إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سورية: الميراث والتجدد

بسام الهلسه

نسخة للطباعة 2011-04-20

إقرأ ايضاً


بالقدر نفسه الذي لا يصح فيه إنكار وجود تآمر خارجي على سورية- أوالتهوين منه- فإنه لا يصح إنكار المطالبات المحقة والعادلة للشعب السوري المنادية بالكرامة والحرية والعدالة, أو إحالتها إلى مؤامرات جهات خارجية.

في الموقف الأول, يعرف كل متابع للشؤون السورية والعربية, حقيقة ومدى الـتآمر الذي تديره- الولايات المتحدة و(إسرائيل), ودول أوروبية وإقليمية, منذ سنوات طويلة على سورية, بهدف إخضاعها للمنظورالأميركي-(الإسرائيلي) لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد, وتحطيم دورها القومي المحتضن والداعم للمقاومة العربية الفلسطينية واللبنانية والعراقية. ويتذكر الجميع الضغط الهائل الذي مورس عليها في ربيع العام 2000عشية الإنسحاب- بل الفرار- (الإسرائيلي) من جنوب لبنان المحتل, لتقوم بتجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها- أو وقفها- من خلال نشر الجيش السوري أو اللبناني على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. ويتذكر التهديد الأميركي المباشر لها بأنها ستكون التالية, بعد إحتلال العراق, إذا لم توقف دعمها للمقاومة العراقية. وقصة إيوائها وتأييدها للمقاومة المسلحة الفلسطينية قديمة ومعروفة, ليس فقط بإستضافتها لقيادة حركتي حماس والجهاد, بل ولجميع فصائل المقاومة منذ إنطلاقة حركة فتح في العام 1965م.

* * *

مع ذلك, فإن الموقف القومي لسورية, ودورها الأقليمي, ليسا هما- فقط- الدافع للتآمر الأمبريالي- الصهيوني عليها, مع أهميتهما الكبيرة. فالتآمر الإستعماري عليها قديم يسبق وجودها كدولة وطنية مستقلة في العام 1918م بعد رحيل الدولة العثمانية. فإتفاقية سايكس- بيكو البريطانية- الفرنسية في العام 1916م( والتعديلات عليها في اتفاقية سان- ريمون 1920م) الخاصة بتقاسم المشرق العربي(سورية والعراق) التي استهدفت منع العرب من تحقيق آمالهم في الإستقلال والوحدة والنهضة, استهدفت في المحل الأول تمزيق سورية الطبيعية (الشام) إلى أجزاء متعددة, ومنح جزئها الجنوبي: فلسطين, لليهود الصهاينة ليقوموا ببناء دولتهم على أنقاضه.

وتنفيذا لهذه الإتفاقية, إجتاح الفرنسيون دولتها الوليدة في العام 1920م, في يوم ميسلون. وعلى النقيض من إرادة شعبها وتطلعاته- التي عبر عنها المؤتمر السوري العام, واللجان القومية التي تشكلت في عموم بلاد الشام- شرع الإحتلال الفرنسي بتفكيك سورية وتحويلها من دولة سياسية, مستقلة, موحدة, ملكية, دستورية, نيابية, إلى كيانات مناطقية طائفية: سُنيَّة, درزية, علوية, ومسيحية. وضم مناطق منها إلى قائمقامية جبل لبنان ليشكل جمهورية لبنان, ثم تفضل فتكرم بمنح لواء الإسكندرون لتركيا. ولولا وحدة الشعب السوري وحركته الوطنية, ومقاومته للإحتلال ومشاريعه, لكنا اليوم أمام خريطة مختلفة لسورية الحالية. خريطة من نوع تلك الخرائط التي أرادت أميركا و(إسرائيل) تحقيقها في مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي جعلت من العراق نموذجاً له.

* * *

ونحن هنا, لا نسرد هذه الوقائع حباً في التاريخ, بل لنبين أن التآمر على سورية ليس جديداً, ولا يستهدف فقط دورها العربي الحالي, وإنما وجودها بالذات كدولة مستقلة ومجتمع واحد.

واهمٌ إذاً, من يعتقد أن تخلي سورية عن دورها العربي, سيفتح الأبواب أمامها لإستعادة الجولان ونيل الرضا والقبول من نادي الدول الغربية. وأكثر منه وهماً من يراهن على مناصرة الدول الغربية في المطالبة بالتغييرالديمقراطي وحقوق الإنسان. ففيما يتعلق بشؤون سورية ( ومثلها فلسطين والأُردن ولبنان) ستكون (إسرائيل) هي مرجعُ الغرب الأول, وصاحب القرار الأخير.

* * *

لكن التآمر الدولي والأقليمي الموصول على سورية, لا يجب خلطه بسعي ونضال الشعب السوري من أجل الحرية والعدالة والتقدم. فهما- كالتآمر- قديمان سابقان على ظهورها كدولة في العصر الحديث. وما زال ماثلاً في الذاكرة, كتاب " طبائع الإستبداد ومصارع الإستعباد" لإبن حلب, داعية النهضة والإصلاح في أواخر عهد الدولة العثمانية, الشيخ المستنير: عبدالرحمن الكواكبي, وكذا نضال منظمتي "العربية الفتاة" و" حزب اللامركزية"- وأغلبيتهما من السوريين- ضد إستبداد وعنصرية وجور "الإتحاديين الأتراك" في مطلع القرن العشرين.

ولقد تواصل هذا النضال عبر تاريخ سورية, وتجلى في وقائع عديدة معروفة, كالمواجهة مع الدكتاتوريات العسكرية

الإنقلابية المتتابعة التي قمعت الحريات وأممت إرادة الشعب.

ومنذ سنوات- في سياق السجال مع المُعولين على التغيير الذي سيأتي من الخارج, أو يقوم به العسكر- كتبتُ عن تجربة الإطاحة بدكتاتورية " أديب الشيشكلي"- ومثلها الإطاحة بدكتاتورية" الفريق إبراهيم عبود" في السودان- كتجربتين عربيتين مميزتين في النضال الشعبي الوطني المستقل ضد الدكتاتورية, وطلباً للحرية وإستئناف الحياة الديمقراطية النيابية.

* * *

رفضنا للخلط الذي لا يصح بين التآمر الخارجي والمطالب الشعبية المحقة, ودعوتنا إلى الفصل والتمييز الواضح الدقيق بينهما, لا يجب أن يوديا بنا إلى فصلٍ وتمييزٍ مفتعلين وضارين بين الوطنية, والقومية, والإيمان, والأُممية, والعدالة, والديمقراطية. والتعامل معها كمتعارضات ونقائض لا يمكن لها أن تلتقي. وبرغم أن التجارب لا يصح إستنساخها ونقلها بشكل آلي حرفي, إلا أن الإفادة منها ممكنة وواجبة. وبودنا أن نشير إلى التجربة "الفنزويلية البوليفارية", الجارية أمامنا حالياً, كخبرة حية للجمع الناجح بين هذه المجالات, وأن نذكر بالدرس المُر لمثيلتها العربية: التجربة الناصرية, التي كان غياب الديمقراطية والمشاركة الفاعلة الحرة للجماهير في تقرير شؤونها, عاملاً مهماً في نجاح التآمر عليها والإنقلاب على توجهاتها, برغم ما كان لها من تقدير, وما حظي به قائدها " جمال عبدالناصر" من مكانة وتأييد لدى المصريين والعرب.


نقول هذا من موقع المنادين بعروبة تحررية ديمقراطية عادلة, منطلقة من الهوية العربية-الإسلامية, ومنفتحة على الحضارة الإنسانية ومنجزاتها في كل المجالات. وإذ نتطلع عبر هذا المنظار إلى مجمل القضايا والوقائع العربية- أو المتعلقة بالعرب- فإننا نؤيد المطالبات الشعبية الأصيلة التي تنشد الكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية في جميع الأقطار العربية, بقدر تأييدنا لنهج وسياسات الإستقلال والتحرر من التبعية بأشكالها كافة, والمقاومة للإحتلال وللهيمنة الأجنبية, والتكامل والتضامن وصولاً إلى الوحدة العربية.


وما دمنا بصدد سورية, فإننا نرى- أُسوة بما نراه وندعو له في سائر الدول العربية- أن إنهاء حالة الطوارىء, وإقرار النظام الديمقراطي, وفصل السلطات وتوازنها, وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية والحزبية والنقابية والثقافية والشخصية, وصياغة قانون إنتخابات جديد يساوي بين الأحزاب ويفصل التداخل القائم بين حزب البعث والدولة, وتحديد مهمات ونطاق عمل الأجهزة الأمنية, وتسريح سجناء ومعتقلي الرأي, وعودة المهاجرين والفارين, ومراجعة سياسات الخصخصة الضارة, وإعتماد التنمية الإقتصادية الإجتماعية للثروة الوطنية والعدالة في توزيعها, ومكافحة الفساد والهدر, وتحديث أبنية الدولة: قوانيناً ومؤسسات وأجهزة وممارسات وأساليب عمل, وعصرنتها, بما يستجيب لحاجات الشعب المتطورة ويضعها في خدمته, من شأنها أن تضاعف قوى وقدرات سورية- شعباً ودولة وجيشاً- وتعزز صمودها ودورها ومواقفها القومية, ونهجها الوطني المستقل. ومن شأنها أن تكون ضامناً لحصانة وأمن سورية ضد مؤامرات أعدائها وأعداء العرب. فلا يجوز للقومية, أو الإشتراكية, أو الإسلام, أو المسيحية, أن تكون مناقضة للحرية والديمقراطية. ولا يجوز أن يكون تحرير الوطن والدفاع عن استقلاله, وسيادة الدولة ومنعتها وهيبتها, على حساب حرية المواطنين وكرامتهم وحقوقهم العامة والخاصة كمجتمع وأفراد.

وهل يجوز, في شرع العرب والمسلمين وضمائرهم وعقولهم, أن تكون الحريات والحقوق وظروف الحياة المتوفرة لمواطني الدول والمجتمعات الإمبريالية الإستعمارية الإستغلالية, أفضل مما هو متاح لهم في دولهم ومجتمعاتهم!؟

لا يجوز! ونحن, الذين ظلت سورية في قلوبنا على الدوام محاطة بالتقدير والمحبة مذ كنا صغاراً على مقاعد الدرس نردد نشيد "موطني", ونحفظ أسماء: يوسف العظمة, وإبراهيم هنانو, وصالح العلي, وسلطان الأطرش, ورمضان شلاش, وحسن الخراط- وغيرهم من قادة وأبطال الكفاح السوري- كما نحفظ أسماء أعزائنا, يحق لنا الكلام, رغم معرفتنا بأن السوريين لا يحتاجون إلى كلام من أحد. فالذين إتحد أجدادهم من قبل- من كل المناطق والأديان والمذاهب والأصول القومية والعِرقية- في مواجهة المحتلين الفرنسيين حتى تم إجلاؤهم في نيسان- ابريل من العام 1946م, قادرون اليوم - كما في الأمس- على صون وحدتهم الوطنية, وحفظ ميراث أسلافهم المجيد وتوقهم المشبوب للحرية, مثلما هم قادرون على السير قدماً في الطريق إلى سورية المتجددة, قلب العروبة النابض الذي آلمتنا دماؤه العزيزة النازفة.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024