إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الرئيس و«الثنائي» يحمون الحريري من الأجنحة السعودية!

د. وفيق إبراهيم - البناء

نسخة للطباعة 2018-12-13

إقرأ ايضاً


تبدو هذه المعادلة متناقضة لأنّ رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري حليفٌ بدوره للسعودية، فكيف يحميه العماد ميشال عون وحزب الله وحركة أمل منها؟

يوجد في لبنان فريقان ينتميان الى السياسة السعودية فيتنافسان مع القوى اللبنانية الأخرى، ويتصارعان أيضاً مع بعضهما على ما يعتقدان انه الأفضل لآل سعود.

وكلما توغّل فريقٌ منهم في البحث عما يربط لجام السياسة اللبنانية بإرهاصات آل سعود يزداد موقعه في بلاط الأمراء من أصحاب المناشير مقابل تراجع الجهة الثانية الموالية للجهة نفسها التي تجهد بدورها لوضع الممكن في السياسة اللبنانية في خدمتهم أيضاً إنما مع محاولات تحييد المختلف عليه لتأمين استمرار المعادلة الداخلية في لبنان والرضوخ أحياناً لموازنات القوى الكثيرة البروز لمصلحة السياسات الأخرى.

موضوع الأنفاق الذي أثارته «إسرائيل» في جنوب لبنان هو نموذج مطابق للمشروع المطلوب، لقد عرض الإعلام السعودي لهذا الموضوع وكأنه جريمة كبرى يقترفها «حزب الله الإرهابي والسياسات الإيرانية المجوسية المعادية للعرب» بحسب مفهومهم، أما وزير الخارجية السعودي عبد الله الجبير فذهب بعيداً بإصراره على رفض أيّ دور لإيران وحزب الله في حكومة لبنان المرتقبة.

تلقف «لبنانيو السعودية» هذا الموقف حسب مواقعهم السياسية، فالقوات اللبنانية وفارس سعيد وأشرف ريفي والمرعبي الكبير والضاهر اتهموا حزب الله بتدمير الدولة مطالبين الأمم المتحدة بتوسيع صلاحيات «اليونيفيل» لتشمل الإشراف على القرى الجنوبية القريبة.

على مستوى حزب المستقبل الذي يترأسه السعد فقسّم حركته السياسية بين رئيس حكومة ووزراء وبين نواب ومدنيين: الفريق الأول أعلن أنّ «إسرائيل» تعتدي على لبنان وتخترقه براً وجواً وبحراً بشكل يومي وسط لامبالاة من الأمم المتحدة، وتسرق ثرواته من الغاز في الحدود البحرية المتحاذية مع فلسطين المحتلة وتعتبر أنّ الأنفاق مفبركة إسرائيلية لم يجرِ إثباتها بعد.

لجهة نواب «المستقبل» ومنهم الحجار وكبارة وفتفت والمرعبي الإبن هؤلاء تحدثوا عن أهمية وقف المغامرات غير المحسوبة وأثرها السيّئ على مستقبل لبنان، مناشدين «اليونيفيل» التثبّت من مزاعم «إسرائيل» من الجهتين الإسرائيلية واللبنانية منتقدين الدور التخريبي للميليشيات الإيرانية في لبنان وسورية والعراق واليمن.

يتبيّن أنّ ثلاثة مواقف صدرت عن فريق محسوب بكامله على السياسة السعودية، فلماذا هذا التباين؟

الفريق الأول يقدّم كلّ ما عنده من خطابات لإرضاء الفريق الحاكم في السعودية، خصوصاً جناح ولي العهد محمد بن سلمان فيحظى بتمويل إضافي وتَقدُّم في «الاعتماد» عند أولياء الأمور، فقد تتغيّر الأحوال دولياً وإقليمياً بما يمكن آل سعود من طرح أحدهم لرئاسة الجمهورية وآخر لرئاسة الحكومة وثالث لموقع وزاري وهكذا دواليك.

على مستوى حزب المستقبل فيلعب لعبة تقسيم الأدوار، الفريق النيابي فيه متحرّرٌ من ضغوط الحكومة والتزاماتها، لأنّ مسؤولياته تشريعية، يجري تكليفه بتقمّص الحدّ المقبول من الموقف السعودي مع اتجاه الى التطرف، بما يسمح للسعد بالتعبير عن موقف الدولة اللبنانية إنما بتصرّف. والدليل أنه يؤكد على دور الجيش اللبناني في التصدّي لـ«إسرائيل» مطالباً اليونيفيل وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وثرواته، فلا يشير إلى حزب الله لا سلباً ولا إيجاباً لكنه يتصدّى لـ«إسرائيل».

وللتخفيف من وقع موقفه ضدّ «إسرائيل» في أروقة قصور آل سعود يتعمّدُ بعد ساعات فقط من إطلاقه لهذا الموقف استغلال أيّ مناسبة لمهاجمة الدور الإيراني في البلاد العربية لتهدئة الخواطر السعودية.

وبما أنّ حزب المستقبل هو الفريق الأقوى في الطائفة السنية المتسلحة دستورياً لرئاسة مجلس الوزراء، فكان طبيعياً تأييد الأقوى لتشكيل الحكومة وهو حزب المستقبل بكامل تياراته.

لقد وجد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزبه التيار الوطني الحر برئاسة الوزير جبران باسيل وحزب الله وحركة أمل أن «السعد» هو أقرب تيارات «المستقبل» السعودي الى المنطق المتوازن للدولة اللبنانية. وكان من الطبيعي أن يختاروه في مرحلة مشاورات التكليف عند رئيس الجمهورية.

وكانت هذه الخطوة الأولى التي يفترض انها عززت موقع الرئيس المكلف بين تيارات حزبه وكسرتها أمام عودة نفوذه إلى الصعود بخلفية إعادة تكليفه لتشكيل الحكومة، كما أنّ خطوة تكليفه سمحت له بالضبط النسبي لقوى لبنانية مرتبطة مباشرة بالأجهزة السعودية كحال القوات اللبنانية وآخرين من فريق الوزير جنبلاط وإعادة «صقور المستقبل» الخارجين منه والناقمين عليه إلى دائرته بالإرغام وليس بالحوار.

ماذا الآن عن الخطوة الجديدة؟

ضاعف الانسداد الكامل في تشكيل الحكومة من احتمالات الانهيار الكبير. فالحريري الذي لا يزال مقبولاً لا يستطيع توزير سني متحالف مع حزب الله لاعتبارات داخلية تتعلق بمنافسيه في التيارات السنية والقواتية المحسوبة على السعودية. فهؤلاء لن يوفروا تهمة وإلا ويعرضوها على معلميهم في الرياض لإثارة نقمتهم على الحريري، وربما أوغروا صدور الأميركيين عليه ايضاً، وقد لا يحتاج ولي العهد إلى من يحرّضه على السعد إذا قبل بسني حليف للمقاومة من وزرائه.

هذا ما أدّى إلى اجتماع «لحماته السرّيين» في القصر الجمهوري ضمّ الى جانب العماد عون حزب الله الذي يعكس أيضاً وجهة نظر بري.

ويبدو أنّ الخوف على الوضع عجّل باحتمال فرج قريب يقوم على استعداد الرئيس بتقديم وزير للكتلة السنية يُحتَسب من حصته، وكان هذا الاقتراح مرفوضاً في أوقات سابقة.

انما يبدو أنّ حزب الله تكفل بالجزء الثاني من خطة الحماية وتتعلّق بإقناع كتلة السنة المستقلين القبول بالعرض بعد استقبالهم في القصر الجمهوري والاعتراف بتجمّعهم ككتلة مستقلة.

الأمر الذي يمنع الانهيار محافظاً في الوقت نفسه على منع تشكل أزمة نظام خطيرة، قد تنعكس شعبياً ويحمي في الوقت نفسه الحريري من الحاقدين عليه في الداخل والناقمين عليه في السعودية.

وهكذا يعيد محور «الرئيس عون حزب الله» التأكيد مجدّداً على أدوارهما في حماية لبنان من «إسرائيل» والذين يطلُون عليها من الداخل ويظهرون قوّتهما في المحافظة على المعادلة اللبنانية.

بقي أنّ على رئيس الحكومة ان يتعامل مع هذه الحلول «برشاقة وطنية» تفرضه قائداً وطنياً وليس «بي السنة» فقط أو مجرد مسؤول عن فريق منهم.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024