إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحرب على سوريا: الانعطاف التركي نحو الروس وخطره علينا

حسان يونس

نسخة للطباعة 2019-08-02

إقرأ ايضاً


مقدمة :

جراء الوضع المتشابك والبالغ التعقيد الذي يشهده المسرح السوري، تجد كل من إيران وروسيا وسوريا وتركيا أنفسها تعمل معًا بالتناوب وفقًا لمصالح وغايات متباينة الى حدود التناقض. وفيما يخص الجانب التركي تتحرك الحسابات والسياسات التركية بدافع من المخاوف المتعلقة بالانفصالية الكردية والعلاقة الواضحة بين التطلعات السياسية التي تجمع بين أكراد سوريا وتركيا.

وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي “PYD” الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ علما أن الحساسية المزمنة لدى الأتراك اتجاه العامل الكردي تعود إلى زمن ابعد من تشكل الإدارة الذاتية في شمال سورية. فخلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات- توترت العلاقات بين البلدين، حيث وصلت في عام 1998 إلى أزمة خطيرة حين هددت تركيا بغزو سوريا إذا لم توقف دمشق دعمها لحزب العمال الكردستاني.

هل الانعطاف نحو الروس هو استجابة لمخاوف أم لمطامع؟!

في ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، أصبحت محاولات أنقرة (المتناسبة مع موقعها المتوسط في العالم) لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف غير ذات جدوى.

من جهة أخرى افترقت الطرق أمام الأتراك بين صفقةS400 مع موسكو وصفقة الجيل الخامس من طائرات أف 35 مع واشنطن، فاختار الأتراك نتيجة حسابات معقدة قديمة وحاضرة ومستقبلية المضي في إتمام الصفقة مع الروس عوضا من واشنطن عكس توقعات المراقبين. الاختيار التركي تزامن مع تصريح وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، حول “عدم الاتفاق مع واشنطن بشأن إخراج المقاتلين الأكراد من “المنطقة الآمنة” بالإضافة إلى تصريحاته الصحفية أنه “من المحتمل الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية خلال أيام.”

إن افتراق الطرق هذا هو رأس جبل الجليد، وتحت هذا الرأس تكمن أسباب عديدة تفسر الإصرار التركي على إتمام الصفقة. فمنذ سنوات طويلة، تسعى تركيا لامتلاك منظومة دفاع جوي متطورة، وعملت بالأساس من أجل الحصول على المنظومة التابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو”، لكنها لم تتمكن من ذلك واتهمت الحلف بـــ “المماطلة في تزويدها بمنظومة “الباتريوت”. ويمكن ربط الصفقة التركية الروسية بتصاعد حدة الغضب التركي تجاه الإدارة الأميركية، سواءً لمواصلة تقديمها دعما عسكريا لتنظيم “YPD” الذي ترى تركيا أنه امتداد لتنظيم “PKK”، وهو ما جعل النخبة الحاكمة في تركية تنقلب على واشنطن التي تجاهلت كذلك مقترحا تركيا عام 2013 لإقامة منطقة عازلة في شمال سورية.

يضاف إلى ذلك أن الثقة التركية في الولايات المتحدة تراجعت بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، والتي ترى فيه أنقرة يدًا أمريكية، في مقابل اليد الروسية التي ساهمت في إفشال هذا الانقلاب، كل ذلك أفضى إلى إتمام صفقة شراء المنظومة الروسية! إن مجمل هذه العوامل تجعل هذه الصفقة والصفقات الاقتصادية والعسكرية السابقة واللاحقة لها بين روسيا وتركيا بمثابة إعادة تموضع جيوسياسي تركي جديد ضمن فضاء المنظومة الأوراسية التي يعمل الروس على تشكيلها منذ مجيء بوتين إلى الحكم.

يعلم الساسة الاتراك جيدًا أن الغرب يحتاج أنقرة في عدة ملفات استراتيجية. لذا، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، أدرك الطرفان حتمية التعامل الواقعي في إدارة أزماتهم، وانطلاقا من ذلك تحمل سياسة أردوغان الجديدة كثيرا من التحدي خاصة فيما يخص ملف الأكراد في سوريا، وعدم الانصياع حتى الآن للتوجهات الأمريكية في المشاركة بإعادة حصار إيران، وهي سياسة تركية تدخل في حزمة السياسات التي يتبعها الاتراك لانشاء المنطقة العازلة في شمال سورية من خلال تحييد إيران اتجاه المواجهة المقبلة بين تركيا وقسد.

على الرغم من الاستفزاز التركي لواشنطن فيما يخص المواجهة مع قسد والتعامل مع إيران وملف S400، لا تستطيع واشنطن في الوقت الحالي اتخاذ إجراءات قاسية وفعلية ضد أنقرة نظرًا لعوامل تتصل بدايةً بالقاعدة العسكرية في “إنجرليك” جنوب غربي تركيا؛ وتمتد الى أن ملف التسوية في سوريا لا يمكن أن تتم دون مباركة تركية، فضلًا عن النظرة التاريخية شديدة الأهمية التي ترى فيها الإدارات الأمريكية تركيا عازلًا رئيسًا أمام تهديد دائم بتوسع روسي في البحر الأسود والقوقاز والبلقان.

تركيا بين التمدد جنوبا والبقاء

نتيجة تغير موازين القوى في المنطقة لم تعد طموحات الأتراك تجاه سورية تتجاوز حدود حفظ الأمن القومي التركي المهدد من العامل الكردي في شمال سورية، بعيداً عما كان عليه الأمر في العامين 2011 و2012، عندما كان الجهد التركي ينصب على تسليم “الإخوان المسلمين” الحكم في دمشق، امتدادا لاستلامهم الحكم في تونس ومصر.

ولكن بين هذين الحدين، حد تسليم الإخوان المسلمين الحكم في دمشق، وحد حفظ الأمن القومي التركي من التهديد الكردي في شمال سورية يقع حد ثالث هو العودة بالحدود التركية إلى حدود الميثاق الوطني بالتوازي مع العمل على استيعاب التهديد الكردي من خلال إقامة مناطق قطع ( درع الفرات، وغصن الزيتون ) تعترض امتداد الكوريدور الكردي في شمال سورية إلى البحر المتوسط ومتابعة العمل على إقامة منطقة عازلة في شمال سورية تمثل حاجز ديموغرافي بين أكراد تركيا وأكراد سوريا يكون عامل حماية للدولة التركية من التفكك الاثني.

تركيا اليوم تمتلك من النفوذ في شمال سورية ما لم تمتلكه منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة وبشكل طبيعي ستستغل هذه اللحظة إلى أبعد مدى من أجل تحقيق ما يمكن تحقيقه من حفظ الأمن القومي التركي ومن اجل تحقيق حدود الميثاق الوطني التركي

ومن اللافت أن إعادة التموضع التركي باتجاه التحالف مع الروس والإيرانيين في مواجهة الأمريكيين فيما يخص إدارة الأزمة السورية قد تبلورت في العام 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا بالتوازي مع انطلاق التصريحات والسياسات التركية للتمدد في شمال سورية، وتأسيس البنية اللازمة لوجود تركي طويل الأمد وربما غير محدد المدة.

المنطقة العازلة هل تعزل تركيا عن أحلامها الامبراطورية:

من المعروف أن فكرة المنطقة الآمنة لأول مرة طرحت من قبل تركيا، خلال الزيارة التي قام بها أردوغان إلى واشنطن في مايو عام 2013، وفي حينه قال إن هدفها حماية المدنيين الفارين من الاشتباكات في سوريا. مؤخرا، جاء تصريح أردوغان الأخير بشأن استعداد جيشه لشن عمليات «أكثر فاعلية» شرقي نهر الفرات، حيث تتمركز وحدات حماية الشعب الكردية، ليعيد طرح إقامة منطقة آمنة في شمال سورية.

هذا وتتزامن إعادة طرح ملف المنطقة الآمنة في الشمال السوري مع اشتعال الجبهة في شمال حماة وادلب بعد أشهر على توقيع اتفاق سوتشي في 17 أيلول 2018 بين روسيا وتركيا الذي يتلخص في تصفية “جبهة النصرة”، وفتح طريقي حلب – دمشق وحلب – اللاذقية وتنظيم دورات مراقبة روسية في ادلب، وهو ما فشل الأتراك في تحقيقه على ارض الواقع فانعكس خلافا روسيا – تركيا من خلال فتح الروس معركة إدلب، كنوع من الضغط على أردوغان لتحقيق ذلك. وهو ما يعني أن لا أثمان سينالها الأتراك في ادلب نتيجة توقيع اتفاق S400. وفي أحسن الأحوال، سيتم ضبط ايقاع العمليات العسكرية بالتوازي مع إعلان وزير الخارجية التركي عن اقتراب إعلان اللجنة الدستورية السورية بما يتفق مع مسار أستانة.

ومما لا شك فيه أن هناك رابطًا بين الإعلان التركي عن الاستعداد لتنفيذ عمليات عسكرية في شمال شرق سورية وبين العمليات التي يقوم بها الجيش السوري في ادلب وشمال حماة بغطاء جوي روسي، إذ انه منذ إعلان مسار أستانة في العام 2016، تجري تحركات الجيوش السورية والتركية والروسية بتنسيق تشوبه بعض الخروقات مثل الاستهداف المتكرر لنقاط المراقبة التركية في ادلب من قبل الجيش السوري (بضوء أخضر روسي إيراني) لإرغام تركيا على الالتزام باتفاق أستانة ونسخته الأخيرة الموقعة في سوتشي. في المقابل تؤكد التصريحات والردود التركية على استمرار بقاء القوات التركية في ادلب واستعدادها للعمل في شمال سورية على طول الحدود التركية السورية.

تعتبر منطقة شمال شرق الفرات منطقة تشابك للنفوذ الإقليمي والدولي حيث تعمل عدة أطراف على ملء الفراغ بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب نيته الانسحاب من سورية، إذ يعمل الأمريكيون على ملء الفراغ الناتج عن انسحابهم من خلال حلفائهم الفرنسيين والسعوديين والإماراتيين، وقد حولت ضغوط هؤلاء الحلفاء على الإدارة الأمريكية القرار الأمريكي باتجاه تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لروسيا والدولة السورية، فتجري المطالبة بسحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للدولة السورية، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنه الأمني الموقع عام 1998مع تركيا، والتفاوض مع الدولة السورية بالنسبة لـ “قسد” لتسوية وضعها. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.

في التصريح الأخير لوزير الخارجية التركي كُشِف أنه لم يجري التوصل إلى اتفاق مع الأمريكيين بخصوص انسحاب قوات حماية الشعب الكردية من المنطقة الآمنة في الوقت الذي تتهيأ تركيا لإعادة قسم من اللاجئين السوريين الذين بلغ عددهم في تركيا ثلاثة ونصف مليون سوري إلى المنطقة العازلة المزمع إقامتها حيث أمهلت السلطات التركية السوريين المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيها شهرا لمغادرة البلاد، كما أكد الرئيس التركي أن الحكومة التركية “ستتخذ إجراءات جديدة بالنسبة للسوريين، لتشجيعهم على العودة إلى بلادهم، وستُرحل كل من ارتكب جريمة، وستفرض ضرائب على الخدمات الطبية التي يتلقونها، كما أنها لن تمنح الجنسية التركية للمواليد”.

هذه التصريحات التركية وما سيليها تأتي استجابة لمشروع المنطقة العازلة الذي يجري التفاوض على تنفيذه مع الأمريكيين والذي بدأت تنضج ملامحه باتجاه عزل القوات الكردية عن الحدود التركية باللاجئين السوريين الذين سيتم ترحيلهم من تركيا على خلفية استياء الشارع التركي من اللاجئين السوريين، وهو الأمر الذي ساهم بتراجع شعبية أردوغان بين أنصاره، وفق ما عكسته الانتخابات الأخيرة في اسطنبول التي خسرها أردوغان.

استنتاج :

إن المفاوضات الأمريكية التركية حول إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية إذا ما وصلت إلى تفاهمات مرضية للطرفين “وهو ما لم يتحقق حتى الآن” من شانها أن تقلب الطاولة على الحلفاء الروس والإيرانيين وان تزيد اشتعال الجبهات في ادلب وفي شمال حماة وفي شمال حلب ومن شانها أن تدفع الأكراد في شمال سورية إلى إيجاد تفاهمات مع الدولة السورية.

إن التحول في السياسة الخارجية التركية باتجاه روسيا بعيدا عن الغرب لا يشبه التحول الذي عاشته السياسة التركية باتجاه الحلفاء بعيدا عن الألمان قبيل الحرب العالمية الثانية ونالت وفقا له سنجق لواء اسكندرون. فمجمل التحولات السياسية التركية حاليا تهدف إلى حفظ بقاء الدولة التركية من التفكك بتأثير العامل الكردي والتحالفات التركية ستتحول من الأمريكيين الى الروس وبالعكس وفقًا لهذا العامل.

إن تركيا رقم صعب في الحسابات الروسية والأمريكية فكلاهما يحتاج المباركة التركية لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، والموقع الجيوسياسي التركي مهم لكلا الطرفين وبناءً عليه هناك فرصة كبيرة لدى الأتراك لإيجاد مكاسب في الجغرافية السورية في حال تم تحييد الإيرانيين اعتمادا على العلاقات الاقتصادية التركية الإيرانية الحيوية لإيران في ظل الحصار الذي تعانيه. .

*الفينيق*

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024