إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أوروبا خارج باب الحارة الدمشقية !

صبري حجير

نسخة للطباعة 2011-06-24

إقرأ ايضاً


عمَّ الربيع العربي ، وانتصرت الثورتان العربيان في مصرَ وتونسَ ، وأشاع انتصارهما المناخ


لانطلاق ثورات شعبية عربية ، في السعودية ودول النفط العربي التي تحكمها أسر متسلطة على مقدرات شعوبها ، وتتحكم بها شروط التبعية للولايات المتحدة الأمريكية والدولالغربية ، غيرَ أن سرعة الإغداق المالي ، وعدم نضوج الفعاليات الشعبية ذات المصلحة في الثورة ، وغياب الأحزاب والمؤسسات السياسية والهيئات المدنية ، حال دون انطلاق الثورات في تلك البلدان ، رغم أن الثورة الشعبية اشتعلت في البحرين ، إلاّ أن الولايات المتحدة الأمريكيه استطاعت حرف اتجاهات الثورات الشعبية الى دول عربية آخرى ، كانت تقلقها في مرحلة تاريخية مضت ( الجماهيرية الليبية ) أو دول مازلت الى اليوم تشكل لها عقبة ومانعا صلباً ، تمنعها من تحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة ( سوريا ) مستفيدة ، أي الولايات المتحدة الأمريكية ، من مخزون أدوتها العربية ذات الطابع الدينيفي أوربا !


لا يستطيع أحدٌ القول أنّ ما يجري في سورية هو ليس وليد مؤامرة دولية قد أعدت بإحكام ، وقع البعض في شباكها راضيا بحسن نية ونقاء خاطر ، والبعض الآخر شارك فيها مع سابق إصرار وسوء نية .


سورية العربية التي كانت وما تزال القلعة الأخير في الوطن العربي التي حَمَتِ الكرامة العربية ، وكسرت المشاريع التصفوية ، والتي استطاعت أن تُفشل الإحتلالَ الأمريكي في العراق ، وتهزم العدوان الإسرائيلي في لبنان عام 2006 ، سورية هي التي حققت المعادلة العربية الصعبة التي استطاعت أن تحافظ على الرفض العربي ، وتمنع الهزيمة من أنتجتاح الوطن العربي كله .


كانت الحياة السورية تضج بالمتناقضات ، وهو ما كان يقتضي التغيير والإصلاح ، إذ لا يمكن لوطن ممانع ومقاوم يقف في مواجهة أشرس هجمة أمريكية صهيونية ، أن يتراخى من داخله ، ويترك الفساد يتأصل في أوصاله ، فحوامل الفساد ترتقي فوقها الهزائم ، وتحمل بذور الدمار والإنهزام .


قبل ثلاثة أشهر دخلت سورية مرحلة من الحراك الشعبي الديمقراطي يستهدف تحقيق مطالب شعبية محقة كرفع حالة الطوارئ ، وإلغاء ما يترتب عليها من وجود محاكم استثنائية ومؤسسات أمنية ، ومطلب كفّ يد الأجهزة الأمنية عن وظائف الدولة وأفراد الشعب ، ووضعها في الموقع التي تتمكن فيه من حماية الوطن ، وإطلاق صراح المعتقلين السياسيين ، وتأمين حرية العمل السياسي ، مع إلغاء المواد الدستورية المعطلة لهذا ، وحرية الصحافة ..الخ . لم يتوانَ الرئيس بشار الأسد ، الذي بدا مدركاً لضرورات التغير، عن تنفيذ المطاب الشعبية المشروعة ، بل وصل الى المدى الأقصى في تحقيق مطالب الشعب ، وهي المطالب التي اعتبرها ترقى الى درجة الحقوق ، بل تجاوزها ليصل الى طرح قضية تغيير الدستور ، أو تعديله وفقا لما يرتضي به الشعب السوري . يبدو أنّ بعض الفئات ذات الأجندات الخارجية ، والتي ترتبط بقوى وأحزاب مرتبطة بالغرب ، إضافة لمجموعات سلفية تكفيرية دخلت الحراك الشعبي السوري ، وتجاوزت حدود التعبير والمظاهرات والإعتصامات ، مارست أعمالاً إرهابية مسلحة ، في محاولةلتفتيت المجتمع السوري ، ودفعه الى حروب طائفية ومذهبية ! والمتابع لما يجري على الساحة السورية ، يرى أن القوى والفئات والدول المعادية لسورية ، تلتقي كلها على نسق واحد هدفه إسقاط النظام السوري ، وتقسيم البلاد وبعثرة العباد ، خدمة لمشروع الشرق الأوسط الجديد ، كي تُتاح الفرصة لاسرائيل لتتعامل مع الوضع العربي المحيط ، باسلوب جديد كما نصحها ، يوم الإثنين 21 – 6 – 2011 ، الرئيس الأمريكي أوباما بأن" تنظر الى الشرق الأوسط بعيون جديدة وبنظرة جديدة ". انّ التغير الذي تنشده الإدارة الأمريكية في سورية ، هو تغيير يدخل في سياق التخطيط الذي تبنته الإدارة السابقة ( المحافظين الجدد ) المسمى" الشرق الأوسط الجديد " الذي يعني بالنسبة للعرب مزيداً من التجزئة والتشتت والفرقة ، لتبقى اسرائيل القوة الأقوى في المنطقة العربية ، من هنا يتضح الإهتمام الأمريكي غير المسبوق ، لما تمثله سورية في المنطقة ، وما حققته من قوة في المجابهة والممانعة .


تشن القنوات الفضائية العربية والعالمية ، التي تحاول أن تضع النظام في سورية في الموقع المعادي لشعبه، والتي تحاول أن تعبثُ في العقل العربي ، وتشوه الصورة الحقيقية لما يجري على أرض الواقع . تلتقي تلك القنوات معَ كلِ الأدوات الإعلامية التي تخوض معركة الغرب المعادي ، على هدف إبقاء سورية شعباً ونظاماً على حبلٍ مشدودٍ من خلال بث الفتن ، واشاعة الفوضى في المجتمع السوري ، وإذكاء نار الطائفية والمذهبية ، للوصول الى انهيار النظام ، لوضع سورية تحت جناح الوصاية الدولية ، وتحت حماية القوى الأطلسية ، بحيثُ تتشابه في ذلك مع ليبيا!


المتابع للأحداث يلاحظ أن سلسلة من الحلقات تترابط وتتآزر وتنسق فيما بينها ، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ، ودول إقليمية ، وبعض الأطراف العربية المعادية لسوريا ، إضافة الى اسرائيل طبعاً المستفيد الأول والأخير مما يجري في سورية . في مجريات الأحداث التي شهدتها سورية وليبيا ، طفا على السطح الوجه القبيح للعلاقات العربية العربية ، وعلاقة الجوار مع الدولة الإسلامية ( تركيا ) . لكن المثير للاستفزاز هو الموقف الأوروبي الذي تقوده فرنسا وبريطانيا ، الدولتان المستعمرتان اللتان تعتبران الشعب العربي كلهُ ليسَ من حقّهِ أن يصل الى مستوى التقدير والإحترام ، بل أن الأمة العربية متردية ، الى مستوى تستطيع فيه تلك الدولتان أن توظفا قوى اسلامية معارضة تعيش في أوروبا لأهداف استعمارية ، في محاولة منهما مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في قوات أطلسية ، يؤهلهما أن تحظيا في النهاية بقسمٍ من الكعكة العربية من جهة ، وإبقاء العرب كأمة حيوية تستطيع أن تصل الى مستويات التحدي الإقتصادي والعلمي والمجتمعي ، في مكبات التقسيمات الطائفية والمذهبية والجهوية ، من جهةٍ أخرى . الدول الأوروبية التي تعيش أزمتها الإقتصادية المحتدمة ،وأزمة بنيتها الإجتماعية والأخلاقية ، تريد اللحاق بالمشروع الإمبريالي الذي يستهدف استغلال اقتصاد الدول العربية بشكلٍ استغبائي ، وصلَت الى درجةٍ أن تحاسب عن ثمن كلّ طلعة جوية حربية تشنها ضدّ ليبيا . الحقيقة التي صرح بها وزير الخارجية السوري ، وليد المعلم ، يوم الأربعاء 22 – 6 – 2011 " بأن سورية سوف تنسى أوروبا ، وتسقطها من حساباتها " لأن الدول الأوروبية التي تستقوي بفرض العقوبات على لقمة العيش للسوريين ، وصلت الى درجة من الضعف الذي جعلها لاتقدر إلاّ أن تكون في أسطول التبعية لأمريكا ، فلتقف أوروبا إذن على باب الحارة الدمشقية تنتنظر هزيمتها بعد أن هُزمتْ أخلاقيا وقِيميّا .

المشهد الإعلامي المباشر ، يُظهر أن حرباً عالمية تُشنُ ضدّ سورية ، حيثُ تشهد الجبهة السورية هجوماً سياسيا وإعلامياً واسعاً وصارخاً ، تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ، وعدد من الدول الأوروبية ، وتستنفر أمريكا في هذه الحرب كافة أدواتها الإعلامية ، من قنوات فضائية عربية وعالمية على رأسها قناة الجزيرة ، وبعض المواقع الإعلامية والصحف العربية ، وشبكة التواصل الإجتماعي على الفيس بوك ، ووظفت في معركتها هذه كبار كتاب الصحف العربية بأثمان مالية باهظة ، سوف تكشفُ عن حجمها الأيام المقبلة ، في حرب عالمية ضدّ سورية العربية ، كما تخوض مجموعات مسلحة مرتبطة بأجندات خارجية عمليات القتل والترويع بحق قوى الأمن والشرطة ، والشعب بهدف السيطرة على الشارع السوري ، وعزل مدنه المتطرفة ، مع إشاعة جوّ من التوتر والنزوح. تبدو الحلقات التي تخوض المعركة ضدّ سورية مترابطة ومنسقة ومدروسة ، ممّا يعني أن ما يحدثُ في سورية ليس بفعل لحظته ، بل جاء وفقاً لتخطيط وإعداد مسبقين ، تم تأمينه بحكم الفساد الذي استشرى على الحدود السورية ، لكن النظام السوري الذي تقدم معارضيه ، باصداره القوانين والتشريعات التي من شأنها أن تُحدث ثورةً حقيقية في سورية ، وأن تغير مجمل نواحي الحياة للسوريين ، ممّا جعلَ الرئيس الأسد ينال ثقة الشعب السوري من جديد ، ويستولي على قلب الشارع السوري ، ويحظي بالشرعية الشعبية التي تؤهله لخوض معركة التغيير الحقيقية في سورية ، دون تقديم أيّاً من التنازلات للقوى المعادية .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024