إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

التراجع التركي والانتحار السعودي

رضا حرب - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-14

إقرأ ايضاً


لكلّ أزمة صانعوها ولاعبوها وأدواتها، ولكلّ طرف قدرات تحدّد حجمه ودوره في الصراعات الجيوسياسية. الصانعون واللاعبون قادرون على حلحلت الأزمة والخروج بحل توافقي، لا يخسر المهزوم كلّ شيء ولا يربح المنتصر كل شيء. على سبيل المثال، الحلّ في سورية يقوم على توافق بين الصانعين واللاعبين، وإقصاء الأدوات من المعادلة ـ الإرهاب التكفيري وكلّ من حمل السلاح ضدّ الدولة. الحلّ في اليمن يقوم على القاعدة نفسها، إقصاء الإرهاب التكفيري والقوى التي تعاونت مع العدوان السعودي. بمعنى آخر، لا مكان للأدوات في مرحلة ما بعد الحلّ. هكذا تتجه أو يجب أن تتجه الأمور، عاجلاً أم آجلاً. اللاعب المتعنّت سيكون الخاسر الأكبر وسيدفع ثمن غطرسته. الجنون السعودي على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي يا رب» حرب البترول عملية انتحار أحادية.

من دون مواربة، لعبت تركيا دوراً تخريبياً في سورية، من خلال الدعم المباشر وغير المباشر للتنظيمات الإرهابية، وكانت ممراً للمقاتلين والأسلحة الى سورية، وعملت الى جانب السعودية على عرقلة كلّ ما يمكن ان يقود الى تفكيك وحلحلت أزمات المنطقة، خاصة الأزمة السورية، ومارست دوراً مشبوهاً في العراق من خلال التعاون مع مسعود البرزاني لأسباب اقتصادية، ومع طارق الهاشمي لأسباب إيديولوجية.

ومن أجل التجييش الداخلي والخارجي، لا يزال خطاب أردوغان ثلاثي الأبعاد والاتجاهات، إسلامي في مخاطبة الأكراد، وقومي معادي للأكراد في مخاطبة الأتراك، وطائفي في التجييش ضدّ الدولة السورية ومؤخراً ضدّ إيران، وتبرز الطائفية بأبشع صورها من خلال التحالف مع السعودية، تحالف إخواني وهابي رغم الصراع والمنافسة بين المشروعين والإيديولوجيتين.

جاء التدخل الروسي ليغيّر قواعد الاشتباك، لكن معادلة «ما قبل إسقاط القاذفة الروسية ليست كما بعدها» أحدثت تغييراً جوهرياً في خريطة الصراع الأوراسي. رفع بوتين سقف التحدّي في وجه أردوغان الذي اضطر الى مراجعة حساباته والتراجع من لاعب اساسي الى لاعب احتياط ينتظر قرار الناتو. الدخول الى شمال العراق ليس أكثر من محاولة لخلط الأوراق في العراق حتى لا يخسر كل شيء.

الدبلوماسية العراقية الهادئة في ظلّ الجنون الإقليمي مهمة جداً إلا أنها لم تحقق الأهداف المرجوة. راهن أردوغان على عدم قدرة الجيش العراقي على حماية حدوده بسبب انشغاله في محاربة داعش»، فقرر أن يكون لاعباً أساسياً في العراق لإعادة الاعتبار الى القوة التركية. في هذه المرحلة يمكن للعراق القيام بخطوات أولية كتخفيض التمثيل الدبلوماسي والتهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية ومنع دخول البضائع التركية الى الأسواق العراقية كخطوة ثانية. يعتبر العراق سوقاً تجارية ضخمة حجم التجارة التركية مع العراق يبلغ 13 مليار دولار ، كما أنه الممرّ البري الوحيد الى دول الخليج والأردن. القوة الناعمة إذا لم ترافقها مواقف صلبة وقوة صلبة لا تدلّ على عقلانية في التعاطي مع الأزمة، بل دليل ضعف لربما يدفع بتجييش الحسّ القومي التركي للدفع نحو الطعن بمعاهدة سيفر سنة 1920 حول الموصل بين بريطانيا وفرنسا.

فرض الدخول الروسي المباشر واقعاً جديداً على الساحة السورية، كان العراق قادراً على اقتناص الفرصة ليضع الأميركيين أمام خيارات صعبة. فهم التركي الواقع الجديد في سورية، ولم يستفد منه العراق.

بنظرة سريعة على الخريطة التركية ندرك أنّ تركيا باتت محاصرة باستثناء الممرّ الضيّق مع مسعود البرزاني، والعلاقات الاستراتيجية مع «إسرائيل». إيران لا تزال تراهن على عودة الخطاب الديني الجامع لنجم الدين أربكان والخطاب السياسي المتزن لعبدالله غول الذي تمّ تهميشه بلعبة دنيئة لعبها الثنائي أردوغان ـ أوغلو. وبنظرة أخرى، نرى أنّ إيران هي الممرّ البري الوحيد الى وسط وشرق آسيا، أكثر من ثلثي سكان العالم. هذا الأمر يوجب على أردوغان وضع الحسابات الاقتصادية في ميزان الصادرات كون تركيا المستفيد الأكبر في علاقاتها التجارية. الهروب نحو السعودية لا يحلّ أزمات تركيا، بل يورّطها في أكثر من ملف، الحلّ في طهران وأنقرة ومنهما الى موسكو حيث اللاعب الدولي الأقوى على الساحة السورية.

السعودية تمرّ بمرحلة عصيبة على أكثر من جبهة. وصف ديفيد اغناتيوس لمملكة آل سعود «السعودية مملكة خائفة» دقيق جداً.

الأمر الأول، من غير الدخول بالتفاصيل، بعد محاولات يائسة وبائسة لإغراء بوتين بالتخلي عن سورية والابتعاد عن إيران وعدم التقارب الاستراتيجي مع حزب الله زيارات بوغدانوف ، جاءت زيارة بوتين الى إيران لتتوّج تحالفاً استراتيجياً لا يطال المنطقة الشرق أوسطية فقط، بل للاتفاق على العمل سوياً لوأد أيّ تحرك سعودي لإشعال وسط آسيا. أصبحت إيران لاعباً جيوستراتيجياً على مستوى الصراع على رقعة الشطرنج الأوراسية، وهذا من شأنه أن يعزز موقع إيران على الساحة الإقليمية والدولية.

فضلاً عن ذلك، عملت السعودية على تخريب التوصل الى اتفاق نووي بين إيران والمجموعة الدولية 5+1 أكثر من أي دولة أخرى، تفوّقت على «إسرائيل» في الحملات الإعلامية وقدّمت عشرات المليارات من الدولارات كرشاوى لفرنسا على شكل صفقات تجارية. كلّ محاولاتها باءت بالفشل. اليوم، مع الاقتراب من موعد رفع العقوبات يتعزز دور إيران في المنطقة خاصة في مجال محاربة الإرهاب التكفيري. في المقابل تتعزّز مخاوف السعودية من أن تفقد موقعها كأداة في الاستراتيجية الأميركية، لهذا نشهد ارتفاع منسوب الجنون لدى المارشال «عادل الجبير» حتى يظنّ الواحد منا أنه يستمع الى مارشال خاض وانتصر في الحربين العالميتين.

الأمر الآخر، الغرب الذي استخدم السعودية كأداة لتخريب المنطقة وإسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد، رضخ أخيراً لصوت العقل والمنطق، وسلَّم بالدور الإيجابي والحاسم للرئيس الأسد وحلفائه في محاربة الإرهاب، وسَلَّم أيضاً بأنّ الشعب السوري يمتلك الحق المطلق في كتابة دستوره واختيار قادته. وبما أنّ الأسد باقٍ الى أجلٍ يقرّره الشعب السوري تكون السعودية قد خسرت أهمّ معاركها مع محور المقاومة.

النقلة النوعية في الاستراتيجية الأميركية من استراتيجية بوش «الحروب المباشرة» الى استراتيجية أوباما «استخدام القوة الناعمة وحروب الوكلاء» المسماة «القيادة من الخلف» فشلت لأنّ حلفاءها الاساسيين ضعفاء، الأمر الذي انعكس على الثقة المتبادلة. يشعر هؤلاء اليوم أنّ الولايات المتحدة تركتهم في منتصف الطريق، الاستمرار خسارة والتراجع خسارة. السعودية تدرك جيداً أنّ إقصاء «الأداة» أمر حتمي للتوصل الى تفاهمات. تهديدات المارشال «الجبير» ليست أكثر من صرخات استغاثة خوفاً من التخلي الكلي عن السعودية لا سيما أنّ هناك مؤشرات قوية على عدم وجود مكان لها في الاستراتيجية الأميركية.

الأمر الثالث، رغم حالة الخوف الشديد على مصير المملكة وحكم آل سعود، لا تزال السعودية تكرس قدراً كبيراً من قدراتها المالية والإعلامية لتوظيف النعرات القومية في صراعها السياسي مع إيران الذهاب الى الجامعة العربية الفاشلة ، وتجييش النعرات المذهبية لإحداث فتنة مذهبية كي تفرض نفسها كزعيمة على العالم السني. «تحالف منتصف الليل» من 34 دولة لمحاربة الإرهاب هو في الحقيقة تحالف لدفع المنطقة الى حرب سنية – شيعية. الدول التي تفاعلت إيجابياً مع السعودية إما دول فاشلة لا قيمة لها على الخريطة الجيوسياسية أو دول تريد نصيباً من الخزينة السعودية التي يتهاوى اقتصادها أمام أعين حكامها.

الأمر الرابع والأهمّ. كانت السعودية على مدى عقود إحدى الأدوات في الصراعات وافتعال الأزمات وتوظيف المال لشراء الأصوات والذمم، لكن عندما قرّرت أن تكون لاعباً وجدت نفسها عاجزة عن القيام بهذا الدور حتى في مواجهة إحدى أفقر الدول العربية، اليمن. وعدت الأميركيين بدخول صنعاء وإنهاء الحالة الحوثية خلال عشرة أيام، لكن رغم الدعم الأميركي اللوجستي والتحالف العربي والمرتزقة الكولومبيين، ورغم ما يقوله الإعلام السعودي حول إنجازات عواصف «الحزم» و«الأمل» أصبح أنصار الله يقاتلون الجيش السعودي داخل الأراضي السعودية ويسيطرون على قرى ومدن ومواقع استراتيجية في العمق السعودي.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024