إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الخطاب السياسي بين الواقعية و«المكيافيلية» المتقلّبة

نبيل المقدم - الاخبار

نسخة للطباعة 2007-08-22

إقرأ ايضاً


ثمة خطاب سياسي متميز شكلاً ومضموناً دخل إلى بهو الحياة السياسية اللبنانية، وأفرد لنفسه مساحة واسعة على خريطة الأحداث المتأتّية بشكل سريع ودراماتيكي منذ سنتين ونيّف. وأصبح هذا الخطاب بالنسبة إلى فريق سياسي لبناني رأسمال ديمومته على مسرح العمليات السياسية، وذلك وفق ما تفرضه مصالحه على الصعيدين الداخلي والخارجي.

لا تكمن إشكالية هذا الخطاب فقط في كون أصحابه يبالغون بحدود لا آفاق لها في احتكار شعارات الحرية والسيادة والاستقلال، أو أنّه، وفق المنهاج الذي يعتمده، يوسّع رقعة النزاع الداخلي على الساحة المحلية، أو يتخطى مستواه كل الضوابط التي كانت تحكم البناء السياسي اللبناني حتى في أحلك الظروف التي كانت تصل فيها التناقضات الى حدود قلب الأوضاع الداخلية برمتها رأساً على عقب.

إن الإشكالية الأساسية لهذا الخطاب الشبه انفصالي أنه يشكل عوامل مهيّئة لمشروع سياسي داخلي حملته قوى لبنانية قبل اتفاق الطائف، والتقت فيه مع مشروع سياسي آخر حملته قوى خاجية راحت تضغط بعد اغتيال الرئيس الحريري لإعادة دفعه من جديد الى واجهة الأحداث وفق استراتيجيا تجعل من هذا الخطاب مطلباً أساسياً لهذه القوى لكي تستكمل عبره المعطيات التي توفر لها نفوذاً سياسياً وهيمنة أمنية ومن ثم اقتصادية.

يقدم هذا الخطاب نفسه على أنه نقطة تحوّل تاريخية بين مرحلتين: مرحلة الاحتلال والعبودية، والمقصود بها مرحلة الوجود السوري في لبنان، ومرحلة السيادة والتحرر والاستقلال بعد خروج القوات السورية. وخطورة هذا الخطاب أنه يحاول إحداث خلل كبير في المفاهيم الفكرية والبنيوية التي تربط لبنان بمحيطه القومي والعربي، وذلك من خلال توظيف بعض الإفرازات السلبية التي صاحبت الوجود السوري في لبنان في فترة الثلاثين عاماً. ويتجاوز كل التعريفات التي تحدد مفهوم الاحتلال وفق القوانين والمعاهدات الدولية التي لا تنطبق على الوجود السوري في لبنان، إذ إن الوجود السوري في لبنان ارتبط بمقررات قمتي الرياض والقاهرة وبطلب شرعي من الحكومات اللبنانية المتعاقبة، عدا ارتباطه بعوامل سياسية لبنانية محلية وبمصالح دولية أطلقت يده في لبنان وأعطته حيزاً ثابتاً في الحياة السياسية اللبنانية طوال فترة وجوده. وإننا أيضاً لا نستطيع إغفال دور هذا الوجود، في مرحلة ما، في وقف الانهيار الأمني على الساحة اللبنانية وإسهامه في إحداث انفراجات واسعة في بنية النظام السياسي اللبناني على مختلف

الأصعدة.

وخطورة هذا الخطاب العدائي ضد سوريا تكمن أيضاً بالدرجة الأولى في ارتداداته السلبية على الواقع اللبناني، إذ إنه يعيد بلورة فكرة الانعزال اللبناني من جديد ويغذي مشاريع إعادة لبنان الى محور التبعية الكاملة للغرب على قاعدة إعادة هيكلة النظام السياسي في لبنان من جديد وتحويله الى خلفية حارسة للمشاريع الغربية.

وهذا يتطلب وجود فئات لبنانية متأقلمة مع هذه المشاريع، فهذا النمط من الخطاب السياسي يتحول تدريجاً مع الوقت الى نوع من الثقافة الدائمة التي تستطيع أن تغير من طبيعة المعتقدات السياسية القومية وتصبح جزءاً أساسياً من وجدان أبناء المتحد الاجتماعي وممارساتهم العفوية. وهذا النمط من المنهجية والتفكير يقودنا الى التعمق في قراءة الخطاب السياسي الذي اعتمده هذا الفريق حول المقاومة وسلاحها وتاريخها.

تعرضت المقاومة من قبل هذا الفريق لخطاب سياسي متقلب هدف الى تحويل موضوعها الى مادة للاستهلاك السياسي من خلال محاولة إبرازها وتصويرها كمشروع خارج الأساس الطبيعي لقوانين الدولة اللبنانية والمجتمع في لبنان، وتحميلها وزر المشكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف به، ولا سيما بعد حرب تموز الماضية، وذلك بهدف ابتزازها وانتزاع أكبر قدر من التنازلات السياسية منها. إن هذا الخطاب لا يمكن تصنيفه فقط على أنه موقف بين اتجاهات سياسية متعارضة، بل يشكل أيضاً موقفاً فكرياً ونفسياً مكيافيلّياً يقوم على قاعدة القفز من حالة الى أخرى والتمركز في ظلها والاستقواء بها ما دامت هذه الحالة قادرة على استنباط ما يوفر لهذا الفريق بقاءه واستمراريته.

إن موقف هذا الخطاب من الحالة التي تمثّلها المقاومة يعكس فشلاً لكل طروحات أصحاب هذا الخطاب حول شعارات الوحدة الوطنية والعيش المشترك وما شابه، فما زال هذا الخطاب يتعامل مع المقاومة والحالة التي تمثلها على قاعدة ان لكل طائفة مصلحة على حدة، بحيث تشعر بأنها جماعة منفصلة في مصالحها عن الطوائف الأخرى. لقد أضعف هذا الخطاب كلّ مقوّمات التضامن الوطني، وبات الشعور السائد بأنه كان مطلوباً توظيفه في ردود فعل مماثلة تكرس حالة من الصدام الدائم بين فئات المجتمع اللبناني، بحيث يتجه فريق من اللبنانيين الى حالة من الشعور الدائم بأن المقاومة هي خارج ذاته النفسية والاجتماعية، وأنها قائمة بفعل قوة الأمر الواقع لا بمقتضى القناعات الراسخة بالانتماء الى آلية فكرية وخط عقلاني يعتبران ان المقاومة هي فكرة جوهرية ذات مضمون اجتماعي يتخطى كل ترسبات التخلف التاريخي الذي مثلته الأنظمة العربية منذ قيام دولة إسرائيل حتى اليوم.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024