إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الصراع الفكري في الأدب السوري الجزء الثاني (1)

أنطون سعادة

نسخة للطباعة 1942-08-15

إقرأ ايضاً


مقدمة الطبعة الثانية

وصلت إلى الوطن نسخ قليلة من الطبعة الأولى، التي طبعت في بوانس ايرس، فأثارت اهتمام الأدباء والدارسين والطلبة والأوساط التي لها عناية بالشؤون الأدبية وتطور الفكر في سورية واقترح علي طبع الكتاب ثانية ليتسنى للراغبين في الأدب اقتناؤه. فنقحت الكتاب ودفعته للطبع.

الشوير، في 15 يونيو 1947

تخبط وفوضى

نشرت مجلة "العصبة" التي كانت تصدر في سان باولو، البرازيل، في عددها الصادر في فبراير سنة 1935 ثلاثة كتب تدور على ديوان "الأحلام" للشاعر شفيق معلوف نزيل سان باولو، البرازيل، وقد لفت نظري الاحتكاك والتصادم الفكريان في الشعر وأغراضه اللذان أثارهما ظهور"الأحلام"، ورأيت أنهما يفتحان الباب لبحث يجب أن يحيا ويجد اهتماما كبيرا في دوائر التواقين إلى المعرفة والفهم والراغبين في الارتقاء الثقافي الذي يمكن الأمم من إبراز أفضل مواهبها والصعود إلى قمة مجدها. وإلى القارئ الكتب المذكورة وتعليق الشاعر الأخير عليها حين سلمها للنشر، كما وردت في مجلة "العصبة" المحتجبة:

(1) من كتاب الريحاني

عن الفريكة في 12 نيسان 1926

عزيزي شفيق المعلوف حفظك الله.

" أشهد أنك شاعر. ولكنك في "الأحلام" بعيد عن كنه الحياة والمقاصد الكبرى فيها. قد كانت هذه اللهجة – لهجة الكآبة والحزن – "موضة" في زمن بيرون وميسه. وهي في الشرق، خصوصا فينا نحن السوريين، داء دفين. فما فضل الشاعر وهو يبكي ويئن مثل عامة الناس؟

أما من النظر الفني ففي "أحلامك" كثير من بديع التصور، وجميل الخيال ورقة التعبير، ونعومة الديباجة. ولكنك مقلد يا صديقي. ولا أقول مقلد لجبران وهو مثلك في دموعه من المقلدين- اقرأوا شعيا بدل أن تغمسوا أرواحكم في دموع ارميا. عودوا إلى شكسبير وغوته - إذا كان لا بد من العود - بدل أن تحرقوا أصابعكم ومآقيكم في مراجل ميسه وبيرون.

ليس الشاعر"زنبقة في جمجمة". إن في ذا التصور غلوا فيه سقم وليس فيه شيء من الحقيقة والجمال . أن فيه تحقيرا للجنس الإنساني، وأنا وأنت وجبران منه والحمد لله. وأن في الكون وفي الحياة جمالا أسمى وأبهى وأعظم وأجل من جمال الزنبقة اللطيف اللطيف المحدود، وأنت وأنا وجبران، والشمس والقمر والمجرة، لمعات مجسدة من ذلك الجمال والحمد لله.

أما الشاعر فهو من الناس، من صميم الناس. وليس من ظن نفسه فوق الناس بابن عم لابن عم أصغر الشعراء. إنما الشعر الحقيقي مرآة الجماعات، ومصباح في الظلمات، وعون في الملمات، وسيف في النكبات. الشاعر الحقيقي يشيد للأمم قصورا من الحب والحكمة والجمال والأمل. كفكفوا دموعكم سلكم الله. وارفعوا لهذه الأمة التي تتخبط في الظلمات مشعالا فيه نور، فيه أمل، فيه صحة وعافية. وأن في الصحة حياة جديدة".

صديقك

أمين الريحاني

(2) من كتاب صاحب "الأيام"

عن نيويورك في 14 تموز 1926

عزيزي شفيق

".... وددت لو يسمح لي الوقت بإبداء بعض ملاحظاتي مطولا في ديوانك، ولكن ما أريده لا يتاح لي، فنحن هنا عبيد أوقاتنا، غير أن ذلك لا يمنعني من أبداء رأيي في أشياء جوهرية أريدك أن تعيرها جانب الاهتمام.

اعتن في مؤلفاتك المقبلة أن تكون مبتكراً فيها تنزع إليه، سواء كان بالفكر أو بالعمل، وأن تكون مقلَّدا لا مقلِّدا في سائر أعمالك لأن على هذه القاعدة الأساسية تتوقف شهرة المرء في الحياة، وقبل كل شيء أترك الخيال الذي لا روح فيه ولا حقيقة. وأطرق أبدا المواضيع الحيوية والعمرانية وشهّر تشهيرا لا تخشى معه لومة اللوام مواضع الضعف في الأمة مشيرا إلى كل ضعف في أخلاقها وخلل في عاداتها ونقص في كيانها على سبيل حب الإصلاح المجرد ليس إلا، وأن لا تعود حياتك كلها في ما تكتب إلى البكاء والنواح على الطلول البالية والآثار الخربة كما يفعل أكثر الكتبة الشرقيين ولا سيما الشعراء منهم، بل كن ذاك الرجل المفكر في الحياة وما تتطلبه الحياة من عوامل الرقي وأسباب العمران، ولا تكن شرقيا في خيالك وعملك بل المس بيدك أبدا حقائق الوجود واسعِ إلى العمل بها دائما وفي كل حين لأن فضاء الشرق ممتاز عن كل فضاء. كله خيال بخيال يوحي إلى المرء ما لا فضاء آخر في الوجود، فمنه أوحيت الأديان وظهر الأنبياء ونشأت خيالات الأرواح على تعداد منازعها وكثرة ومعتقداتها فكان شرا في الحياة على نفسه وعلى غيره - فكن يا شفيق، إذا، رجلا يؤخذ بالحقيقة لا يضله الخيال...."

عمك

يوسف نعمان معلوف

(3) جواب صاحب "الأحلام"

عن زحلة في 15 أيلول سنة 1936

سيدي العم الفاضل

"... أما ما ذكرتموه عن "الأحلام" فقد أعرته كل اهتمامي منزلا رأيكم من نفسي أجل منزلة، وأما أن أكون "مقلَّدا لا مقلِّدا في سائر أعمالي" فهذا ما طمحت إليه منذ ترعرعت ونشأت. فكنت راسخ العقيدة في وجوب تجديد الشعر العربي وبث روح حديثة فيه ولئن طرقت بابا ولجه سواي فهل في كل ما تتناوله القرائح ما لم يطرق الناس بابه؟ وهل إذا اتفق لرسام إبراز صورة عالجها من قبله آخرون فاستحدث لها ألوانا وابتكر لها رموزا وأشكالا نقوم فننكر عليه فنه وابتكاره، لأن الصورة حملها قبل لوحه لوح وخطرت لسواه في مخيلة؟

أما أن أترك في شعري "الخيال الذي لا روح فيه ولا حقيقة، وإطراق المواضيع الحيوية والعمرانية" فلا أخفي عنك يا سيدي العم الكريم، مع احترامي لرأيك الأعلى، أن لي رأيا آخر في الشعر. فهو في عرفي ذلك الشعور النابض يصور للناس نفوس الناس، ولا تتعدى فائدته - في أحايين كثيرة - منفعة يصيبها المرء لدى سماع قطعة موسيقية جميلة، مطربة كانت أم مشجية. وقد أكون على خطأ من الوجه العالمي النافع، ولكنني على حق من وجه الفن الخالد.

أن للوطن كتّابه وصحافييه وله أقلامهم المرهفة وقرائحهم المشحوذة. أما أن يسير الشاعر مع الحالات الطارئة فيبعث من حوله ضجيجا يزول بزوال تلك الطوارىء، فهذا ما لا أسلم به، إذ ليس الشاعر في عرفي من ضج له الجيل الواحد حتى إذا تبدلت الأوضاع واختلفت الأحوال تناسته من بعده الأجيال.

أنا عالم أن الشرق لا يحتاج إلى الفن حاجته إلى المواضيع الحيوية العمرانية ولكن هذه المواضيع ترتبط بالزمان يا سيدي بالزمان يا سيدي العم الكريم، وأنا من هواة الشعر الخالد الذي لا يرتبط بالأزمنة..".

المخلص

شفيق معلوف

(4) حاشية، في 22 شباط سنة 1935

.... يتبع

"الزوبعة"، العدد 50 في 15 اغسطس 1942


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024