مقدّمة : لبلدة بانياس السورية حيث أحد منابع نهر الأردن سحر بما فيها من مياه دافقة ، وطبيعة خضراء دائمة ، ويضاف إلى هذا السحر سحر ثان بما تحمله في ثنايا تاريخها القديم من أساطير .
وربما يكون لاسم بان ( Pan ) أحد آلهة اليونان صلة وثيقة ببانياس ، وبان هذا هو أحد آلهة اليونان تحدّر من زيوس كبيرهم ، أو من هرمس ودريوب ، وكان صديق الصيّادين والرعاة وحامي الأغنام والماعز والطبيعة وحياة البريّة ، وكان شكله نصفين من ماعز وإنسان ، له كالماعز قرون وذقن وأذنان ورجلان ذاتا أظلاف . وهو مخترع الناي ، وأشهر من عزف عليها ، ويعزى إليه تعليم الرعاة فنّ العزف على القصب . وكان لما فيه من شبق فحول الماعز لا يكفّ عن غواية الحوريات ، وكانت الحوريات تصدّ عنه عندما تكتشف شكله الإنساني الحيواني ، منهن إيكو ( Echo )التي تحوّلت إلى صدى ، وبتيس ( Pithys ) التي تحوّلت إلى شجرة صنوبر ، وسرنكس ( syrinx ) التي أحالها بان إلى ناي ذي سبع شعب !!
يا بانُ ! طُفْ بي في رُبَى الجولانِ *** واعـزِفْ بموسيقـاكَ للرُّعيـان ِ واجمعهـمُ في بانيـــاسَ فإنّه *** عذبُ الظّلالِ لدى وريف ِ البان ِ وأراهُمُ قَبَسُـوا عزيفَكَ مثلما *** قَبَسَ المضيفُ النــارَ للضيفان ِ لم تنطفــىءْ نارٌ قَبَسْتَ كأنّها *** نارُ الغـــرامِ شهيّةُ الأشجان ِ في بانياسَ غـدا خيالُكَ طائفاً *** يا بانُ فــوقَ السّفْحِ والوديانِ والنّبعُ عندَكَ راحَ يجري سلسلاً *** ويبوحُ مثـــلَ رفارفِ الألوان ِ والزّهْرُ عُرْسٌ ليسَ أحلى ملبساً *** منـهُ ، لبسـتَ رُؤاه في نيسان ِ والطيرُ ينظِمُ في حِماكَ قصائداً *** منثـورةً نُظِمـتْ بـلا أوزانِ فيموجُ حقلُكَ بهجةً وسنابلاً *** وبلابـلاً تشـدو على الأغصانِ وهناكَ في صُمِّ الصَّفا لكَ معبدٌ *** ضَمِـنَ الخلــودَ لصانعٍ فنّان ِ شُبّـاكُهُ في الصّخْرِ نَحْتٌ ماثلٌ *** يزهـو بحُسْنِ النّقشِ والإتقان ِ فإذا تُضـاءُ شموعُه وضلوعُـه *** يمحو سَنـاها ظلمـةَ الأركان ِ من هُرْمِسٍ قد جئتَ ربّاً للفَلا *** والغـاب ِوالصَّيّـاد ِ والقُطْعانِ أوحيتَ للرعيانِ ما قد أتقنوا *** من عـزفِ نـايٍ شائقِ الألحان ِ يا صانـعَ المزمارِ إنّك مُلْهِمٌ *** ألهمْتَ رقـصَ الغيـدِ والغلمانِ وسواكَ لم يَفْتِنْ سِرَنْكِسَ والصَّدَى وبثيسَ بالعـزف النّـدِي الفتّان ِ لكنْ جَفَوْنَكَ إذ رأينَكَ صورةً *** شوهاءَ من جَـدْيٍ ومن إنسان ِ فطَفِقْتَ من شَبَقٍ تُبَقْبِقُ كالذي *** في الغابِ يرعَـــى زانَهُ قَرْنان ِ وأراكَ تشبهُ أكثرَ الناسِ الأُلَى *** سَتَـــرُوا طبيعتَهـم بِزِيٍّ ثان ِ وأراهُمُو لو يَظهرون حقيقةً *** لَمَشَـتْ بهـم رِجْلاهُـمُ وَيَدَانِ وغدا يُمَعِّي تيسُهُمْ قُدَّامَهُمْ *** وَهُــمُ يُمَعُّـونَ بغيــرِ لسان ِ وَلطأطأوا أسَفاً وما رفعوا بنا *** صـوتاً ، وكلٌّ مَــرَّ كالخَزْيان ِ *** يا بان ُ ماذا أنتَ إذ تحمي الحمى *** والضأنَ والمِعْـزَى من الذُّئبانِ أسطورةٌ ؟! قالتها أربابُ الأسَا *** طيرِ القديمــةِ من بني اليونانِ وكذلكَ الرّومانُ حينَ تَوارثُوا *** ما رَسَّـخَ اليونانُ في الأذهانِ واليومَ حين أرى خيالَكَ ماثلاً *** بتخيّلـي كالحُلْـمِ في الأجفانِ أصبو إلى دنيـا الأساطيرِ التي *** أثْرَتْ بني الإنسـانِ بالوِجدانِ وبها أرى شَحْذَ النفوسِ وإنّما *** شَحْذُ الفؤوسِ يكونُ بالصَّوّانِ يا ليتَ ظَلَّ الناسُ في أكنافِها *** يستلهمون الفــنَّ في الأزمانِ أو أنّ قومي راجعوا تاريخَهمْ *** في الشـامِ قبلاً شامةِ البُلدانِ أو ليتَ لي وطناً أصوغُ سُطورَه ُ*** قَصَصَاً أتيـهُ بهِ على الأوطان ِ
|