إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

روسيا وأميركا في سورية... اتفاق أم صراع؟

حسن حردان - البناء

نسخة للطباعة 2016-06-02

إقرأ ايضاً


في الآونة الأخيرة كثرت التحليلات عن وجود اتفاق اميركي روسي في سورية لتقاسم النفوذ، وانّ هذا الاتفاق هو الذي يفسّر توقف عاصفة السوخوي واتجاه موسكو الى الاتفاق مع واشنطن على الهدنة.

لكن هل أنّ مثل هذه التحليلات صحيحة، أم أنها تنطوي على مغالطات تغفل عمق الصراع بين كلّ من روسيا وأميركا؟

منذ البداية كانت الخطة الأميركية في سورية هي إسقاط الدولة الوطنية بقيادة الرئيس بشار الأسد، وتحويل سورية إلى دولة تابعة سياسياً واقتصادياً، وبالتالي أمنياً وعسكرياً للولايات المتحدة الأميركية باعتبار ذلك هو المفتاح لإخضاع كامل المنطقة وإعادة تشكيلها وفق خريطة المصالح الأميركية الاستعمارية، وبالتالي تعويم مشروع الهيمنة الأميركية على العالم ومنع روسيا والصين من المشاركة في القرار الدولي ومحاصرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية والعمل على إخضاع وتقويض نظامها وصولاً إلى تصفية القضية الفلسطينية لمصلحة المشروع الصهيوني، وقد راهنت واشنطن في سعيها لتحقيق هذه الأهداف على الجماعات الإرهابية المسلحة التي جرى تدريبها وتجهيزها بالأسلحة المتطورة وتمويلها بإمكانيات مالية كبيرة، بواسطة الدول الخليجية، وشكل لهذه الغاية تحالف دولي ضمّ أكثر من مئة دولة تحت عناوين زائفة ومضللة للرأي العام في سورية والدول العربية والعالم، تُصور على أن هناك ثورة في سورية تطالب بالاصلاح والحرية والديمقراطية.

لكن هذه الخطة الأميركية واجهت مع الوقت الفشل تلو الفشل في تحقيق هدفها، بفضل صمود سورية، قيادة وجيشاً وشعباً، وإخفاق المشروع الأميركي في النيل من هذا المثلث السوري أو هذه المعادلة الذهبية التي شكلت إلى جانب دعم المقاومة في لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وروسيا الاتحادية الأساس المتين والصلب الذي مكّن سورية من الصمود والثبات على مدى ما يناهز خمس سنوات ونصف السنة في مواجهة هذه الحرب الكونية الشرسة غير المسبوقة في التاريخ، وهو ما دفع نواباً أميركيين إلى التعبير عن ذهولهم والتساؤل عن سرّ هذا الصمود الذي فاجأ الأعداء قبل الأصدقاء.

ولا شك في أنّ هذا الصمود الأسطوري لسورية قد جرى تعزيزه مؤخراً بالدعم الروسي النوعي في مجال التغطية الجوية وتزويد الجيش العربي السوري بالأسلحة المتطورة وإقامة منظومة دفاع جوي روسية على الأرض السورية تحمي سماء سورية من أيّ مغامرة تركية أطلسية أميركية، وهذه ما فرض توازناً عسكرياً استراتيجياً في مواجهة القوة الأميركية، وضع الأزمة في سورية في مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن المرحلة التي سبقت هذا الدخول الروسي النوعي الذي نقل زمام المبادرة إلى أيدى الجيش السوري وأحدث تحوّلاً نوعياً في الميدان نتج عنه أمران:

الأول: إرباك السياسة الأميركية وخططها ووضع حدّ للمراهنة على استخدام القوة العسكرية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

الثاني: انتقال زمام المبادرة السياسية لحلّ الأزمة لتصبح بيد روسيا وهو أمر جرى التعبير عنه في مقرّرات مؤتمرات فيينا وقرار مجلس الأمن 2254، والتي جاءت متماهية تماماً مع وجهة النظر السورية الروسية الإيرانية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة، والتي تمّ على أساسها عقد مؤتمر جنيف 3.

وقد نجح التكتيك الروسي في الاستفادة من الهدنة في حلب، في تمكين الجيش السوري من تركيز جهوده على مناطق سيطرة «داعش» واستطاع في وقت قصير تحرير مدينتي تدمر والقريتين، مما فاجأ واشنطن وأصابها بالقلق من أن يتجه الجيش السوري نحو دير الزور والرقة وحسم المعركة مع داعش.

في مواجهة هذه التطورات الدراماتيكية في مسار الأزمة والحرب الناتجة عن الحضور الروسي العسكري النوعي عملت واشنطن وحلفائها، وعلى الأخصّ تركيا والسعودية، إلى الالتفاف عليها، بداية عبر دفع الجماعات التابعة لها إلى تعطيل مؤتمر جنيف من خلال طرح الشروط المسبقة والمخالفة لقرارات فيينا ومجلس الأمن، وكذلك رفض تمثيل كلّ أطياف المعارضة في المحادثات وحصر التمثيل بوفد الرياض.

كما جرى العمل أميركياً وسعودياً وتركياً على محاولة تعديل ميزان القوى على الأرض، عبر استغلال الهدنة، لإعادة تعويض الجماعات المسلحة عن الخسائر التي مُنيت بها، وتمّ إدخال السلاح والمسلحين إلى ريف حلب عبر الحدود التركية، وبالتالي خرق الهدنة وشنّ الهجومات لاستعادة المناطق التي حرّرها الجيش السوري بدعم الطيران الروسي، لكن هذه الهجمات لم تستطع تحقيق سوى مكاسب محدودة بالسيطرة على تلة العيس وخان طومان فقط وأخفقت في تحقيق أيّ تقدّم في حلب وفي ريف اللاذقية، وقد أدّت هذه الهجمات إلى التأثير على الخطة الروسية السورية لمواصلة الهجوم بعد تدمر والقريتين لتحرير الرقة والمناطق التي يسيطر عليها داعش في دير الزور.

غير أنّ فشل الجماعات المسلحة في تحقيق إنجازات نوعية على الأرض وانكشاف التعاون بين الجماعات التابعة لواشنطن والسعودية وتركيا مع جبهة النصرة المصنفة، إلى جانب «داعش» وفق قرار مجلس الأمن، تنظيمياً إرهابياً ولا يشملها قرار وقف العمليات العسكرية أدّى ذلك إلى دفع روسيا إلى تصعيد موقفها السياسي في المحادثات الجديدة في فيينا بطلب تصنيف هذه التنظيمات في إطار التنظيمات الإرهابية، أو الفصل بينها وبين النصرة، وبالتالي وضع حدّ للتهرّب الأميركي السعودي التركي من عملية الفصل، وإلا فإنّ روسيا سوف تستأنف عمليات عاصفة السوخوي التي توقفت بفعل اتفاق الهدنة، وهي لن تستثني أيّ جماعة مسلحة متواجدة في مناطق سيطرة النصرة، وهو ما عكسه تصريح وزير الدفاع الروسي شويغو الذي حدّد مهلة بمثابة إنذار كي تبتعد الجماعات المسلحة المستعدة للالتزام بقرار الهدنة عن مناطق سيطرة «النصرة»، لأنّ الطيران الروسي سوف يستأنف عملياته ضدّ جبهة النصرة ومن يرفض الابتعاد عنها.

هذا التكتيك الروسي في الردّ على التهرّب الأميركي والتعطيل السعودي التركي للحلول ومحاولتهم تغيير موازين القوى على الأرض حشر واشنطن ودفع الأخيرة إلى أن تضع على جدول أعمالها معركة السيطرة على الرقة عبر دعم قوات سورية الديمقراطية وإرسال مستشارين عسكريين أميركيين للإشراف على العملية العسكرية التي بدأت بدعم من الطيران الأميركي والهدف طبعا هو:

1 ـ استباق تقدّم الجيش السوري باتجاه الرقة ودير الزور، وبالتالي إمساك أميركا بورقة الرقة لابتزاز سورية وروسيا وإيران لانتزاع تنازلات سياسية، في العملية السياسية لحلّ الأزمة.

2 ـ تحقيق إنجاز فعلي في مواجهة تنظيم داعش لمصلحة إدارة أوباما عشية انتخابات الرئاسة الأميركية، وبالتالي محاولة إثبات جدية أميركا في محاربة داعش بعدما فضح الإنجاز النوعي السريع الذي حققه الجيش السوري في مواجهة «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى، اثر الحضور الروسي النوعي، المسرحية الأميركية في إعلان الحرب على «داعش» والتي لم تحقق أية نتائج رغم أنها بدأت منذ أكثر من سنتين.

من هنا من الواضح أنّ الحديث عن اتفاق أميركي روسي لتقاسم نفوذ بين روسيا وأميركا في سورية لا أساس له من الصحة، ومثل هذا التفسير لدى البعض، إنما يغفل عنوة حجم الصراع الدائر بين الدولتين العظميين، ليس في سورية وحسب بل وفي الكثير من المناطق في العالم، وهو صراع لا يمكن لروسيا أن تتسامح فيه خصوصاً في مناطق حيوية بالنسبة لأمنها القومي ونفوذها وحضورها الدوليين مثل سورية وأوكرانيا، وإذا كانت روسيا قد ردّت على التدخل الأميركي في أوكرانيا بدعم القوى الموالية لها في شرق وجنوب أوكرانيا وباستعادة سريعة لجزيرة القرم الإستراتيجية الى الاتحاد الروسي. فإنّ القيادة الروسية أقدمت لأول مرة في تاريخ روسيا على إرسال قواتها وسلاح طيرانها إلى منطقة بعيدة عن جوار روسيا المباشر، وهي سورية، والغاية طبعاً هي حماية أمن روسيا بالعمل على القضاء على الجماعات الإرهابية، التي تضمّ عناصر إرهابية من الاتحاد الروسي، ومنع أميركا من إعادة تعويم هيمنتها على القرار الدولي ومحاصرة روسيا، وبالتالي فرض التوازن العسكري معها ورسم خطوط حمراء روسية في سورية، والتأسيس بذلك لولادة نظام دولي متعدد الأقطاب على أنقاض نظام الأحادي القطب.

لذلك فإنّ توقيت الهجوم على الرقة يستهدف أميركياً الإمساك بورقة على الأرض لابتزاز سورية وروسيا وإيران ومحاولة النيل من استقلال سورية عبر محاولة فرض الشروط الأميركية للحلّ، وتحقيق إنجاز لمصلحة إدارة أوباما عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبهذا المعنى فإنّ الحرب في سورية تسير اليوم على خطين:

السباق على الرقة بين روسيا وسورية وإيران من جهة، وبين واشنطن والقوى التابعة لها من جهة ثانية.

وفي المقابل هناك استعداد وجاهزية من قبل الحلف السوري الروسي الإيراني والمقاومة، لاستئناف الهجوم على مناطق سيطرة «النصرة» والجماعات المتحالفة معها في حلب وريفها وإدلب بعد أن أعطت روسيا الفصائل المسلحة الوقت الكافي لتمييز نفسها عن «النصرة» والابتعاد عن أماكن تواجدها ورمت الحجة على أميركا التي رفضت كلّ الطلبات الروسية لتوحيد وتنسيق جهود مكافحة الإرهاب في سورية.

هذا التكتيك الروسي هو ما يفسّر توالي واستمرار التصريحات للمسؤولين الروس، السياسيين منهم والعسكريين، المطالبة أميركا بتنسيق الجهود الميدانية وهو ما يفسّر أيضاً التمديد الروسي للهدنة عدة مرات، وتأجيل الهجوم في حلب ضدّ «النصرة» ومن قرّر مواصلة الارتباط بها.

وقوة هذا التكتيك كما هو واضح تكمن في أنه يوفر المزيد من أوراق القوة السياسية لمصلحة وجهة النظر الروسية السورية الإيرانية، وفي الوقت نفسه يوفر الغطاء لشنّ عملية عسكرية واسعة لحسم المعركة ضدّ النصرة وأخواتها في حلب وريفها وإدلب، وبالتالي إبطال كلّ الذرائع الأميركية والتركية والسعودية التي تضع العراقيل أمام عملية الفصل بين «النصرة» وباقي الجماعات المسلحة.

ومثل هذا الصراع المتواصل على ارض سورية يؤكد أنّ هناك تناقضا جذريا بين الأهداف الروسية والأهداف الأميركية، فأميركا تسعى من وراء تدخلها غير الشرعي في الشأن السوري إلى النيل من استقلال ووحدة سورية أرضاً وشعباً لمصلحة مشروعها الاستعماري في المنطقة، وكذلك لمصلحة المشروع الصهيوني، وتستخدم الجماعات الإرهابية وسيلة لتحقيق هذه الأهداف عبر دعمها تمويلاً وتسليحاً، أو عبر الظهور بمظهر من يحاربها.

في المقابل فإنّ روسيا تدعم الدولة السورية الشرعية وتنسّق معها في محاربة الجماعات الإرهابية وتطالب باحترام استقلال وإرادة شعبها في اختيار من يمثله في الحكم، وهي عندما تقوم بذلك إنما تخدم مصلحة روسيا في درء الخطر الإرهابي عنها وفي العمل على وضع نهاية لمرحلة الهيمنة الأميركية على العالم وفرض معادلة دولية جديدة تقوم على بناء نظام دولي متعدّد الأقطاب واحترام سيادة واستقلال الدول.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024