شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية 2014-04-04
 

مذكرات نذير فنصة عن حسني الزعيم

أحمد أصفهاني

قرأت كتاب "أيام حسني الزعيم: 137 يوماً هزّت سورية" لنذير فنصة مطلع سنة 1983، وكانت لي ملاحظات عدة سجلتها آنذاك على هوامش الصفحات. لكن أحدهم استعار نسختي ولم يُرجعها. وقبل مدة وقعت بين يدي طبعة جديدة من الكتاب "مراجعة ومزيدة" (صادرة عن "مؤسسة النوري للطباعة والنشر والتوزيع")، فأعدت قراءتها في ضوء مرور ثلاثين سنة وقفتُ خلالها على كثير من المعلومات والأسرار عن تلك الأشهر العاصفة من تاريخ سورية الحديث.

نذير فنصة صحافي سوري كان يرأس تحرير جريدة "ألف باء" الدمشقية الواسعة الانتشار. ثم أصبح لاحقاً عديلاً لحسني الزعيم قائد الجيش السوري، وكان شاهداً على ترتيبات الانقلاب العسكري الأول في سورية. وبعد نجاح الانقلاب، عيّنه حسني الزعيم سكرتيراً خاصاً له، وكلفه بمهمات ديبلوماسية سرية خصوصاً مع الملك فاروق في مصر والملك عبد العزيز آل سعود في السعودية.

القرابة التي جمعت فنصة (توفي في باريس سنة 2005) بحسني الزعيم، والأدوار التي لعبها إلى جانبه آنذاك، تجعلنا نتحفظ بشدة على معظم ما جاء في الكتاب. مع العلم أن الغالبية العظمى من كتاب السير الذاتية في العالم العربي ضنينون إجمالاً بذكر الحقائق الخالصة، ولم يشذ فنصة عن هذه القاعدة!!

ما يعنينا من كتاب "أيام حسني الزعيم" هو تلك المعلومات التي تمس، مباشرة أو مداورة، جريمة إقدام حسني الزعيم على خيانة أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وزعيمه، ومن ثم تسليمه إلى السلطات اللبنانية التي أعدمته بعد محاكمة صورية لم تستغرق سوى يوم واحد فقط.

ثمة أسئلة كثيرة ومقلقة تتبادر إلى الذهن بعد الانتهاء من قراءة الكتاب، وتكاد تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود اهمال واستهتار بحياة سعادة... من دون أن يعني ذلك التغاضي عن ضخامة المؤامرة المحلية والإقليمية التي استهدفته منذ عودته إلى الوطن في الثاني من آذار 1947.

أولاً – يقول فنصة في الصفحة 13: "كان الزعيم (حسني) مغامراً"... وكانت لدى رئيس الجمهورية شكري القوتلي "تحفظات كثيرة حول تقلب مزاج الزعيم وسمعته كمغامر ومقامر". وتؤكد مصادر أخرى معاصرة تقييم فنصة في ما يخص مزاجية حسني الزعيم وتقلباته قبل وقوع الانقلاب في 30 آذار 1949 وبعده. ويبدو أن تلك السمعة كانت منتشرة على نطاق واسع في الدوائر الدمشقية. والسؤال هنا: هل قامت منفذية دمشق العامة برفع تقارير مفصلة إلى سعادة حول شخصية حسني الزعيم غير المستقرة؟ وهل كان سعادة مطلعاً على الحالة النفسية المضطربة لحسني الزعيم قبل أن يُقرر التعاون معه بعد حادثة الجميزة في حزيران 1949؟

ثانياً – يذكر فنصة في أكثر من موقع أن أكرم الحوراني كان من أبرز مساعدي حسني الزعيم في الانقلاب: "كان أكرم الحوراني منهمكاً في إعداد البلاغات والبيانات التي صدرت في ذلك اليوم لتذاع من الإذاعة السورية" (صفحة 30)، و"كان أكرم الحوراني هو الذي يخطط له (أي لحسني الزعيم) هذه البيانات ويضمنها ما يجول في رأسه هو، لا ما يجول في رأس الزعيم" (صفحة 38).

ونحن نعرف أن الحوراني كان قد انقلب على الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل سنوات (راجع مجموعة الأعمال الكاملة لسعادة – الجزء 11، الصفحة 239). فهل عمدت منفذية دمشق العامة إلى إيضاح دور الحوراني في الانقلاب، ونقلت إلى سعادة صورة دقيقة عن علاقته الوثيقة بحسني الزعيم، والمدى الذي يمكن أن يصل إليه تأثيره في ما يتعلق بالحزب السوري القومي الاجتماعي؟ وهل كان للحوراني دور في المؤامرة على حياة سعادة؟

ثالثاً – بعد أسابيع قليلة على استتباب الأمر لحسني الزعيم، أقدم على التخلص من مساعديه المقربين: "كان يمكن لسورية أن تحظى بأفضل دساتيرها. لكن الزعيم (حسني)، لما استتب الأمر له، حدثت القطيعة بينه وبين معظم الأحزاب والفئات السياسية" (صفحة 57). فهل أثارت ديكتاتورية حسني الزعيم قلق القيادة الحزبية؟ وهل أدت ممارساته تلك إلى قرع ناقوس الخطر عند سعادة؟

رابعاً – على صعيد سياسة المحاور القائمة في العالم العربي يومذاك، يقول فنصة إن حسني الزعيم اختار محور مصر – السعودية في مواجهة المحور الهاشمي الأردن – العراق. كما اتخذ موقفاً عدائياً شرساً من مشروعي "سورية الكبرى" و"الهلال الخصيب". قال حسني الزعيم في مؤتمر صحافي عاصف عقده بتاريخ 26 نيسان 1949: "هؤلاء (أي العراق والأردن) لم يعترفوا بالوضع الجديد في سورية، وإنهم يتآمرون علينا، وقد أسفروا عن نواياهم العدوانية بحشدهم قواتهم على حدودنا بغية تحقيق مشروعهم المسمى (الهلال الخصيب) أو مشروع (سورية الكبرى)" (صفحة 65).

ألم يكن من الطبيعي أن يثير موقف حسني الزعيم الرافض لمشروعي "الهلال الخصيب" و"سورية الكبرى" بعض التساؤلات عند سعادة والقيادة الحزبية حول مصداقيته في دعم الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يدعو إلى وحدة هذه المنطقة، وإن كان وفق مفهوم يختلف عن ذاك الذي تروّج له العائلة الهاشمية في عمان وبغداد؟

خامساً – تعيين محسن البرازي رئيساً للوزراء في دمشق، وهو يرتبط بعلاقة قربى من ناحية الأم مع رياض الصلح رئيس وزراء لبنان. ويصفه فنصة بأنه "من أنصار التحالف المصري – السعودي" (صفحة 168). هل وضعت القيادة القومية الاجتماعية في حسبانها أنه ربما يكون للبرازي دور تحريضي في تسليم سعادة إلى حكومة الصلح؟

سادساً – الزيارة الأولى التي قام بها حسني الزعيم إلى الخارج كانت إلى مصر في 22 نيسان 1949، وقد أرادها أن تكون سرية (صفحة 50)، وأسفرت عن اتفاق عُرف بـ "اجتماع أنشاص التاريخي" (صفحة 145). وفي اليوم التالي لعودة حسني الزعيم وسكرتيره الخاص نذير فنصة من القاهرة، توجه هذا الأخير إلى السعودية للقاء الملك عبد العزيز. وكانت النتيجة اعتراف كل من القاهرة والرياض بنظام الحكم الجديد في دمشق (صفحة 145).

كان معروفاً على نطاق واسع أن مصر والسعودية تقفان ضد أي مشروع لتوحيد سورية الطبيعية. ولعله كان من الطبيعي أن ينظر سعادة والقيادة الحزبية بعين الشك إلى ميول حسني الزعيم الذي ظهر واضحاً آنذاك أنه قرر الإصطفاف إلى جانب المعسكر المصري – السعودي. فهل أخِذَ هذا الوضع في الاعتبار قبل اتخاذ القرار بالتعاون مع حسني الزعيم؟

سابعاً – أما النقطة الأهم والمتعلقة مباشرة بخيانة حسني الزعيم لسعادة، فيوردها فنصة باختصار في الصفحات 77 – 83، عندما حذره إبراهيم الحسيني رئيس الشعبة الثانية وقائد الشرطة العسكرية في الجيش السوري من أن حسني الزعيم ينوي تسليم سعادة إلى السلطات اللبنانية. المهم أن فنصة تدخل لدى حسني الزعيم وحصل منه على وعود كاذبة... واستمرت المسألة بين أخذ ورد لأيام عدة.

وهنا نطرح أسئلة عدة:

1 – لماذا لم يحذر فنصة بنفسه سعادة عندما تأكد له أن حسني الزعيم لن يلتزم بوعوده، أو على الأقل لماذا لم يقم بتحذير بعض المسؤولين القوميين الذين يعرفهم، وكانوا مقربين من سعادة؟

2 – إذا كانت مسألة خيانة حسني الزعيم متداولة بين فنصة والحسيني (وربما آخرين أيضاً؟)، أفليس من المعقول أنها تسربت إلى القوميين الاجتماعيين وأصدقائهم، وبينهم ضباط كبار ومسؤولون في أجهزة الدولة؟

3 – مرويات عدد من القوميين الاجتماعيين الذين كانوا في دمشق آنذاك تشير إلى تحذيرات غامضة وصلت إلى سعادة، فلماذا لم يعمل بها ويتخذ الاحتياطات اللازمة؟

ثامناً – ينسب فنصة إلى الحسيني قوله: "إنهم يطلبون مني حتى أن أدبر قتله هنا في دمشق، وأنا لن أفعل ذلك طبعاً، لذا سأسلمه" (صفحة 77). وإذا ربطنا هذا الاعتراف بما نعرفه من أن السلطات اللبنانية أرادت قتل سعادة على الطريق بين المصنع وشتورة بعد استلامه من دمشق... فنكون والحالة هذه أمام قرار بالإغتيال مأخوذ على أرفع المستويات من القاهرة إلى الرياض إلى بيروت إلى دمشق. ولا شك في أن الأيدي الخارجية كانت فوق كل الأيدي المحلية القاتلة.

أهمية هذه الأسئلة، والأجوبة التي قد نصل إليها، أنها توضح لنا طبيعة عمل القيادة الحزبية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حياة سعادة. وتكشف ما إذا كان الجسم الحزبي يومها مستعداً لاعلان الثورة القومية الاجتماعية الأولى. لنصل إلى النقطة المحورية: هل كان بالإمكان تجنب كل ما حدث بين فتنة الجميزة (حزيران) وجريمة اغتيال سعادة في تموز 1949؟

لا شك في أن القيادات الحزبية المتعاقبة منذ العام 1976 قصّرت في السعي إلى الحصول على وثائق تلك المرحلة من الأرشيف العسكري في بيروت ودمشق. العلاقة الوثيقة مع الحكومة الشامية منذ العام 1974، خصوصاً في هذه المرحلة حيث التحالف يتعمد بالدم يومياً، يجب أن تسمح لنا بطلب وثائق المكتب الثاني الشامي بين 1947 و1949 للوقوف على خلفيات جريمة تسليم سعادة. وكانت سنحت لنا فرصة بين 1991 و2005 للسعي في هذا الأمر في لبنان، من خلال النفوذ الشامي الحليف ووجود قوميين في المجلس النيابي والحكومة.

هذا أصبح من الماضي، ولا فائدة من البكاء على الأطلال! لكن الظروف مواتية في دمشق، وموقعنا هناك يتيح لنا الإصرار من دون تردد أو حرج. ومع أن الوضع في لبنان غير مستقر على المستويين الأمني والسياسي، غير أنه بالإمكان رفع دعوى قضائية (سواء من قبل المؤسسة الحزبية أو عائلة سعادة) تطالب باسترجاع كل الأوراق الحزبية والخاصة التي صودرت من بيت الزعيم والمكاتب الحزبية خلال المداهمات التي أعقبت حادثة الجميزة.

إن مذكرات ومرويات تلك الأشهر، التي كتبها قوميون اجتماعيون ومواطنون آخرون، تترك إنطباعاً بأن جريمة تصفية سعادة ما كانت لتتم على الشكل الذي تمت عليه لولا تواطؤ قوى محلية وأخرى حزبية، سواء بعامل المصلحة أو بعامل الإهمال، للتخلص من سعادة الذي كان مرصوداً للقتل منذ أن وطأت قدماه أرض مطار بيروت في الثاني من آذار 1947.


 

جميع الحقوق محفوظة © 2024 -- شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه