان لضرب هذه المنظومة السورية خاصة بعد الانتصارات التي حققها الجيش السوري وتحديداً في الجنوب السوري وإفشاله المخطط الصهيوني وإبعاد أحلام نتنياهو في استحداث منطقة آمنة في تلك المنطقة الجغرافيّة ما دفعه إلى الانقلاب على القانون الدولي والأمم المتحدة وعلى التاريخ حتى بعد أن انقلبت عليه مخططاته بنتائجها التي لم تأت وفق أمانيه..

إيران كدولة، كذلك تشكل خطراً على الكيان «الإسرائيلي»، وحاولوا إنهاكها بالمنظور الأميركي، بحروب بينية، ثم بحصارات دبلوماسية، واليوم يستكمل الأميركي إضعافها مادياً، وحصارها اقتصادياً، لكن ما حصل هو بروز قوى ممانعة لا تسير بالمنظومة الراديكالية للدول وهي أصبحت أكثر تهديداً للعدو، وما ورود حزب الله 18 مرة على لسان وزير خارجية أميركا مايك بومبيو في تصريح واحد إلا دليل فعالية هذه القوة.

وفي اليمن، أدرك الأميركي ازدياد حجم حركات الممانعة كـ»أنصار الله»، ما دفعه إلى الاستعجال لإنهاء الحرب، وهو ما وجدناه في اتفاق استوكهولم وما تبعه من مسار سياسي..

كذلك، بات واضحاً الإرباك الأميركي في العراق، عقب لقاءات رؤساء الأركان في سورية والعراق وإيران، والتصريحات التي وردت ضمن هذا اللقاء رسخت وجود منظومة جديدة في الصراع.. ففي إدلب، آخر معاقل الإرهابيين في سورية، ستبدأ أعمال حربية نشطة على نطاق واسع، ومن غير المستبعَد أن حشد السفن التابعة للبحرية الروسية بقيادة الفرقاطة «الأميرال غورشكوف» يجري في البحر المتوسط، خصيصاً لهذا الغرض.

وبالتالي وفق هذه البانوراما بات «الإسرائيلي» محاصَراً وأصبحت قوى المقاومة تهدّد قلاع الكيان الصهيوني، والأميركي يعلم حق المعرفة بأنّ قوى المقاومة خرجت عن القدرة على تطويعها، ليأتي إعلانه تهديداً للمنظومة الدولية وتهديد الانتظام الدولي بخاصة أنّ خسارته في منطقة الشرق الأوسط التي يستفيد منها الروسي والصيني إنما المستفيد الأكبر هو المقاومة فاعتراف ترامب سيعجّل من معركة الجولان، ويبدو أن المرحلة المقبلة من الصراع سوف تكلف سورية وحلفائها موارد دبلوماسية وعسكرية ومادية.. إنما سيسجل التاريخ قريباً النصر لأصحاب الأرض وتنتهي وفق «كش ملك»، بل «كش احتلال»..


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه