إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل يكون مشروع "انطون سعادة" هو الحل لمشروع التفتيت الأمريكي للشرق الأوسط

د. سليم الحص

نسخة للطباعة 2010-02-04

إقرأ ايضاً


كان أنطون سعادة في حياته الخصبة الخلاقة يدعو إلى الوحدة الإقليمية، ولو كان بيننا اليوم لأيقن أن مشروعه يواجه بمشروع تجزئة للمنطقة تحت هيمنة الدولة العظمى، الولايات المتحدة الأميركية، ومعها إسرائيل.

نحن بكل بساطة لا نميز ولا حتى في التفاصيل بين ما يسمى استراتيجية أميركية واستراتيجية إسرائيلية في الشرق الأوسط. مشروع الدولة العظمى هو الشرق الأوسط الكبير أو الجديد والطريق إليه هو ما يسميه المسؤولون الأميركيون الفوضى "الخلاقة". بالله عليكم متى كانت الفوضى إلا هدامة، اللهم إلا من وجهة نظر من يعمل على تفتيت المنطقة. ومشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد ما هو، كما بات واضحا لكل ذي عين ترى، إلا مشروع تفتيت لشعوب المنطقة طائفيا ومذهبيا وإثنيا، والشاهد الأكبر على ذلك ما كان في بلد شقيق.

فالعراق كان قلعة العروبة والعراقي كان يعتز بعروبته. وما كان هناك أدنى تمايز طائفي أو مذهبي أو عرقي، فالعشائر جميعا تتميز بالاختلاط المذهبي، والتزاوج عبر خطوط الفصل المذهبي كان يتم على أوسع نطاق. أما اليوم، ومنذ لحظة اقتحام الدولة العظمى للعراق، فالفرز الطائفي والمذهبي والعرقي على أشده.

ومشروع تفتيت العراق ليس قاصرا على العراق، وإنما هو معد، بدليل كل ما يدور على ساحته يوميا، للتصدير إلى سائر أرجاء المنطقة. وعندما ظهر فشل محاولات التصدير من العراق توجه الاهتمام الدولي المشؤوم إلى بلدنا لبنان، وللمرة الأولى بدأنا نسمع بالتمايز المذهبي، وكان هناك من يشحن النفوس في لبنان خدمة لمشروع الفوضى البناءة أو الخلاقة. ونجح هذا المسعى على وجه ما ولكن ليس إلى حد تفجير صراعات فئوية دموية. بقيت الحرب الأهلية مضمرة لا بل مكبوتة في النفوس والقلوب في انتظار من يخرجها من مكامنها إلى ساحة النزاع المكشوف على امتداد الوطن والعياذ بالله. وهذا لن يكون ما دام الشعب يعي ما يبيت له.

وكانت حرب الفصائل في فلسطين. من منا كان يتصور انصراف الفلسطينيين إلى قصف بعضهم البعض، فيما يشبه حرب إبادة؟ وهذا في الوقت الذي كان فيه العدو الصهيوني يقصف الجميع في الجانب الفلسطيني. وهذا المشهد المقيت، نستنكره ونستهجنه بل نستفظعه وندينه أيا تكن الدواعي والمبررات، فليس من سبب مقبول أو مبرر أو مقنع لما وقع. حرب الفلسطيني على الفلسطيني بدت وكأنها حرب الضحايا على الضحايا. لا بل كانت حربا على قضية فلسطين في الصميم. فكيف تكون قضية من دون شعب؟ فإذا أضحى الشعب شعوبا. فماذا يحل بوحدة القضية وهويتها؟ يا للخزي ويا للعار.

أين هو أنطون سعادة يمثل بيننا اليوم ليبشر بوحدة الواقع والمصير؟ أين أنطون سعادة ليرد على مشاريع الشرذمة والتفتيت بمشروع توحيد خلاق؟ أين أنطون سعادة ليصرخ بيننا أن الفوضى لن تكون خلاقة بل، كما هي دوما، هدامة ماحقة. فالوحدة، والوحدة دون سواها، هي الخلاقة. إنها خلاقة في بعث الأمل بين الجماهير في غد واعد، فتكون الأمة يدا واحدة في التصدي لتحديات التفتيت والشرذمة التي تعصف رياحها علينا من الخارج، وفي تعبئة طاقات الشعوب في شق طريق الإصلاح والتطور والتقدم والنمو التي يجب أن تشكل مداميك صرح شامخ على الساحة الدولية تجد فيه شعوب هذه المنطقة المنعة والحصانة في مواجهة مد العولمة الجامح وتجد فيه ملاذها في الذود عن مكانتها وكرامتها ودورها على المسرح الدولي.

تألق نجم أنطون سعادة في الأربعينات من القرن الماضي، والمنطقة اليوم أشد ما تكون حاجة إلى مثله فيواجه بمشروعه التوحيدي مشاريع التفتيت والشرذمة التي يحيكها الغرب للمنطقة العربية. كان مشروع أنطون سعادة تحديا مباشرا لمخطط سايكس بيكو. ومشروعه يجب أن يكون اليوم هو الرد على المشروع التفتيتي الأميركي الإسرائيلي المسمى شرق أوسط كبيرا أو جديدا، ويكون مشروعه هو المعطل لنهج جهنمي يرافق مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد وهو نهج الفوضى البناءة أو الخلاقة. لقد فشلت الإدارة الأميركية في كل مشاريعها في الشرق الأوسط، ولكنها للأسف الشديد نجحت في تحقيق الفوضى التي سمتها خلاقة في أكثر من قطر عربي: في العراق، في فلسطين، في لبنان، في السودان، والحبل على الجرار، فالفوضى إن عمت فلن تجد لها حدودا تقف عندها، فسوف تجتاح، والعياذ بالله، سوريا والأردن ومصر والمملكة العربية السعودية وسائر أقطار الخليج العربي.

في ذكرى أنطون سعادة ننحني إكبارا ونزهو إعجابا، متمنين على محازبيه الكثر ومعتنقي أفكاره ومبادئه أن يشنوا حملة منظمة هادفة تدعو إلى الاعتصام بحبل الوحدة الوطنية في لبنان، كما تبشر بضرورة أن تنضوي أقطار المنطقة العربية تحت لواء اتحاد جامع على غرار الاتحاد الأوروبي ولو على مراحل أسوة بما كان في أوروبا، ونحن بلا أدنى ريب أولى بالاتحاد من الأوروبيين بالنظر إلى ما يجمعنا من لغة واحدة، وثقافة مشتركة، ومصالح متبادلة، وإحساس بالمصير الواحد. مشروع الاتحاد هو الرد الطبيعي على مشاريع الشرذمة والتفتيت التي نتعرض لها خدمة لمآرب صهيونية معروفة ومألوفة.

وللاتحاد، كما نردد دوما، شرطان: تطوير الحياة الديمقراطية والتنمية الإقتصادية الإجتماعية. فالديمقراطية هي التي تجعل الإتحاد قرارا نابعا من إرادة شعبية حرة، والتنمية هي التي تؤمن قدرا من التجانس بين المجتمعات يؤهلها للانضواء تحت لواء الإتحاد المنشود.

أخيرا، إننا إذ نحيي ههنا ذكرى الرجل العظيم إنما نستذكر ما كان له من فضل بما جاد في حياته من فكر مبدع خلاق في خدمة أمته جعله من الخالدين في التاريخ ومصدر إلهام لأجيال من شعبنا الواعد.

إنني أتساءل متحسرا: لقد قضى هذا الرجل في ريعان العمر وقد جاد بما جاد به من إبداع وعطاء، فماذا عساه أن يكون نتاج فكره الخلاق وحيويته الفائقة لو قيضت له حياة مديدة؟

ختاما أقول: إن المشروع هو من إبداع مؤسسه العبقري. وأي مشروع يبقى خاضعا للتطوير. وفي اعتقادنا ان اي تطوير له مستقبلا لا بد ان يكون ديمقراطيا، أي معبرا عن إرادة جمهوره الحرة، تبعا لمتطلبات العصر.

** كلمة في ذكرى استشهاد انطون سعادة ، قصر الاونيسكو 15/ 7/ 2007 **

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024