إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل سينتخب رئيس الجمهورية من الشعب ؟

الدكتور امين محمد حطيط

نسخة للطباعة 2007-05-09

إقرأ ايضاً


تضرب الساحة اللبنانية العديمة الاستقرار اصلاً عاصفة جديدة عنوانها «فرضية او طرح او ‏طلب انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية من الشعب مباشرة ولمرة واحدة» لان في الطرح امراً ‏جديداً «ينقلب على الدستور والميثاق» ويتجاوز الاسس التي بني عليها التوازن الداخلي ‏الوطني اللبناني.وانطلاقا من الدستور نفسه وكل ما دعمه من صيغ وتفاهمات واتفاقات ضمنية ‏او علنية حتى باتت اعرافا ملزمة نرى وجوب البحث في الطرح وخلفيته ونتائجه على كل ما ‏ذكر.‏

ان النص الدستوري وفي المادة 73 وما يليها حسم الجهة المختصة بالانتخاب وحدد ان مجلس ‏النواب وحده ينتخب الرئيس من غير العودة الى اي مرجعية اخرى بما في ذلك الشعب نفسه، ‏وكان مرد ذلك كما نتصور عائداً الى امرين، الاول الصيغة الطائفية التي تمارس بها ‏‏«الديمقراطية اللبنانية» القائمة على التوافق وتجاوز المساواة في الحقوق السياسية بين ‏المواطنين، والثاني الاختلال في التوازن الديمغرافي بين المسيحيين والمسلمين لصالح الاخرين، ما ‏جعل اتفاق الطائف والدستور لاحقا يعطي الفئتين تعادلا في مقاعد النواب رغم هذا الاختلال، ‏وذلك رغبة في احداث توازن في التمثيل السياسي لا يحققه الواقع الميداني، ثم ابقي على ‏انتخاب الرئيس من قبل المجلس حتى يكون الرئيس ثمرة التوازن المصطنع سياسيا وليس انعكاسا ‏لحقيقة ديموغرافية قائمة، فالاكثرية الاسلامية شعبيا ستأتي برئيس هي تفرضه، اما التوازن ‏في الهيئة الناخبة في مجلس النواب فانه يمكن من عدم تجاوز احد في مسألة انتخاب الرئيس. ‏ولهذا السبب يكون اقتراح انتخاب رئيس من قبل الشعب ذي الاكثرية المسلمة بمثابة التنازل ‏للمسلمين عن هذا المنصب.‏

ان هذا الامر منطقي ومقبول نظريا، ولكن اسقاطه على الحالة القائمة في المجلس النيابي ‏اللبناني تقود الى صورة معاكسة، وتجعل من الطرح اقل خطرا مما هو قائم فعليا. فمجلس ‏النواب اللبناني اليوم يقوم على اكثرية نيابية من 70 نائباً، منهم 26 نائبا مسيحيا ‏على الاقل جاؤوا باصوات المسلمين ولم تكن للارادة المسيحية شأن في الاختبار، ثم ان 11 نائبا ‏من السبعين مطعون بنيابتهم، ما يعني ان هناك 36 نائبا هم في موقع الشبهة التمثيلية، ‏واذا كان انتخاب لرئيس الجمهورية من قبل مجلس كهذا، واستطاع المجلس ان يصل دستوريا الى ‏دورة الانتخاب الثانية، فان 34 نائبا من اصل 128 يستيطعون ان يختاروا رئيس الجمهورية ‏‏.. فهل هذا يمكن قبوله في بلد الفسيفساء الطائفي؟ واذا تذكرنا ان قرار تلك الاكثرية ‏يمسكه مسلم سني (رئيس تيار المستقبل) ودرزي (التقدمي الاشتراكي) فاننا نطرح السؤال التالي ‏الا يكون انتخاب المجلس هذا لرئيس للجمهورية بمثابة التنازل عن منصب الرئاسة للمسلمين؟ ‏اعتقد ان الجواب لا يحتاج الى جهد كبير، ويمكن ان نقول ان الواقع السياسي القائم ومع ‏التباين القائم في المواقف السياسية بين المسلمين، فان انتخاب الشعب للرئيس مباشرة، يعطي ‏المسيحيين فرصة الاختيار مستثمرين الانقسام السياسي الحالي للمسلمين ويكون الطرح قد جاء ‏ذكيا جدا خاصة اذا التفتنا الى كونه مطروحاً لمرة واحدة، ويكون حلاً يعيد آنيا للمسيحيين ‏دورا فاعلا في انتخاب اهم مركز لديهم في السلطة، ويتجاوز الغبن الذي لحق بهم في قانون ‏الانتخاب حيث فرض اكثر من نصف نوابهم عليهم،. بمعنى اخر اذا انتخب هذا المجلس رئيسا ‏للجمهورية فان الارادة المسيحية لن يكون لها اثر يتجاوز الـ 5 الى 7% في افضل الحالات، اما ‏اذا انتخب من قبل الشعب فانها ستكون فاعلة بنسبة 35% على الاقل اي ان العودة الى الشعب ‏في الظرف القائم تكون رفع مستوى اعمال الارادة المسيحية في الاختيار.‏

وقد يكون رد على هذا التحليل بان للمسيحيين فرصة المحافظة على دورهم في الانتخاب طالما ‏انهم يملكون قدرة تعطيل النصاب ان لم يكن الشخص المرشح لديهم للرئاسة يرضيهم، هنا قد نجد ‏على هذا الامر ردوداً. الاول سعي لدى الاكثرية النيابية الحالية الى تجاوز نصاب الثلثين ‏وعقد جلسة الانتخاب بالاكثرية المطلقة التي يملكونها، والثاني ما يتردد بين الفينة والاخرى ‏عن صفقات قد تعقد من خلف الظهر .. وبالمناسبة نحن نرى مع الكثير من فقهاء الدستور ان ‏تجاوز نصاب الثلثين يعد هرطقة دستورية من جهة، وتكريساً لالغاء دور المسيحيين نهائيا في ‏السلطة من جهة اخرى، اذ يمكن في المستقبل ان يجمع المسلمون الذين يمتلكون نصف مجلس النواب ‏على اختيار نائب مسيحي فيصبحون معه الاكثرية المطلقة من المجلس وعندها يجعلونه رئيسا من ‏غير الحاجة الى اي صوت مسيحي عندها كيف يحفظ المسيحيون دورهم؟ على اي حال تجب مراجعة النص ‏الدستوري الذي فيه «ينتخب الرئيس باكثرية الثلثين من مجلس النواب في دورة الاقتراع الاولى ‏‏...........» لنجد ان الدستور تحدث عن دورة اقتراع وفرض ان تأتي نتائجها باكثرية ‏الثلثين، ما يعني ان الاقتراح الذي لا يحتمل توفر الثلثين من الاصوات فيه لا يمكن اعتباره ‏دورة اقتراع اولى، وهذا يفرض القول بان هناك تعييناً لا بل فرضاص ضمنياً للنصاب في جلسة ‏الانتخاب وهو الثلثان من الاعضاء، ومن غير الثلثين لا يعتد باي انتخاب لينتقل بعده الى ‏دورة ثانية ... اذ ان شرط حصول الدورة الاولى رهن باحتمال نيل المرشح ثلثي الاصوات فان ‏لم يكن الاحتمال قائما كان الانتخاب لغوا، من باب الاستحالة، فالتعاقد على شيء مستحيل ‏يعتبر باطلاً مطلقا، والانتخاب الذي يكون فيه نجاح المرشح مستحيلا مطلقا يكون باطلاً مطلقا ‏‏... واتصور ان دعاة هذا الطرح يتأثرون بقانون الشركات التجارية التي تحدد للجمعيات ‏العمومية نصابا في الدعوة الاولى ونصابا اقل في الدعوة الثانية، واذا كان فكرهم التجاري ‏يشدهم الى الشركات فاننا نلفتهم الى مسألة هامة هنا فقانون التجارة تحدث عن دعوة اولى ‏ودعوة ثانية وثالثة، لكن الدستور تحدث عن انتخاب في دورة اولى ولم يذكر دعوة اولى او ‏ثانية، ما يؤدي الى القول لا تصنيف لاي انتخاب بانه اول، ان لم يكن احتمال نيل المرشح ‏فيه لثلثي الاصوات قائما اي ان لم يكن في القاعة ثلثا النواب..‏

على ضوء ما تقدم نجد ان طرح انتخاب الرئيس من الشعب، طرح عملي يتجاوز العقد السياسية ‏والمخاطر القائمة :‏

‏- يتجاوز شبهة التمثيل المسيحي في مجلس النواب.‏

‏- يتجاوز الصراع غير المبرر على النصاب المطلوب في الاقتراع الاول.‏

‏- يعطل احتمال قيام الحكومتين، في حال استمرار الانقسام السياسي القائم.‏

‏- يفتح كوة في الجدار المسدود امام الحل..‏

ولا ننكر ان الاقتراح صعب التطبيق، لا بل قد يكون مستحيل التطبيق مع اكثرية ترى ان ‏اشراك المعارضة في الحكومة بـ 11 وزيرا من اصل 30 يعتبر انتحارا، فكيف ستقبل بتقديم ‏رئاسة الجمهورية للمعارضة التي تمتلك الاكثرية الشعبية فيما لو انتخب الرئيس من الشعب..‏

ان انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب حل - مخرج، ولكن هل يعتقد احد بان من عطل المؤسسات ‏الدستورية، وعطل البلاد، وتجاوز الدستور، سيبحث عن حل يبدأ بتعديل الدستور؟

ان الذي اعتاد التعطيل وتأزيم الاوضاع لا يمكن ان ينتظر منه تسهيلا او اعمارا او تفعيلا ‏للسلطة او المؤسسات.. ولكن يبقى طرح محاولة سياسية واقعية في مسار البحث عن حل وطني.‏


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024