إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

تركيا تفشل في اللعب على الحبال الدولية...!

د. هدى رزق - البناء

نسخة للطباعة 2019-03-04

يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ الانتخابات المحلية هي بمثابة استمرار لاستطلاعات يونيو/ حزيران 2018 من أجل ترسيخ حكمه على المستوى المحلي، يستند جوهر حملته إلى حاجة تركيا إلى محاربة الأعداء في الخارج والداخل حتى يتمكّن من البقاء. وهو لا يتوانى عن اتهام أصدقائه بالخيانة عندما يتنامى إليه خبر محاولة رئيس وزرائه السابق أحمد داوود أوغلو ورئيس الجمهورية السابق وصديقه عبدالله غول ووزير الاقتصاد الناجح علي باباجان إعلان تشكيل حزب بعد الانتخابات المحلية، حتى أنه يشكك بجدّيتهم ويختبر جرأتهم.

يعمل الرئيس التركي في كلّ الاتجاهات من أجل الوصول إلى أهدافه في سورية، يتصل بالروس إنْ شعر بعدم نجاح مفاوضاته مع الأميركيين يرفض اقتراح الولايات المتحدة إعطاء تركيا مكاناً رمزياً في قوة التحالف المقترحة للإشراف على منطقة آمنة في شمال شرق سورية. يتولى زمام المبادرة، معربا عن معارضته لعرض أميركى لتسليم السيطرة على المنطقة الآمنة إلى قوة مشتركة مع ألمانيا وفرنسا. ويصرّ على أنّ المنطقة الآمنة المقترحة يجب ان تخضع لسيطرة تركيا فقط. ويوضح أنه لا يمكنه الوثوق بأيّ شخص في منطقة تشكل تهديداً لأمن تركيا. يلجأ وزير خارجيته جاويش أوغلو الى الاتصال بلافروف بعد ان كانت تركيا تضع شرق الفرات كأولوية تهدّئ وتؤجّل عملية إدلب تحت شعار خطرها على أمن تركيا.

التوصل الى اتفاق نهائي مع روسيا بشأن شرق الفرات، لم يصل الى نتيجة بعد، تسعى تركيا الى كسب مزيد من الوقت ولا تزال تصطدم بالجدار الأميركي مع أنها توافقت مع كلّ من موسكو وإيران، من أجل أخذ زمام المبادرة في تحديد مستقبل سورية. والالتزام المتبادل لمكافحة العناصر الإرهابية في سورية من أجل استقرار الوضع في البلاد في أقرب وقت ممكن والمضيّ قدُماً في التسوية السياسية. بالرغم من ذلك لا تزال تركيا تواصل الحوار والتعاون مع الولايات المتحدة وتعرب بشكل متزايد عن استيائها من تردّد إدارة دونالد ترامب في السماح لها بالاحتفاظ بوجود عسكري قوي في شمال شرق سورية، حيث يسيطر الأكراد. الخلافات العميقة والرسائل المتضاربة من واشنطن، واستمرار سياستها في دعم وحدات حماية الشعب في سورية يزعج أنقرة التي تنتظر اللحظة التي ستلتفت فيها واشنطن الى مصلحة تركيا حليفتها في الناتو.

تقول تركيا انّ الهدف الرئيسي هو منع وحدات حماية الشعب من كسب قاعدة جديدة في شمال سورية تحت حماية الولايات المتحدة لذلك تريد تنفيذ عملية عسكرية شرقي الفرات بعد انسحاب واشنطن. قيادتها العسكرية ترى انّ «السنتكوم» ايّ القيادة المركزية الأميركية تماطل في الانسحاب وإبقاء 200 عسكري أميركي هو لحماية الوحدات الكردية وهذا ضدّ مصلحتها وتهدّد بأنه من الصعب جداً العمل في شمال سورية ضدّ إرادة تركيا.

في الحقيقة تريد أنقرة وضع اليد على الشمال السوري ودخول المفاوضات على الدستور السوري من الباب القوي لفرض إرادتها وأخذ مكتسبات للمعارضة وإبعاد العنصر الكردي من طاولة المفاوضات، مع العلم انّ المبعوث الأممي الى سورية غير بدرسون أكد أن لا مكان لـ «قسد» على طاولة المفاوضات. ترى أنقرة أنّ فشل المفاوضات مع أميركا سيتركها في موقع ضعف بوجه روسيا مما قد يحجّم دورها في الداخل وفي القرار على سورية.

الخلافات مع واشنطن تطال أكثر من صعيد تركيا تقول إنها كانت في الأصل ترغب في شراء أنظمة الباتريوت من حلفائها لكنهم لم يأتوا إليها بشروط مقبولة. هي تريد مشاركتهم التكنولوجيا الحساسة لكنهم امتنعوا عن اعطائها هذه التكنولوجيا لذلك قرّرت شراء «أس 400» من روسيا مع انها تدّعي أنه نظام لا يلبّي تماماً احتياجاتها الدفاعية، ولهذا السبب عادت الى السعي لإتمام صفقة شراء الباتريوت.

تصرّ تركيا على أنها جزء لا يتجزأ من حلف الناتو لذلك لا يمكنها الاعتماد في كلّ نظامها الدفاعي المضاد للصواريخ الباليستية على روسيا. لكن خيار شراء «أس 400» ساعدها بعد سلسلة خلافات مع واشنطن ان تجلب هذه الأخيرة الى طاولة المفاوضات. يحاول الأميركيون إقناع تركيا بإلغاء شراء أس 400 بحجة أنّ هذا سيؤدّي إلى تسرّب معلومات حساسة إلى روسيا. لكن الأتراك ينفون إمكانية حدوث هذا الأمر وهم لا يريدون إثارة غضب الروس، كذلك هم يحاولون إثبات أنهم شريك موثوق به. الأمور ليست تقنية بالنسبة للأميركان هي مسألة ثقة. السياسة في الشرق الأوسط أضحت متقلّبة، ماذا لو انقلب أردوغان ضدّهم؟ لقد اتسعت فجوة انعدام الثقة بين الحليفين منذ عهد أوباما وأنقرة لا تزال تعطي إشارات متضاربة.

يصرّح الرئيس رجب طيب أردوغان أنّ موقع تركيا هو بين الشرق والغرب وسياستها كذلك. لكن القيادة العسكرية التركية تزيد من التزاماتها داخل حلف الناتو. وتساهم في عملياته وتدفع مستحقاتها وتواصل دعمها لقوة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو، وكذلك عملياتها في العراق وأفغانستان. وهي واحدة من الدول الرئيسية في مشروع الدرع الصاروخي لحلف الناتو حيث تستضيف راداراً في إقليم مالاطيا الشرقي.. ومع هذا لا تتردّد في شراء الأنظمة الروسية، يمكن لتركيا في ظلّ التحوّلات التي يشهدها العالم أن تراعي مصالحها وفقاً لحاجاتها، تحاول اللعب على حبال السياسة الدولية للحصول على مرادها فهل ستنجح…؟


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024