إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأمين مروان فارس يحاضر في حمص

مندوب عمدة الإذاعة والإعلام الرفيق محمد ح. الحاج

نسخة للطباعة 2007-08-27

إقرأ ايضاً


مساء يوم الأربعاء الموافق 22 آب 2007 - في قاعة سامي الدروبي – بالمركز الثقافي العربي في حمص ، ألقى الأمين مروان فارس محاضرته بعنوان : في المتغيرات الدولية في منطقة "الشرق الأوسط " قدمه للحضور السيد مدير التربية والتعليم في محافظة ، وكان الحضور نوعياً ، فيما يلي نص المحاضرة .

مقدمة :

تشهد مطالع هذا القرن الحادي والعشرين جملة من المتغيرات الدولية الكبيرة التي تترك لها آثاراً بالغة عل منطقة " الشرق الأوسط " . إن النظر إلى حركة التاريخ المعاصر في تطوراتها المتلاحقة تحفز إلى التوقف عند جملة من الأمور في وصف الحالة الدولية الراهنة بأشكال الصراع داخلها وصولاً إلى التوقعات المحتملة في المرحلة القادمة.

أولاً : الحالة الراهنة

بعد الانهيارات التي حصلت في مواقع الايديولوجيا لدول المنظومة الاشتراكية وفي مقدمها الاتحاد السوفيتي ، بدأ الاقتصاد العالمي يتجه اتجاهات شاملة في فرض السيطرة الأحادية على طرائق الحياة الجديدة في عالم ما بعد الاشتراكية . وإن بقيت اشتراكيات هنا وهنالك من الخريطة الأرضية فلقد اتخذت هذه طابعاً خاصا بها سمح لها أن تتطور بحسب أولوياتها هي وليس بحسب الأولويات التي كانت قد عممتها المدارس الفكرية التي انهارت أمام ضربات الاتجاه الذي رسمه الاستعمال وبالتالي نظام الاقتصاد الحر .

لقد كان لذلك تأثيرات هائلة على أنماط الحياة وطرائقها بشكل خاص في دول آسيا وأفريقيا وكافة دول أمريكا اللاتينية ، فازداد الفقر في آسيا وازداد المرض في أفريقيا والجوع في أمريكا فترافقت مع كل ذلك أنماط جديدة للثورات والحروب والاعتراضات لم تبتعد عن نشوء اتجاهات فكرية مغايرة للاتجاهات التي كانت سائدة من قبل .

هذه الاتجاهات الجديدة استلهمت معطيات بلدانها الفكرية والحضارية وأثبتت بواقعية أخرى إمكانية المواجهة التي تحتاج باستمرار إلى مواقعة من قبل الذين لا يرون فيها سبيلاً أكيداً لمواجهة الغطرسة الامبريالية ، مما يعني بأن هذه المواجهة ، وإن تمت ، فإنها دون إمكانية النجاح في إلغاء السيطرة الخارجية ، وبالتالي تحقيق استقلالات قومية حقيقية .

إذن إن الصراع داخل تحركات الايديولوجيا قد اتخذ أشكالاً مختلفة ولم ينجح نجاحاً كاملاً إلا في المناطق الحامية مثل لبنان وفلسطين ، في الوقت الذي ما تزال تتخذ فيه أنماط الحركة في العراق أشكالاً في القتل هي على غير مبتغى الشعوب في التحرر . هذه الأشكال هي أشكال مدانة وهي غير مقبولة في منطق الثورات والحروب ضد الاحتلال .

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول بتدمير البرجين في الولايات المتحدة الأمريكية ، ارتسمت أشكال لمواجهة " الإرهاب " وأصبحت نظرية الإرهاب بحد ذاتها نظرية خاصة تقوم على قواعد مواجهات متعددة في بقع مختلفة من العالم ، وفي هذا السياق وقعت حروب لخدمة مصالح الدولة المسيطرة في العالم ، وأبلغ دلالة على ذلك الأمر ، الحرب في أفغانستان ، ومن ثم الحرب في العراق والقتال الصارم في دارفور في السودان .

إن الجامع واحد في النظرية في كل هذه الحروب : افتعال حركة القتل من أجل وضع اليد والاستغلال وبالتالي رسم خط مغاير لمصير البشرية عن الخطوط المرسومة من قبل العقائد والأفكار المعترف بها ، وفي هذا المجال وضعت أمريكا لنفسها قواعد جديدة متعارضة مع سلم القيم الإنسانية التي أتت بها الحضارات والمواثيق الدولية ، والأخطر من كل ذلك ما يوضع لمنطقة " الشرق الأوسط" ويرسم لها من اتجاهات بمبضع التقسيم والتفتيت .

إن الثابت الآن في السياسة الأمريكية وبالتالي البريطانية والدول الملحقة هو اعتماد مبدأ التقسيم والتفتيت الذي وضعته اتفاقية سايكس- بيكو في العام 1916 من القرن الماضي . فتتواصل سياسة القرون باعتمادها على الطائفية والعرقية وتصارع الإثنيات داخل المشروع الأمركي الذي تحمله أهداف " الشرق الأوسط الكبير " وما تم الإعلان عنه من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية في الكيان الصهيوني إبان العدوان على لبنان في شهر تموز من العام الفائت ،فإقامة " الشرق الأوسط الجديد " يقتضي تغيرات كبيرة في منطق التعامل مع حركة الاستعمار ، إذ أن منطق التفتيت الطائفي والعرقي يقتضي منطقاً مسانداً في العالم العربي الذي تحركه الأفكار القديمة . إذن إن " الشرق الأوسط الجديد " حتى يقوم لا بد من إلغاء الفكرة القومية التي يمكن لها أن تعتمد في مواجهته ، لذلك حصلت الاجتماعات المتلاحقة لمسئولي الخارجيات والأمن في عدد من الدول الإقليمية برعاية مباشرة من قبل وزيرة الخارجية الأمريكية ، والآن إن مشروع الرئيس جورج بوش لعقد مؤتمر تستثنى منه سوريا في شهر تشرين القادم بغية إيجاد حل مزعوم للقضية الفلسطينية إنما يأتي في ذات السياق المنهاجي للامبريالية الأمريكية التي تتناقض الآن مع تاريخها الذي وضعته في مؤتمر مدريد ، فالمسألة لم تعد مسألة احترام أي تاريخ من التواريخ الموضوعة أسسها سابقاُ ، بل إن الاتجاه يرتسم بطرائق أخرى تستمر فيها السياسة التي وضعت في كامب دايفيد فأدت إلى خروج مصر من النزاع العربي – "الإسرائيلي".

هذه هي الفكرة الجوهرية الآن في المنطق الأمريكي : إلغاء فكرة الصراع العربي – "الإسرائيلي" بإلغاء الفكرة القومية من أساسها ، مما يعني تحويل مجرى الصراع من مساره الذي كان يمكن له أن يؤدي إلى نتائج استعادة الحق القومي في فلسطين ، والمطلوب إذن ، وهذا ما زال يتحقق رويداً رويدا ، هو تحويل حركة الصراع من حركة قومية مع الصهيونية إلى نزاع صغير فلسطيني – "إسرائيلي " تتدخل فيه بعض الدول العربية كعامل مساعد للإدارة الأمريكية ، وهذا الموضوع لم يعد احتمالاً بل هو الآن واقع جديد على الساحة العربية يقتضي تحولات كبيرة في السياسة التي يتم اعتمادها في تغطية المواجهات الجديدة . على هذا المفصل الآن تتحدد سياسات جديدة لا بد من البدء بالاعتياد عليها .

ثانيا : السياسات الجديدة

لأن الفكرة القومية تتعرض بفعل النمط الأمريكي في السياسة الدولية وبفعل دخول عدد من الأنظمة العربية في هذا النمط وبشكل خاص على الساحة الفلسطينية لا يعني بأن التخلي عن الفكرة بحد ذاتها يؤدي إلى أسلوب جديد في المواجهة ، فالأساس في المواجهة الحتمية هذه مع الإمبريالية يبقى قومياً وإن تعرض إلى اهتزازات عنيفة جداً تأتي إليه من خارجه ، فالتحالف بين سوريا وإيران هو تحالف يرسم مسارات جديدة في المواجهة ولا يلغي أسس القومية فيها ، فلقد شكلت زيارة السيد محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران مؤخراً إلى دمشق معلماً من معالم الاستراتيجية الشرق أوسطية الجديدة ، ذلك لأن موضوعات العلاقات الثنائية بين الدولتين تنم عن تصرف وثيق في وحدة الأهداف مما يجعل من وحدة المسار في المواجهة الدولية ثابتاً في تطور العلاقة الثنائية وتناميها . إن امتلاك الطاقة النووية السلمية هو حق من حقوق إيران تماماً كما أن استعادة الجولان أو إقامة الدولة الفلسطينية هو حق من حقوق الأمة ، وبالتالي فإن التمسك بجملة هذه الحقوق هو الذي يعطي للعلاقات الدولية شرعية حتمية تتنكر لها الإدارة الأمريكية في كل مكان من العالم .

لا شك بأن الدعم الذي تقدمه سوريا والجمهورية الإسلامية في إيران للمقاومة في فلسطين وفي لبنان كما في العراق في التصدي للجيش الأمريكي ولمبدأ الاحتلال في الواقع والممارسة هو من المعطيات الاستراتيجية المتفق بشأنها بين الدولتين ، وقد أتت الانتصارات التي حصلت في فلسطين المحتلة بعد الانسحاب من غزة ومن ثم بعد الانتصارات التي حصلت في لبنان منذ العام 2002 حتى العام 2006 لتؤكد أن خط التحالف مع المقاومة لا يشكل إنجازا للمقاومة فحسب ، بل لإيران ولسوريا في إسقاط العصر الأمريكي في منطقة " الشرق الأوسط " وسوف تكون هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية بدءاً من العام 2008 موعد الانسحاب الأمريكي من العراق مقدمة لمتغيرات استراتيجية كبيرة في منطقة " الشرق الأوسط " التي ستنعم آنئذ بحياة جديدة على قواعد التحولات الكبيرة القادمة .

ثالثاً : التحولات

في التحولات المتوقعة ، إن انكسار الفتنة الصهيونية في لبنان وقد اعترف بها الرئيس " الإسرائيلي " الحالي السيد شيمون بيريز لا بد وأن يطيح بالفكرة الاستعمارية بالأساس والتي أطلقها الاستعمار القديم الفرنسي – البريطاني في بداية القرن المنصرم ، فمجرد تهاوي الأيديولوجيا التوسعية يعني على الصعيد النظري بداية لتساقط المشروع الجديد الذي يريد أن يتوسع من أقصى المغرب إلى أقاصي المشرق .

إذن ، إن تهاوي فكرة التوسع بحد ذاته بداية انهيار في الاستراتيجيا التي وضعها المسيحيون الجدد في أمريكا ، إن هؤلاء وقد أخذوا بالوقوع في شباك الماضي من جون بولتون إلى وولفوويتز وغيرهم الكثيرين ، هؤلاء جميعاً قد أوقعوا الولايات المتحدة الأمريكية في قبضة الصهاينة الذين يهزمون ويهزم حلفاؤهم ، ولأن ذلك قد تم فإن التناقضات الداخلية في أمريكا نفسها قد بدأت في الظهور رويداً ، رويداً بين الجمهوريين والديموقراطيين .

لا شك بأن التغيرات التي تحصل في أمريكا اللاتينية نفسها من المكسيك إلى فنزويلا إنما تؤكد بأن عصراً عالمياً جديداً قد بدأت تلوح آفاقه ، وهذه الآفاق الجديدة هي للمستضعفين في الأرض الذين تجمعهم أيديولوجيا وحيدة هي أيديولوجيا التمسك بالحق ، بالمقاومة في الشرق كما في الغرب ، وهي التي سوف تعطي للعالم الجديد طابعاً مغايراً لما هو عليه في عصر السيطرة الأمريكية التي تتهاوى في القدم حتى الوقوع ...


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024