إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

واشنطن: بين مخاطر الانزلاق إلى الحرب والتكيّف مع موازين القوى في سورية

حسن حردان - البناء

نسخة للطباعة 2016-10-07

إقرأ ايضاً


من البيّن أنّ الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن أطلقت النار، عمداً، على الاتفاق الذي وقعته مع روسيا في سورية، إما لعدم قدرتها على تنفيذ ما هو متوجب عليها وإما لأنها، بالأصل، لا تريد تنفيذه وكانت تريد المناورة، كما الاتفاقات التي سبقته، بغرض تمكين الجماعات الإرهابية التابعة لها، من التقاط أنفاسها والعودة إلى تعويض خسائرها واستئناف هجماتها، لتعديل موازين القوى في الميدان، بما يبقي الحرب في سورية في وضعية الكرّ والفرّ، في إطار مواصلة حرب استنزاف الدولة السورية، لإجبارها على التسليم بالشروط الأميركية لحلّ الأزمة. بعد ذلك، لجأت الولايات المتحدة إلى التصعيد السياسي والتهويل على سورية وروسيا، بإشهار خيارات الحرب، إذا ما استمرّ الجيش العربي السوري في هجومه على مناطق سيطرة الإرهابيين، في الأحياء الشرقية لحلب. وقد أرفقت ذلك، بضغط دولي لإظهار روسيا بأنها هي من أخلّ في تنفيذ الاتفاق وأنّ المدنيين في حلب، يتعرّضون لحرب إبادة، بغرض إحراج موسكو ودفعها إلى وقف الهجوم والقبول بهدنة جديدة وفق شروط جديدة، تمنع الحسم العسكري في حلب وتحول دون فقدان واشنطن هذه الورقة، التي يجمع المحللون والمراقبون، بأنّ خسارتها ستعني فقدان إدارة البيت الأبيض قدرة التأثير في الميدان والسياسة، على السواء.

غير أنّ مثل هذا الإرهاب والتهويل الأميركيين، لم ينفع في المواجهة مع روسيا، بل على العكس، فقد دفع سيد الكرملين، فلاديمير بوتين، إلى التصعيد في مقابل هذا النكوث الأميركي بما تمّ الاتفاق عليه والسعي علناً وجهاراً، إلى حماية الإرهابيين وعرقلة عملية محاربتهم والقضاء عليهم، ما يعني أنّ واشنطن هي من يرعى ويستخدم الإرهابيين، ليس فقط لتدمير سورية والسعي لتحويلها دولة تابعة وعميلة لواشنطن، كما قال بالأمس الرئيس بشار الأسد، في مقابلة له مع دورية «طهران لدراسات السياسة الخارجية» وإنما أيضاً، لاستنزاف روسيا وجعلها تغرق في رمال سورية المتحركة، في سياق خطة «أفغنة» الحرب في سورية. وبالتالي، منع الحسم العسكري ضدّ الإرهابيين، تمهيداً لنقل حربهم الإجرامية إلى الداخل الروسي، لتقويض جهودها لوضع حدّ لنظام الهيمنة الأميركي وبناء نظام دولي متعدّد الأقطاب وهو الأمر الذي لوّحت به واشنطن، في الأيام الأخيرة واعتبرته موسكو أوامر مباشرة للإرهابيين، لتنفيذ هجمات في روسيا.

ولأنّ الأمور وصلت إلى هذا المستوى، من الحدة والصراع المكشوف، أشهرت روسيا أسلحة قوتها، مصحوبة بمواقف حازمة وقوية، رداً على التصعيد الأميركي، يفهم منها الأميركي بشكل واضح لا لبس فيه، أنّ روسيا لا تخاف الحرب، إذا ما ارتكبت واشنطن حماقة العدوان على الجيش السوري وهو ما دفع المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إلى التحذير منه والقول بإنه سيؤدّى إلى تداعيات مزلزلة في كلّ منطقة الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، جاءت مسارعة روسيا إلى نشر بطاريات صواريخ «أس 300» بنسختها الأحدث، على الأراضي السورية، بمثابة رسالة واضحة لصناع القرار في واشنطن، على عزم روسيا الدفاع عن سورية ونفوذها في هذه المنطقة الحيوية والهامة من العالم.

هذه التطورات، تعني أنّ الأمور بلغت ما يمكن وصفه «اللعب على حافة الهاوية»، فهل تنزلق واشنطن إلى الحرب، أم يتكرّر مشهد عام 2013 عندما كانت واشنطن تنوي شنّ الحرب على الجيش السوري، لمنعه من شنّ الهجوم الشامل على الغوطة الشرقية واضطرت إلى التراجع عن ذلك، بعد أن وجدت أنّ الأمر دونه مخاطر كبرى، قد تؤدّي إلى التورّط في حرب إقليمية واسعة في المنطقة، على ضوء تحذير إيران واستعداد روسيا لتزويد سورية بأسلحة نوعية للدفاع عن نفسها وإرسال قطع من الأسطول الروسي إلى المتوسط.

وكان واضحاً أيضاً، أنّ من بين الأسباب الأخرى التي منعت الرئيس أوباما من الذهاب إلى الحرب، عدم موافقة «الكونغرس» الأميركي ووقوف أغلبية الشعب الأميركي ضدّها. وهو ما كشفه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال لقائه الأخير، الذي جمعه مع أعضاء ما يسمّى «الائتلاف السوري المعارض» وذلك في معرض تبريره لهم عدم تأييد خياره بشنّ الحرب ودعوته لهم إلى الاشتراك في الانتخابات مع الرئيس بشار الأسد، باعتباره الخيار الوحيد المتاح للحلّ.

إذا ما أخذنا بالاعتبار كلّ هذه العوامل، التي حالت دون تورّط أميركا في شنّ حرب جديدة في المنطقة. وأضفنا إليها اليوم، عاملاً جديداً وهو الحضور والتواجد العسكري الروسي النوعي، على الأراضي السورية ومشاركته في دعم الجيش السوري وحلفائه في الحرب ضدّ الجماعات الارهابية المسلحة، فإنه يمكن القول أنّ أميركا باتت تواجه وضعاً صعباً يضعها أمام واحد من خيارين:

الخيار الأول: أن تنزلق إلى شنّ الحرب ضدّ سورية، وبالتالي، الاصطدام المباشر مع روسيا واندفاع الأمور نحو حرب عالمية مدمّرة لكلا الجانبين، لا يمكن لأحد أن ينتصر فيها لامتلاكهما الأسلحة النووية.

الخيار الثاني: أن تتجنّب واشنطن الانزلاق إلى مثل هذه المخاطرة وتضطر إلى التكيّف مع التوازن العسكري، الذي فرضه الحضور الروسي في سورية وتقبل بالعودة إلى مسار الاتفاق مع موسكو وفق الشروط التي لحظت في الاتفاق الأخير، الذي انقلبت عليه الإدارة الأميركية وهو إذا ما حصل، يعني استسلام واشنطن مجدّداً لشروط روسيا وسورية وإيران، لخريطة طريق الخروج من الأزمة في سورية وفشل محاولاتها لفرض إملاءاتها.

وفي حال استمرت في المكابرة، في رفض التسليم بذلك، فإنّ الاتجاه الوحيد سيبقى هو استمرار الجيش العربي السوري وحلفائه، في الهجوم الواسع للقضاء على الجماعات الإرهابية، بكلّ تصنيفاتها. من دون أن يكون لواشنطن القدرة على نجدة جماعاتها في شرق حلب، أو غيرها من المناطق.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024