إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المؤامرة بين عقم التصدي وخصوبة العقل العربي

د. سمير الخطيب - البناء

نسخة للطباعة 2017-04-28

إقرأ ايضاً


لا شك أنّ المؤامرة هي دلالة من دلالات تطوّر العقل البشري الذي يطمح بشكل مستمرّ للسيطرة على قوانين الطبيعة والبشر، فالقول إنّ كلّ شيء بالمطلق مؤامرة خاطئ، ونفي وجودها بالمطلق أمر مرفوض، فعقلية التآمر مسألة واردة في كلّ الحالات، والكثير من المؤمنين بنظرية المؤامرة مقتنعون بأنّ الأحداث الكبرى في التاريخ هيمن عليها كاذبون وأداروها من الأماكن السرية والغرف المظلمة، ويعتبرون أنّ الماسونية هي رأس الأفعى في التآمر على الكون تمهيداً للتحكم بالعالم.

لقد حاول العديد من الكتاب والساسة الأميركان والانكليز والعرب الاستهتار بالعقل العربي، واعتبار نظرية المؤامرة تعبيراً عن حالة عجز وفشل عند العرب، وهي محاولات دائمة ومستمرة لتبرير ما ألحقته هذه الدول من جرائم عبر التاريخ بحق هذه الشعوب.

فالذاكرة العربية مشبعة بالشواهد والوقائع بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو مروراً بوعد بلفور والعدوان الثلاثي على مصر، والانقلابات المستمرة، وكذلك وجود حكام عرب لا يجيدون حتى القراءه والكتابة، بالإضافة إلى تأسيس الجامعة العربية وميثاقها الذي جاء ممسوخاً بأيد بريطانية، إضافة الى الإرث التاريخي للتيارات الدينية التكفيرية وحرب العراق وما يجري حالياً تحت عنوان «الربيع العربي»… كلها عوامل تستحق التوقف عندها…

السؤال هنا: هل هذه الأحداث التي أصابت العرب كانت محض صدفة؟ أم أنها مخططات مرسومة مسبقاً لتبقى هذه الأمة في حالة من التخبّط والشرذمة.

لا نبرّر هنا العجز والفشل العربي، لكن نوصّف الوقائع وندرك الدور التآمري للملوك والأمراء العرب، فهم تاريخياً خنجر مسموم في جسد أيّ مشروع عربي يعيد الأمل لشعوب الأمة ولا يملكون أية رؤية أو أفق أو أيّ منظومة علمية صحيحة تدرس أخطاء الذات لتعالج الأسباب.

إنّ أكثر ما يؤلم اليوم هو القضاء على الإنجازات الضخمة التي حققها العرب عموماً والسوريون خصوصاً وتدمير هذه المنجزات بسرعة قياسية على يد جهلة أصابهم العمى والجنون قبلوا أن يكونوا أدوات لقتل اخوتهم وتدمير جيشهم ووطنهم باسم الدين ومن أجل الحرية تحت عناوين الضرورات تبيح المحظورات وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب عملا بأفكار زعيم الإخوان المسلمينّ سيد قطب وما جاء في كتابه الإخواني ملامح في الطريق حيث قدّم أفكاراً أصبحت نموذجاً جهادياً إرهابياً شوّه بها مفاهيم الدين الإسلامي، فالمسلمون من باكستان وأوزباكستان وأفغانستان وأندونيسيا والشيشان والأتراك والأفارقة والفيلبينيين وحتى المسلمين الأوروبيين من مخلفات الاستعمار التركي وغيرهم ممن جاؤوا للجهاد في سورية، يحفظون القرآن والأحاديث عن ظهر قلب دون أن يفهموا معناها لأنهم لا يتحدثون العربية، ومن السهل أدلجتهم وجعلهم إرهابيّين، وجلّ معرفتهم أنّ من يقتل كافراً يدخل الجنة ويتزوّج 72 حورية.

هؤلاء اليوم هم من أركان «الثورة السورية» المزعومة من أجل الحرية بنظر الغرب وأتباعه وأدواته الإقليمية، وبذلك تكتمل حلقات التزوير الإعلامي والسياسي والعسكري والأخلاقي، فأنا لم أسمع في التاريخ أنّ هناك ثائراً يغتصب ويذبح ويسرق ويدمّر وطنه، بئس هكذا ثوار مارقين ومجرمين في زمن يتحكّم بمسار الأحداث القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية بدلاً من القوى الأخلاقية والثقافية والإنسانية.

ومسرحية كيماوي خان شيخون فصل من فصول المؤامرة المستمرة وفكرة المؤامرة حقيقة تاريخية والشواهد كثيرة والجميع يذكر مقتل جون كينيدي وياسر عرفات والأميرة ديانا ورفيق الحريري ومذابح الأرمن و و…

وهنا يحضرني قول المفكر الأميركي الكبير ويليام كار مؤلف كتاب الأحجار على رقعة شطرنج الذي انتسب إلى تنظيم سري في فلوريدا ومارس نشاطه السياسي ووصل إلى قيادة هذا التنظيم عام 1950، حيث قال إنّ الحروب والثورات مجرّد مؤامرات ينفذها البشر من دون وعي منهم لمصلحة فئات كاسرة تقبع في الخفاء تريد السيطرة على موارد الشعوب وحياتهم .

ألا ينطبق هذا القول على ما يجري في الأرض السورية…؟ في الحقيقة إنّ ما يجري على الأرض السورية هو ليس مؤامرة وإنما أمّ المؤامرات في التاريخ الحديث.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024