إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

حول القانون الأميركي «جاستا»

زياد حافظ - البناء

نسخة للطباعة 2016-10-04

إقرأ ايضاً


فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في نقض قانون «جاستا» الذي بموجبه يفتح الطريق لذوي ضحايا العمليات الإرهابية مقاضاة الدول والجهات التي تدعم الإرهاب والتعويض لها. والمقصود هنا ضحايا أحداث أيلول 2001 الذين سقطوا بسبب أعمال إرهابية شارك فيها عدد من مواطني الجزيرة العربية. ولهذا التطوّر الخطير في العلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة الرياض تداعيات خطيرة ليس فقط على الدولتين بل على الوطن العربي بشكل عام وعلى العالم أيضاً.

فماذا يعني هذا القانون؟ صحيح أنه يتيح الفرصة لمقاضاة الدول أو الجهات التي تدعم الإرهاب. وصوغ القانون لا يمنع الرئيس الأميركي من أن يطلب من المدّعي العام، أي وزير العدل، أن يعلّق تنفيذ أحكام القانون إذا ما كانت الإدارة، أي إدارة، تتفاوض مع الجهات المعنية لتسوية ما ولتعويض ما، طالما يكون ذلك في مصلحة السياسة العليا للولايات المتحدة. فالقانون سلاح قد يشهر وقت الحاجة ويخمد عندما تقتضي السياسة العليا ذلك. لقد صرّح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه كانت تجري مفاوضات للتعويض على ذوي ضحايا أحداث أيلول 2001 بمثابة مليونين دولار لكل عائلة. وإذا كان عدد الضحايا 3000 كما يظهر في الإعلام فهذا يعني أن مجموع صفقة التعويضات تكون حوالي 6 مليار دولار. هذا الموضوع يذكّرنا بالابتزاز الذي مورس على حكومة ليبيا لتصفية قضية لوكربي. فعلى ما يبدو دفعت الحكومة الليبية ما يوازي ملياري دولار.

هذا القانون الذي يمكن تعليق مفاعيله يبقى سيفاً مسلطاً على كل جهة تريد الحكومة الأميركية ابتزازها. وهنا نتكلّم عن مبالغ تفوق الستة مليارات كتعويض لضحايا أحداث أيلول 2001.

فهناك كافة العمليات الإرهابية التي تحصل على الأراضي الأميركية من قبل جهات متشدّدة أو التي تتبنّاها، والتي يمكن إلصاق تهمة تمويلها لأي دولة تختارها الإدارة الأميركية. لا ننسى أن بعض المحاكم الأميركية أصدرت أحكاماً بحق مصارف عربية كالبنك العربي المحدود بتهمة تمويل العمليات الاستشهادية التي حصلت في الأراضي المحتلّة والتي سقط فيها مواطنون أميركيون، وما أدّى إلى شلّ أعمال ذلك المصرف في الولايات المتحدة حتى التوقّف.

المبالغ التي يمكن أن تضع الولايات المتحدة يدها عليها بالنسبة لحكومة الرياض تبدأ بسندات الخزينة الأميركية التي تحملها الحكومة والصناديق السيادية التابعة لها. ليس هناك من أرقام دقيقة حول الموضوع ولكن التقديرات المعهودة تفيد بأن حجم سندات الخزينة بحدود 700 مليار دولار. أما باقي محفظات الصناديق السيادية فالتقديرات لحجم الاستثمارات وإيداعات المملكة، حكومة وشركات وأفرادا، قد تتراوح بين 2 و3 تريليون دولار، هذا إذا ما صحّت التقديرات. وبغض النظر عن دقة تلك الأرقام أو عدمها فالمؤكّد هو أن حجم الأموال العربية المهدّدة كبير.

كما لا يمكن استثناء سائر الدول العربية النفطية التي تملك صناديق سيادية من تداعيات ذلك القانون. فيمكن إلصاق تهمة تمويل الجماعات المتشدّدة التي تقوم بعمليات إرهابية سواء كانت في الوطن العربي أو في العالم بما فيها الولايات المتحدة بهذه الدول العربية النفطية، وذلك للابتزاز ووضع اليد على الأموال العربية. كما يمكن استصدار تشريعات تبيح السيطرة على الأموال المودعة في الولايات المتحدة لأي سبب بعد ما تتم شيطنة الجهة التي تنوي الإدارة مصادرة أموالها!

في هذا السياق نستذكر كيف جمّدت الحكومة الأميركية أرصدة شاه إيران وحكومته، كما نتساءل عن مصير الأموال الليبية بعد اغتيال العقيد القذّافي، وأيضا أموال اسرة الرئيس المصري المخلوع حسنى مبارك. لم يعد يتكلّم عنها أحد!

كما نستذكر كيف استدعى وزير الخزينة الأميركية هنري بولسين في صيف 2008 مسؤولي الصناديق السيادية الخليجية العربية وفرض عليهم استثمار الأموال في الأسواق الأميركية لتعويم المؤسسات المالية التي اهتزّت بسبب فضيحة أزمة الرهونات العقارية، والقيود التي فرضها على استثماراتها في العالم، كالخضوع لموافقة مسبقة من البنك الدولي وصندوق النقد، مما نزع فعليا الصفة «السيادية» لها. فهي أموال تحت تصرّف الخزينة الأميركية والمشيئة الأميركية.

وهناك روايات أخرى طاولت دول عربية نفطية فرضت عليها الولايات الأميركية توظيف الأموال في المصارف الأميركية أو الفرنسية وإلاّ لخضعت لإطالة أعمال العنف والإرهاب فيها.

هذا القانون لم يأت من الفراغ. فهناك سياسة غير معلنة باستباحة الأموال العربية. كما هناك سياسية بعدم السماح لدول نفطية عربية الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والبنى التحتية الأميركية. نتذكّر كيف هبّ الكونغرس الأميركي لمنع جهات إماراتية من الاستثمار في المرافئ الأميركية. وحتى في المملكة المتحدة، نتذكّر كيف أجبرت الحكومة البريطانية الحكومة الكويتية على التخلّي عن حصّتها التي قاربت 25 بالمائة من الرأس المال في شركة بريتيش بتروليوم النفطية وذلك لاعتبارات «الأمن القومي البريطاني». كما لا ننسى العقود المجحفة بحق الخزائن العربية في صفقات تسليحية وغير تسليحية هدفها نهب الأموال العربية. ورغم كل ذلك استمرّت الحكومات المعنية بالانصياع للمشيئة الغربية دون أي تقدير لكرامتها ولكرامة شعوبها. ففي آخر المطاف، هذه الشعوب رعايا فقط لا غير ولا صوت ولا مكانة لها!

في مقابلة أجريناها على محطة «أم أس أن بي سي» الأميركية عام 2011 والتي كانت تبث من دبي، سألنا مقدّم البرنامج عن الاستثمارات العربية في الخارج. قلنا له آنذاك إن كل قرش يوظّف في الغرب أو في الولايات المتحدة قرش مفقود. ولما سألنا لماذا؟ أجبناه أن هذه الدول كانت دائماً طامعة في ثروات وأموال العرب وتعتبرها «حقّا» لها، وبالتالي لن تتوارى عن إيجاد تشريعات تضع من خلالها اليد على الأموال العربية. كما حذّرت المستثمرين العرب من الاستمرار في استثمار أموالهم في الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. كانت هذه المقابلة آخر المقابلات على تلك المحطة! كانت توقّعاتنا آنذاك في مكانها وما زلنا على ذلك الموقف.

لكن بعيداً عن التداعيات المباشرة لقانون «العدالة ضد مروّجي وداعمي» الإرهاب فهناك ملاحظات يمكن استخلاصها:

الملاحظة الأولى هي أن القانون قد يكون ذا حدّين. السابقة التي تشكّلها قد تتعمّم إلى دول أخرى، وبالتالي تخلق مناخاً غير مستقر للمداولات المالية حيث التغيير في المزاج السياسي قد يتحوّل فجأة إلى تشريعات تهدّد سلامة الاستثمار.

الملاحظة الثانية هي أنه يمكن استصدار قوانين مشابهة تلاحق الولايات المتحدة وتهدّد مصالحها بسبب تدخّلها في شؤون الغير، كما يمكن إدانتها بجرائم حرب تؤدّي إلى تهديد مصالحها في العالم. كما يمكن الاستفادة من ذلك القانون الدي أصدره الكونغرس الأميركي لملاحقة الولايات المتحدة. للعلم، أذاعت محطة فضائية خليجية أن هناك مجموعة عراقية اسمها «المشروع العربي في العراق» تفكّر جدّياً في مقاضاة الولايات المتحدة لأعمال العنف التي ارتكبها الجنود الأميركيون في العراق!

الملاحظة الثالثة هي أن التلاعب باستقرار التداول المالي والنقدي على الصعيد العالمي يسرّع في العمل على إيجاد منظومة مالية دولية غير خاضعة للابتزاز الأميركي بما فيه نظام التحويل المعروف باسم «سويفت». فالصين وروسيا ومعهما سائر دول «بريكس» تعمل على إيجاد نظام مالي دولي مستقل عن النظام الذي يهيمن عليه الدولار وبالتالي الولايات المتحدة.

الملاحظة الرابعة هي أن لجوء الولايات المتحدة لتشريعات قد تضرّ بمصالح الولايات المتحدة قبل مصالح الدول الأخرى يدلّ على مدى التخبّط والترهّل بين النخب الحاكمة. وهذا ما يدعم ما كنّا وما زلنا نقوله، إن الولايات المتحدة في حالة تراجع بل أفول لأسباب بنيوية سياسية واقتصادية تحدّ يوماً بعد يوم من إمكانية التأثير في المعادلات الدولية. والتسريبات الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كري لفحوى حديثه مع وفد من المعارضة السورية حول محدودية فعّالية السياسة الأميركية في المنطقة دليل إضافي على مسار التراجع والأفول.

الملاحظة الخامسة تتعلّق بسياسات الدول العربية النفطية وغير النفطية. فهي مدعوة لمراجعة جذرية في سياساتها بشكل عام بالنسبة لسياسات استثماراتها المالية أولاً، في التوقف عن الاستثمار خارج الوطن العربي، أو ثانياً وخارج إطار الدول الإسلامية، أو ثالثاً، خارج إطار الدول الصديقة للعرب. سياسة الاستثمار تتبع دائماً سياسة التحالفات السياسية الإقليمية والدولية وبما أن هذه التحالفات القائمة لدى الدول النفطية مع الولايات المتحدة أظهرت مدى حدودها فلا بد من مراجعة جدوى الاستثمارات في الولايات المتحدة من ناحية تداعياتها على الأمن القومي لهذه الدول وللأمن القومي العربي بشكل عام.

الملاحظة السادسة تتعلّق بالمشهد الأميركي. «خسارة» الرئيس الأميركي معركة النقض دليل آخر على حالة الترهّل عند النخب الحاكمة. شبه الإجماع في التصويت في مجلس الشيوخ لرفض نقض الرئيس الأميركي لقانون «جاستا» يشير إلى التخلّي عند الحزب الديمقراطي عن الرئيس الأميركي. صحيح أن دفاعه عن «المصلحة العليا» الأميركية المشتركة مع حكومة الرياض أصبحت غير مقبولة سياسياً وشعبياً في الولايات المتحدة ولكن أن تتجلّى بهزيمة سياسة البيت الأبيض على يد الشيوخ والديمقراطيين أمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام. فعلى ما يبدو أصبح الرئيس الأميركي فعلا بطّة عرجاء وذلك حتى تسليم السلطة للرئيس المقبل في كانون الثاني/ يناير المقبل.

الملاحظة السابعة تتعلّق بالتحوّلات في الرأي العام الأميركي. أن التصويت يدلّ عن تناذر في التحوّلات في التوجّهات. المسلسل الشعبي الأميركي «مدام سكرتاري» الذي يعرض مغامرات وزيرة الخارجية الأميركية كرّس حلقة حول عدم جدوى الاستمرار في تغطية دول مجلس التعاون الخليجي. لذلك نشهد تحوّلاً على الصعيد السياسي والشعبي في النظرة لدول مجلس التعاون الخليجي. يضاف إلى ذلك المقالات الناقدة لسياسات دول مجلس التعاون وفي مقدمتها حكومة الرياض. قصفها للبنى التحتية في اليمن لم يساعد في تلميع صورتها عند الشعب الأميركي أو حتى في الاعلام المهيمن.

نأمل أن تأخذ هذه الدول العبرة من هذه التحوّلات وتبدأ مراجعة سياساتها نحو التحوّل إلى المصالحة مع شعوبها ومع الجماهير العربية بشكل عام وإلاّ لن تجد من سيقف معها في مواجهة السياسات الغربية التي تستهدف وحدة أراضيها ومجتمعاتها.

«جاستا» هو الأحرف الأولى باللغة الإنكليزية لقانون يطلب العدالة لداعمي الإرهاب

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024