إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

"عدم الانحياز"... مشهد دوليّ جديد بمباركة روسية

معن حمية

نسخة للطباعة 2012-09-03

إقرأ ايضاً


على الرغم من بعض النتوءات التي تخللت اجتماع القمة لدول حركة عدم الانحياز التي انعقدت في طهران، وتحديداً ما ورد في كلمة الرئيس المصري محمد مرسي حول الوضع في سورية، إلا أن القمة نجحت في رسم خريطة طريق لدور مستقبلي، فاعل وحيوي، يعيد الاعتبار لـ«عدم الانحياز» كلاعب أساسي ومؤثر في قضايا المنطقة والعالم. ومن المؤشرات الدالة بروز إرادة دول أعضاء بتفعيل دور الحركة وإعطائها زخماً جديداً، وهذا ما ظهر من خلال طرح قضايا أساسية وجوهرية تسهم في خلق بيئة عالمية عنوانها الأمن والسلام والاستقرار.

تجديد حياة حركة عدم الانحياز، لم يقتصر على إرادة أعضائها الفاعلين، وخصوصاً إيران، بل كان لافتاً موقف روسيا الاتحادية، الذي عبّرت عنه برقية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة، والتي شدّدت على «أهمية دور حركة عدم الانحياز في معالجة القضايا والمشكلات العالقة»، وأكدت على «أنّ الزمن أثبت عدالة وصحة أهداف حركة عدم الانحياز التي صيغت منذ عقود، وهو تخفيف التوتر الدولي عبر نزع أيديولوجيا السياسة العالمية وإحلال المثل الإنسانية السامية»، وعبّرت عن اقتناع الرئيس الروسي «بأنّ ذلك هو الأرضية المتينة لبناء النظام المعاصر للعلاقات بين الدول والذي من شأنه أن يحترم حق كلّ شعب بالأصالة الحضارية والتاريخية».

الموقف الروسي الذي استحضر التوجّهات والأهداف التي تأسّست عليها حركة عدم الانحياز، منذ مؤتمرها الأول في العام 1955، ودعوة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي خامنئي إلى نظام عالمي جديد، والبيان الختامي للقمة، كلها تشير إلى أن حركة عدم الانحياز، ومن خلال ترؤس إيران لها، ستضطلع بدور بناء سيظهر قريباً وسيكون لها الكلمة الفصل في الكثير من القضايا، لاسيما حيال طرح حلول جدية وعملية للأزمة في سورية، بما يسحب الذرائع من يد القوى الغربية وأدواتها الإقليمية والعربية التي تستخدم المحافل والمؤسّسات الدولية لممارسة الضغوط على سورية.

ما هو مؤكد أن الدول التي تدعم المجموعات الإرهابية في سورية لن توقف عنها الدعم، وستذهب باتجاه التصعيد في محاولة لوأد أي دور لحركة عدم الانحياز حيال سورية، ومن المتوقع أن يتمّ الدفع بالسلطة المصرية الحالية إلى لعب دور حصان طروادة الغرب ضدّ سورية، وبدا هذا الاتجاه واضحاً من خلال تحميل الرئيس المصري محمد مرسي مبادرة وهمية حول سورية، كخطوة التفافية على مبادرة كانت تحدّثت عنها طهران، وهذا ما ظهر عندما أعلن مرسي موقفاً «إخوانياً» مؤيّداً للمجموعات الإرهابية في سورية.

وإذا كانت الدول الغربية لا تزال تراهن على سلطة «الإخوان المسلمين» في مصر، وآخرين، للعب دور معطل يعوق انطلاقة «عدم الانحياز» المتجدّدة، فإن هذا الرهان مصيره الفشل. ففي «عدم الانحياز» دول تتمتع بحيثيات كبيرة، ناهيك عن أن روسيا ومن خلال مباركتها العودة المتجدّدة لـ«عدم الانحياز»، أرادت توجيه رسالة، مفادها أن موقف روسيا في مجلس الأمن الدولي في وجه أي قرار ضدّ سورية، إنما جاء في سياق تكريس عودة الحرب الباردة، وأنه في ظلّ عودة الحرب الباردة لا بدّ من عودة حركة عدم الانحياز.

لذلك، فإن ضمّ مصر إلى محور أعداء سورية، لن يشكل إضافة إلى ما تقوم به كلّ من تركيا والسعودية وقطر، علماً أن الغرب راهن على تركيا بحكم الواقع الجغرافي، وعلى السعودية وقطر بحكم القدرة المالية والإعلامية، في حين أن مصر لا تمتلك حيثية جغرافية ولا مالية ولا إعلامية ولا حتى سياسية. لا بل إن سلطة «الإخوان» في مصر مقبلة على تحدّ داخليّ عندما تبدأ تنفيذ وصفات صندوق النقد الدولي، ومحكومة بالتزامات ضبط الوضع في منطقة سيناء تنفيذاً لمعاهدة «كامب - دايفيد»، وبتدمير شبكة الأنفاق لقطع شرايين الحياة بين مصر وغزة، وهذا سيضعها أمام تحدّي المسّ بدور شقيقتها في غزة، بما يؤدي إلى أحد أمرين، إما أن تنفضّ عنها «حماس» وتعاديها وإما أن ينفضّ الفلسطينيّون عن «حماس».

ما تقدّم يشير إلى أن ليس في وسع القوى الغربية فعل أكثر مما فعلت، فكلّ الأوراق والأدوات التي بيدها احترقت، ولذلك فإن حظوظ الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في إعاقة دور «عدم الانحياز» كما حظوظها مع الموقف الروسي - الصيني في مجلس الأمن الدولي، وعليه فإن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً في مسار الحلول السياسية للأزمة في سورية، سواء حصل ذلك على أساس بنود خطة كوفي عنان وطبقاً لتفاهمات جنيف التي يحملها المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، أم على أساس مبادرة تتبناها وتسير بها «عدم الانحياز»، وهذا سيحصل بموازاة مواصلة مسار الحسم العسكري ضدّ المجموعات الإرهابية.

ما هو مؤكد أن المحور الغربي الإقليمي العربي الذي يناصب سورية العداء، يشهد حالة من الإعياء والارتباك، تظهر من خلال الأداء المهزوز والمواقف العبثية غير المتزنة، في حين أن القوى الأخرى الرافضة لسياسات الغرب حققت ثباتاً في أدائها ومواقفها، وهذا يؤكد صحة كلام الرئيس الدكتور بشار الأسد إلى تلفزيون «الدنيا» مؤخراً، حول أن الحسم مسألة وقت، وأنّ المناطق العازلة والممرات الآمنة هي مجرّد أمنيات للذين يطالبون بها.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024