إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حزب نهضة وهلال خصيب ولا نهايات

نضال القادري - البناء

نسخة للطباعة 2017-03-01

إقرأ ايضاً


عادت إلينا الحياة. فتى الإبهار، الطفل الشويري، ابن الأول من آذار، مارس بطولة العقل باكراً بكل ما تعنيه، فهو أول طفل أنزل العلم التركي عن سارية مدرسة. مربٍّ لإخوة له منذ الصغر. فيلسوف وعالم اجتماع واقتصاد. شاعر ولغوي أتقن أكثر من سبع لغات. ناقد وموسيقي، أستاذ جامعي، سياسي وصِحافي. بائع في متجر، ورجل أحبّ كغيره من الرجال، سجين وليس ما بين القلب والعقل سوى قضية، قضية لا تستهوي إلا الرجال الرجال!

الذي أسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي كان شغله الشاغل أن يبقيَهُ منارة. ذات قوميته نهضة كاملة، تخرج الضعف من الضلال إلى النور. النهضة تنهل من الجيّد وتبني عليه خيارات الأمة. الفرد في مسار النهضة يمتشق من بوصلة الحرية سيادة لا لبس فيها. ونوعيّ هو مجتمعه، توّاق إلى التجدّد والبعث القومي. يختصر التاريخ بالتراكم. قوّته في بناه المادية والروحية والتناسق الذي يزيل الفوارق، ولا يبعث على قلق. إن نهضة الحزب سيرة وسلوك. إرادة تنتصر للفكرة بالنظام وتحصّن الحركة بالإدارة. شاملة هي فكرة النهضة، وقومية وطنية بطبيعتها، منظمة في الوصول إلى أهدافها المعلنة الواضحة. ترتقي الفكرة بمفاهيم الحياة، يتنوّر إنسانها بهدى العقل المحفز على التفكر والتجلّي. إذ ليس خلق إطارات جديدة للعقل إلا طريقاً شاقة وطويلة، مليئة بالصعاب. ولكن طريقه قويمة وجديرة بالحياة. لقد قال سعاده: «إن الشعب الذي لا قوميّة له هو جسم بلا عظم».

فتى آذار، أنطون سعاده، ترك لنا نبضاً سورياً قومياً اجتماعياً، وإرثاً إنسانياً يتعدّى حدود البلاد ليشمل واقع الإنسان والمجتمع. استشرافاته تدغدغ عقل كل متنبئ بالمعرفة. يقول سعاده: «العالم على أبواب معارك هائلة تلتحم فيها جنود العلوم والمعارف والآداب والعدل والحرية والسلام مع جنود المبادئ الرجعية والظلم والعبودية والحروب. فمن أيّ الجنود أنت؟».

الأول من آذار قامة أنيقة للثقافة. ففي أزمة الهوية والانتماء شكل كتابه «المحاضرات العشر» مرجعيّة قيمة. وفي النظرية القومية ونشوء الدولة، شكّل كتابه «نشوء الأمم» قاعدة منهجية علمية. وفي مسألة الصراع على أرض فلسطين كان كتابه «في المسألة الفلسطينية» قاعدة للتدليل على مشروع استيطاني عدائي. وفي الإسهام الفكري، كان كتابه «الصراع الفكري في الأدب السوري» دعوة لتحديث الأدب والفنون لتلاقي الإبداع والأصالة. وفي كتابه «الإسلام في رسالتيه: المسيحية والمحمدية» إبهار في تقديم جديد لظاهرة الأديان. وفي الفلسفة كانت المدرحية صفة ملازمة تلاقي التراث الإنساني في أمّة أنتجت أبجديّة ورسالة إنتاجيّة معرفيّة.

الأول من آذار هو نحن – وأنطون سعاده الذي تعاقدنا معه. مناقبية كاملة متجدّدة واضحة في حياة أشخاصها. لا أنصاف رجال، أو أنصاف مواقع. لا أنصاف مقاتلين ومجاهدين. حزبنا أفراده متقدّمون على أمراضهم، أو منتصرون عليها لا محال. لا يحاورون مجادلاً بمذهبية بائدة، أو طائفياً بلغة الشقاق والانقسام. يزاولون مهام الحياة بلغة التقدم الاجتماعي والتكافل الوطني. أنطون سعاده، ومناقبية التربية القومية الخالصة في عقيدته هي تبديد لمخاوف المختلفين، وإزالة الفوارق الدينية والاجتماعية في متّحدات يتقاسم فيها المواطن «غبن» الأكثريات والأقليات العددية والدينية والعنصرية.

يقيم أنطون سعاده وزناً للحياة بعقلها الحرّ الجديد. القومية في مفهومه ثقة كاملة. لا مهادنة، لا مساومة، لا خضوع. كل ما فينا من الأمة وللأمة. ولا محال ساقط كل متسلّق ومتزلّف يتربّص بعقيدة الحياة.

في ذكرى ولادة سعاده، نستشرف به تأسيس المستقبل، فحزبه يحتقر الجمود، ويؤمن أن الفكرة والحركة التي تدور في انتظام بديع هي إنموذج الحياة. اعتقادي أن لا يمكن لأي فكرة نهضويّة أن تنتصر فقط بجمهورها وحده. ولا يمكن النظر فقط إلى صوابيّة الفكرة وصدقيّتها من مروّجيها وأتباعها لدوام وسيرورة وانتصار قضيّتها – أي أن إيماننا نحن القوميين الاجتماعيين لا يكفي وحده. نحن مطالبون كلنا، أكثر من أي وقت مضى، بتجديد أطر التواصل ونشر أفكار سعاده بطريقة الابتكار. فالابتكار صناعة العقل الفاعل. أما الكسل العقلي فمرض عضال يصيب بالضعف ونقص المناعات. الثرثرة القومية لا تبني ولا تُسمن ولا تنهض من القعر لا بأشخاصها ولا بالآخرين. الأعمال الكبيرة والعظيمة تتعالى عن الصغائر وتنبت في نفوس الأقوياء والكبار. والأوان لا محال هو الآن. إن الضعف في بلادنا يكمن في عدم تحديد مسارات واحدة للمجتمع على أسس وطنية قومية ثابتة واقية حتى لا يقع في محظورات الهجانة والتفتت. هل من مغيث؟ هل من مجيب؟ هل من فاعل؟

إنّ ولادة أنطون سعاده هي مقتل كامل للضعفاء في نفوسهم، وفي طوائفهم وداخل خرائط الإقطاع ومذاهبه. ولكم كنتُ محظوظاً أن اهتديت! وأن مررتْ بانتصارات كبيرة، وأن من مرضي شفيت، وعند صغائر المتخاذلين ما توقفت! لا مجال للتراجع إلى القعر. القعر يتّسع لجميع المضللين عن الصراط. أما السقوط في فوضى الضلال فمميت ومقيت.

أمراض العقول المتحجّرة تتفشّى وتتغاصن مع أمراض الأمية، والفقر والعوز، والبطالة وانعدام التخطيط، وانعدام الإنتاج. كل ما ذكرت هو أنموذج دولة ضعيفة ليست على صورة أنطون سعاده.

إن غياب الشعور والعصبية الضرورية لمعرفة الهوية والالتصاق بها لا يشبه فكر سعاده، بل هو مصدر قلق يشكّل بحد ذاته. هو ثقافة سلبية تتداخل من ثقوبها الأقدار والخيانات والصفقات و«الأمركات» و«الصهينات» و«يهوديات الداخل» و«الأسرلات» كلها.

إبن آذار، لم يرد الحزب أن يكون «منظمة سياسية» بالمعنى التي تمارسه باقي التجمّعات. ليس الحزب «إدارة» كالتي تدير عقل الشركات، وتزن فيه عمليات الربح والخسارة بمفاهيم المال ونفوذ القادة. إنه فرادة! الحزب ليس ثورة على المظالم، وكذلك ليس ديواناً للمظالم. إنه الرحم المولّد الذي تتساوى فيه النساء والرجال في حق الحياة. هو ليس حركة «تغيير وإصلاح» محدودة على وضع شاذّ في الزمان والمكان. إنه النهضة المستدامة في كل مجال.

كل الفخار أن نكون مع الأول من آذار، وأن لا نحفظ أنطون سعاده عن ظهر قلب أعمى. بل تكمن قيمتنا بالقدر الذي نعمل مع استشرافه. وأن نلبي إصلاحات الضرورة لحياة عقيدته التي محورها نحن – كأن نحقق القانون المدني للأحوال الشخصية، وإنصاف المرأة، وإزالة كل الفوارق الاجتماعية والقانونية والسياسية المجحفة بحقها. أن نكون مع قانون جديد للأحزاب يزيل الحواجز بين الطوائف والمذاهب. ومع قانون انتخابات نسبي للانتخابات النيابية يكفل تمثيل الشعب بصفة صحيحة، ولا يكون فيه الإقطاع بديلاً عن الكفاءة. ومع وقف التدخل الديني في المؤسسات السياسية والإدارية. ومع إقامة اقتصاد وطني صحيح لا يقوم على السمسرة، والترويج لبلادنا على أنها منتجة في الفكر والاقتصاد والابتكار والسياحة. نحن مع استراتجية دفاعية تكفل تحقق قوة بلادنا حتى لا تكون مطية للغريب متى شاء وأنّى أراد! وضد قوى الإرهاب والاحتلالات التي أغرقتنا بالديمقراطية المزيفة في العراق، والشام وفلسطين، وأتخمتنا بالقتل والدمار، وزادت على ذاكرتنا المتعبة أطناناً من الجمعيات الأهلية التي تهلل للأيتام والأرامل والشهداء!

في ذكرى الأول من آذار، لا زال أمامنا العمل الكثير. القليل لا يكفي من أجل اجتراح أفق وإجابات تخرج الأمة من مأزقها الراهن المتمثل بالإحتلالات المتقافزة على بلادنا والتي تتراوح بين يهودية وتركية ووهابية وإخوانية وأميركية وعربية أخرى لا حصر لها. ولا بدّ من أن تتولّد رؤية قومية جديدة تقوم على المقاومة من دون خوف. المقاومة المطلوبة ليست منحى واحداً. هي فكرية وأدبية وسياسية وعسكرية ودبلوماسية. الأعمال العظيمة هي نهضة شاملة في مناحي الحياة، تتولّد منها رؤية قومية متجدّدة تقوم على مقاومة الإقصاء والتهميش والكسل الفكري والخوف من خيالاتنا المجتمعية. إن طريق الأول من آذار هو طريق الشغف المزنّر بأحلام التجدد والقيامة. هو الهلال الخصيب الذي اخترناه نحو كل إنتاج سليم وزرع ناضج. اخترنا أن نحياه بالمعرفة وبشرع العقل الأعلى.

أن لا تكتب عن فتى آذار- أنطون سعاده – وعن سورياه، عن هواك الجميل، ذاك الذي يتسرطن بك، عن وطن لا تكسر فيه محبرة واحدة إلا وتقدّس بها أسماء الشهداء! أن تتنحّى عن إدمان الكتابة عن سورياه، فذلك يعني أنك تنمو على الهامش الذي لا تدوسه الملائكة بحثاً عن الله! هنيئاً لمن له فكر سعاده. هذا المفاعل الروحي الذي نتقاسم فيه مع ذواتنا ومجتمعنا الأمثل الماء والهواء وإكسير الحياة. إن صاحب الفكر لفاعل، وكأنّي به يقول: إني فخور بكم، فاهطلوا في ريعان الوطن المدمى صقوراً ويماماً وأقواس قزح! إنّ بعثنا للفجر مولداً جديداً فيه كل سناء.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024