إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أوراق بغـدادية من العصر العبّاسي للدكتور خيرالله سعيد

نسخة للطباعة  | +  حجم الخط  - 2011-02-26

عـن دارالإنتشــار العـربي في بيروت ، صـدرت الطبعة الأولى من كتاب الباحث العـراقي د. خيرالله سعيد ( أوراق بغـدادية من العصر العـباسي) في 240 صفحة، وقد تناول الباحث موضوعات متقاربة من حيث الشكل والمضمون ، حيث كانت هذه الموضوعات تتناول في البحث والتدقيق مسـألة الغناء والشعر والموسيقا، وفلسفة الموسيقى والحوارات المعرفية فيها، من خلال وعي الناس – في العصر العباسي- لمثل هذه الموضوعات بوصفها ( ثقافة عراقية) شغلت الكل، من أعلى هرم السلطة حتى قاعها الإجتماعي ، وهو مايبرز جليــّا في موضوعات الكتاب ، التي تناولها المؤلف بشئ من المنهجية الرصينة التي عرف بها هذا الباحث في مجمل كتاباته التراثية التي خصّ بها ثقافـة العصر العباسي ، فقد ذكر أموراً هـامة في مقدمة البحث ، ومنهجية البحث وهـدف البحث ، حيث أشار الى ذللك بالقـول :

المقدمة: كانـت فكرة إعداد كتاب يجمع بين دفتيه ما تناثر من أحداث متفرقة في الوسط الثقافي والفني في العصر العباسي، قد نشأت لدي حين أنجزت كتابي الاول "مغنيات بغداد في عصر الرشيد واولاده". حيث طرحـت الفكـرة على شيخنـا الراحل ـ الاستاذ هادي العلوي ـ تغمده الله بوافر الرحمة، فطرب بما سمع وقال: نفذها، فهناك الكثير من الاوراق المتناثرة والتي لم يجمعها كتاب، كان ذلك في مطلع عام 1991م، وظلت هذه الفكرة تختمر في الذهن عاماً بعد آخر، فظروف منفانا حطمت الكثير من الاحلام، ومحت من الذاكرة أكثر من مشروع حيوي، كان يمكن ان يكون ذا دلالات ثقافية وحضارية، تبرز تراث هذه الامة في اكثر من وجه، ولكن ما كان كان.

وعندما كتبت دراسة نقدية بعنوان "الحنين في قصيدة ابن زريق البغدادي".*1 راح موضوع الفكرة يلح على أكثر، باعتبار ان ظروف ابن زريق البغدادي /ق4هـ/ورحيله عن بغداد والتوجه للأندلس والموت هناك، حرّكت في نفسي، وانا أتـنـقـّل في منفاي من بلد لآخر، شعور التعاطف والتضامن معه، مع اختلاف الغاية والهدف بيننا، ثم انضاف الينا بهذا (المنفى) زرياب المغني المشهور، والذي تكالب عليه وسطه الفني، واجبره على مغادرة بغداد والتوجه الى الاندلس ايضاً، فشدني هو الآخر لأن أكشف عنه أسباب رحيله، وهو المبدع المرهف الحس، والفنان صاحب الموهبة النادرة في العزف والغناء وصناعة الموسيقى، فشرعت اكتب عنه دراسة، حملت عنوان "زرياب من بغداد الى الاندلس".*2 فصارت فكرة الكتاب أكثر نضوجاً، مما جعلني ان افكر بعنوان جامع لهذه الموضوعات المتفرقة، ولكنها تجتمع بخيط التاريخ /العصر العباسي/ وتنتظم في مسبحة الابداع الفني /الشعر والغناء/ فالتمعت في الذهن تسمية "اوراق بغدادية من العصر العباسي" ورحت ابحث اكثر عن موضوعات تنسجم وهذه التسمية، وتنخرط بنفس الوقت ـ مع طبيعة الموضوعات التي ابحث فيها، ضمن مجال اختصاصي في العصر العباسي، وحينما انجزت العمل في موسوعتي "الوراقة والوراقون في الحضـارة العربية ـ الاسلامية" *3 أصبح التحرك لالتقاط "هذه الاوراق" أكثر سهولة لدي، لكن ظروف المنفى حالت دون الشروع في الكتابة، فظل الاثر قائماً في الذهن، فارتحلت من دمشق نهاية عام 1993 قاصداً موسكوـ ذات الحلم النرجسي في خيالي وما ان حططت رحلي فيها، حتى تبخر ذلك الحلم سريعاً، فلم احصد سوى الاشواك فيها، مع اني اكملت فيها دراستي الجامعية والعليا، وحصلت على "الدكتوراة" في مطلع عام 2000م وموضوع ـ الاوراق البغدادية ـ اوشك ان ينمحي من ذاكرتي واهتماماتي، كبقية المشاريع المؤجلة او التي انسحقت مع انسحاق الروح في المنافي، ولكن ثمة حدث افاق الفكرة من سباتها، وبشكل لم اعهده في نفسي من قبل، لهذا الحدث، هو/موضوعة محاكمة الفنان مارسيل خليفة/ لادائه قصيدة محمود درويش /انا يوسف يا ابي/. فدفعني ذلك لان اكتب عن "مجالس السماع والغناء في بغداد ـ في العصر العباسي" لاثبت حقيقة واحدة هي ان الغناء واحد من اهم مقومات الحضارة العربية ـ الاسلامية، وان اختلفت فيه اراء الفقهاء، بين مؤيد ومعارض، فعدت الى تلك "الاوراق" وانجزت الموضوع بشغف، وتوسعت دائرته، وضاق المكان /منهجياً/ عن استكمال بقية موضوعات الغناء، فأردفت اليه بحثاً آخر، تفرع منه، وزاد عليه في الكم، أسميته "حوار فلسفي في الموسيقى" ينضم بموضوعاته الى "تلك الاوراق البغدادية" ويشكل استكمالاً منهجياً وتاريخياً لتلك الظواهر الابداعية التي جاءت ضمن ما يسمي بـ (البحوث الانتربولوجية الاجتماعية) في العصر العباسي، ثم استثيرت بالذهن موضوعات اخرى، ضمن هذه (الاوراق) لكنها لا تدخل بوحدة الموضوعات، فاجلنا الخوض فيها لجزء ثان من هذه الاوراق، واكتفينا بهذا الجزء الاول من (الاوراق) على موضوعات الشعر والغناء والموسيقى، كموضوعات متجانسة ومترابطة وذات صفة ابداعية.

*منهجية البحـث: تنطلق هـذه الدراسة مـن التـاريخ الحضـاري للثقافـة العربية ـ الاسلامية في العصر العباسي، بمعنى ان اصول الظاهرة المبحوثة /الابداع الفني ـ شعراً و غناءً، وموسيقىً/ يشكل التاريخ رافعته الاولى، من حيث التكوين والتحليل، فيما يكون الاستطراد الوصفي لهذه الظواهر، هو احد المؤشرات الجدلية، التي تدعم وجهة نظر البحث من الزاوية "الانثربولوجية" والساسيولوجية ايضاً، ناهيـك عمـا يكشـفه البحـث من استعراض لأوجـه الثقافة العربية ـ الاسلامية في العصر الوسيط، بمختلف تياراته الفكرية والسياسية، وهو الامر الذي يكشف بأن ـ حالة الصراع الاجتماعي ـ آنذاك ـ كانت من ابرز عوامل التقدم والصعود في الافق الحضاري، نظراً لوجود الاختلاف والتمايز في الوحدة الاجتماعية في العصر العباسي، حيث ان التيارات الاسلامية كانت تتبارى في ساحة الفكر والفن، لإثبات الجدارة والتفرد في الخصوصية، كالمعتزلة والأشاعرة والصوفية والسنة والشيعة والاسماعيلية والقرمطية، وغيرها من بقية المذاهب والفرق.

*موضوعات البحث: بما ان العنوان الرئيسي حمل اسم "اوراق بغدادية من العصر العباسي" حددت برقعة جغرافية اسمها "بغداد" وزمن من العصر الوسيط، يمتد لأكثر من خمسة قرون، ووفق الاشارة في "المقدمة" فان موضوعات هذا الجزء من الدراسة، ستكون منحصرة في الشعر والغناء والموسيقى، فقد تناول /الفصل الاول من الدراسة ـ موضوعة الحنين في واحدة من اجمل قصائد العصر العباسي، هي قصيدة "ابن زريق البغدادي" والتي كانت احدى علائم الظرف البغدادي في /ق4م/، حيث ان هذه القصيدة تناولت التعبير الصادق للإنسان وحنينه لأهله ووطنه، وكشفت ـ بنفس الوقت ـ عن مقدار تعبيرات اللغة بمفرداتها عن لواعج النفس الداخلية للإنسان، وتصادماتها مع الواقع، وانكسارها العاطفي والروحي عند المنافي، ومن ثم ابراز الجانب الانساني بقسوته وعاطفته، اثناء وبعد، حادث تلك القصيدة، التي كانت آخر صوت لمبدعها في الحياة، ثم اصبحت بعد وفاته حديث المجالس الادبية في تلك الفترة.

* اما الفصل الثاني، فقد حمل عنوان "رحلة زرياب الى الاندلس، وهذا الفصل يكشف عن مكامن الروح المبدعة في الغناء عند زرياب، من حيث الصوت والاداء والعزف، إضافة الى تكامل وعيه الفني في مجال الموسيقى، وبما أنه كان تلميذاً لابرز مغني في الخلافة العباسية هو /إسحاق الموصلي/ فقد كانت فرصته في الظهور و التألق ضعيفة ضمن الوسط الفني البغدادي، والذي كانت الخلافة تدعمه، لذلك كان زرياب يتحين الفرصة، ويستغل الوقت في الدراسة والبحث في امور الموسيقى وثقافتها، فعرف ما مدفون فيها من اسرار، وبنفس الوقت كان يقرأ الادب والتاريخ والسير وأخلاق المنادمة، على امل ان يلتقي الخليفة ذات يوم ثم يبرز مواهبه، دون ان يكون لاستاذه /إسحاق الموصلي/ علم بذلك، لأنه كان أليم الطبع، واضح الغيرة، يخشى المنافسة الابداعية، وهو كان يعرف مدى عذوبة صوت تلميذه ـ زرياب ـ وقد علـّمه فنون العزف، واوقفه على اسرار نغمات العود، وقد أمـِن إسحاق من تلميذه، وحين طلب الخليفة "الرشيد" مغنياً آخرَ لم يسمع به من قبل، قال إسحاق، أن طلب الخليفة عندي، وقدم زرياباً للخليفة، فأبدع في تلك الليلة الوحيدة والاخيرة وهي الفرصة التي كان يتمناها، فمدحه الرشيد وأثنى عليه وقد علم إسحاق علو طبقة زرياب عليه، فهدده بالقتل إن بقي في بغداد، واعطاه مالاً يعينه على سفره، ففر هذا المبدع بليلة ظلماء مع عائلته وقصد الاندلس فتلقاه الخليفة هناك، فأبدع الالحان، وفتح معهداً لتعليم الغناء، وذاع صيته في الاندلس وبقية أنحاء المشرق الاسلامي.

*وتحليلاتنا في هذا الفصل كشفت لنا أن المبدع الحقيقي والاصيل لا تثنيه عن إبداعه مكائد الاعداء، ولا قساوة الزمن، فقد أضاف زرياب الوتر الخامس للعود، وهي اضافة هامة على الصعيد العالمي للموسيقى، ثم أنه استخدم ريشة جناح النسر للعزف بدل (الخشبة) التي كانت تستخدم، إضافة الى ابداعاته الحضارية في المجتمع الاندلسي.

*أما الفصل الثالث، من هذه " الاوراق" فقد حمل اسم "مجالس الغناء في بغداد" حيث تطرقنا فيه الى ظاهرة انتشار الغناء في كل أوساط المجتمع، ووقفنا على مختلف هذه "المجالس" وظهرت لنا أن هناك ـ ثلاثة أنواع من مجالس الغناء "رسمية، وشعبية، وفي الحانات"، بل اكتشفنا ان في هذه المجالس حس متجانس مشترك بين المغني والجمهور، ليس فقط على الصعيد الفني، بل حتى على الصعيد الاجتماعي، فقد كان الجمهور يدرك معاناة المغني من خلال صوته وادائه، الامر الذي يكشف مصداقية الوعي الفني عند الناس، من جهة، ويشير من جهة أخرى الى مدى التطور الحضاري في ثقافة العصر. ومن جهة ثالثة، كشفت هذه المجالس الغنائية مدى الاختلاف الفقهي عند رجال الدين، بين مؤيد ومعارض، للغناء وأساليبه وغاياته، حتى غدت مسألة "السماع" واحدة من "ابواب الفقه". وتصدر البحث فيها مجالس الخلفاء وعامة الناس، ونظراً لكون حضارة العصر ناهضة بقوة، طغت ظاهرة الغناء على كل الظواهر الاخرى، ولم تلتفت الى هذا الفقيه او ذاك، بل سارت للأمام محققة قفزة نوعية في عالم الموسيقى والغناء.

*وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام،هي ان رجال الدين ـ من مختلف المذاهب ـ كانوا ميالين الى بعض انواع الغناء، ويحجمون عن البعض الآخر، ويعقدون مجالس مناظرة ثقافية بينهم وبين أساطين الغناء، ولم نرى احداً منهم كفر هذا او افتى بقتل ذاك، وهو امر يشير الى مدى العمق الثقافي والحضاري، الذي كان يدور في اوساط المؤسسة الدينية آنذاك.

*اما الفصل الرابع ـ من الاوراق البغدادية فقد حمل عنوان "حوار فلسفي" في الموسيقى، تشعب البحث فيه على اكثر من صعيد، واستخدمنا فيه اكثر من منهج واسلوب، وهو اوسع الفصول واكبرها في البحث، فقد قمنا بدراسة تحليلية تاريخية في المقدمة لهذا الفصل، اردنا من خلالها التوقف على اراء الناس والخلافة والتيارات الفكرية لمفهوم الموسيقى، مستعرضين فيه كافة وجهات النظر في هذه المسالة ثم توقفنا ملياً مع اوسع فكر ديني في الثقافة الاسلامية هو /الامام ابو حامد الغزالي/ وآراءه في مسالة السماع، والتي افرد لها باباً واسعاً في كتابه ـ إحياء علوم (الدين ج2/ سماه "بكتاب السماع"، كحجة لنا من الناحية التاريخية والفقهية، والتي تظهر ان الثقافة الدينية الواسعة والعميقة، لا يمكن ان تكون إحدى معرقلات التطور الحضاري، لان الثقافة واحدة ومن أمضى الاسلحة التي تحارب بها ثقافة الآخر، ضمن الصراعات الحضارية القائمة، والتي تحاول طمس ثقافتنا، واصمة إياها بالتخلف والغشاوة السوداء على عيونها، دون ان تذكر الإلماعات الوهاجة في فكرنا وثقافتنا وتأثيرنا على العالم الاوروبي والغربي عموماً، في اكثر من مجال، وللاسف ان بعض المجتهدين لم يرتقِ الى مستوى الغزالي .هذا من ناحية مقدمة الدراسة للفصل الرابع، اما منهجية " الحوار الفلسفي الموسيقي" فقد اردنا به ان نقدم صورة حية نابضة بالعلم والمعرفة، من خلال النصوص التاريخية التي حفظتها لنا المخطوطات والكتب، فاعتمدنا اساساً في الحوار، على "رسائل اخوان الصفاء وكتاب ( الموسيقى الكبير للفارابي) وكانت رؤيتنا في هذا الجانب، هو تقديم " سيناريو موثـّق) بشخصيات حقيقية، تحاورت في موضوع الموسيقى، وقد اشرنا الى اسماء هذه الشخصيات ومواقعها السياسية والادبية، وقد "تحايلنا" على تطويع النص التراثي معرفياً وجعلناه "نصاً ممسرحاً" ان جاز القول، رغم ان حوارات القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي، كانت فعلاً موجودة في اكثر من مكان وبقعة من اراضي الخلافة، لكنها اوسع ظهوراً في بغداد ـ بحكم مركز الخلافة ـ واردنا من هذا الشكل في الكتابة، ان نحقق رؤية منهجية واضحة للتراث العربي ـ الاسلامي، في "افلمته" وتقديمه بشكل مسلسلات ضامنة للامانة التاريخية، ومحافظة على النص دون تدخل مطلقاً، لان الامانة العلمية تقتضي ذلك، ومجال الابداع يكمن في "الشكل الخارجي" لهذا العمل الفني، بحيث ان المتتبع معنا في هذا " الحوار" سيجد التوثيق المنهجي والاكاديمي لكامل نصوصه. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى، التجأنا الى التوضيح والشروحات، لمقتظيات حالة النص وإبهاماته للجوء الى /منهج الحاشية/ لاستكمال واستيضاح نصوص الحوار وشرح ما غمض منها، مع الاشارة الى المصادر في تضمين النصوص.

*فرضت ـ الحالة الدرامية ـ لنص الحوار ـ علينا ايجاد "حركة بصرية" مفترضة، يقتضيها هذا النوع من العمل، واردنا من خلال هذه "الحركة" أن نمازج بين شكل البحث العلمي وشكل "السيناريو" البصري المعاصر. وهذه الرؤية سنلتزم بها في "أعمالنا وبحوثنا في التراث العربي ـ الاسلامي، والذي ننوي تقديمه بهذه الطريقة وهذا الشكل.

*شكل الغناء في هذا الفصل "الرديف الفني والثقافي" للحوار الفلسفي لاستكمال حالة المشهد الثقافي في تلك الفترة الزاهية من تاريخنا.

*هدف البحث: أردنا من خلال هذا البحث وتنوع اساليبه، إظهار أكثر من حقيقة في تراثنا العربي الاسلامي.

*فعلى صعيد الابداع، أبرزنا مختلف أشكال ووجوه الثقافة العربية ـ الاسلامية في تلك الفترة من شعر وأدب وفن وموسيقى، تآلفت فيها العناصر الابداعية، مشكلة حالة من الارتقاء الحضاري بوجودها وسعة انتشارها.

*كما أبرزنا موقف مختلف التيارات السياسية والفكرية والدينية من هذه الظاهرة، ضمن "وحدة تفاعل الاضداد" في سياق تلك الحضارة، دون اللجوء الى حالة الصراع الحاد والمواجهة العنيفة، بل أبرزنا دور العقل الديني والفلسفي في الدفاع عن هذه الظاهرة.

*أردنا اثبات رؤية حضارية للفن الاسلامي، متمثلاً في الموسيقى والغناء، كأحد ابرز مظاهر هذه الحضارة، والموقف الرسمي والشعبي منها. ومن ثم النظر الى تراثنا الفني وفق رؤية سليمة، لاتحدث شرخاً بين رؤية الدين للفن ورؤية الفن للدين.

*أردنا في هذا البحث ـ أيضاً ـ أن نلفت انتباه المؤسسات الثقافية والاعلامية، ورجالات الفكر والابداع، لتلمس التراث بعين فاحصة أمينة، ثم السعي الجاد والمسؤول لتقديم هذا التراث، حياً من مصادره الاصلية، دون تحريف أوبتر النصوص، التي قد تختلف مع رؤيتنا الفكرية والعقائدية والدينية، باعتبار أن التراث هو تراثنا العربي ـ الاسلامي، بكل إيجابياته وسلبياته.

*كما أننا اردنا إشتقاق منهج ابداعي ـ بصري، يحقق متعة فنية ـ بصرية، ويضيف المعلومة الصحيحة، ويبرز الجانب الاخلاقي في تعاملنا الحضاري، من خلال الموروث ذاته، وبنفس الوقت أردنا إظهار نفسية اسلافنا بتعاملهم مع الثقافة والفن، باسلوب حياتي رفيع، نتعلم منه اساسيات الحياة اليومية، بعيداً عن افرازات الحضارة الامريكية التي تحاول تشويه انسانية الانسان، وتسدل ستاراً رهيباً ـ بإعلامها ـ على تراثنا وتاريخنا الحضاري. دافعة بعض اعوانها من ـ العرب ـ لاتخاذ موقف مضاد من كل ما هو مشرق في التراث.

*مصادر البحث: نظراً لاهمية وسعة ظاهرة الغناء والموسيقى في تراثنا العربي ـ الاسلامي ـ في العصر الوسيط، وبغية اثبات رؤيانا بالحجج المنطقية والتاريخية، توجب علينا العودة الى تراث العصر العباسي وما تلاه مباشرة، فاستخدمنا امهات الكتب والموسوعات والدواوين، التي ألفت في ذلك العهد مباشرة، بحكم الرؤية المنهجية والاكاديمية التي تحكم عملنا في دراسة التراث العباسي، فرجعنا الى مؤلفات الطبري وابن الاثير والذين ساروا على منوالهم في تدوين التواريخ، ورجعنا الى اهم المصادر التي تناولت "الغناء والمغنين" وهي ـ مؤلفات أبي الفرج الأصبهاني وغيره، لاسيما "كتاب الاغاني" ثم كتابات الجاحظ وأبي حيان التوحيدي، ومصادر الادب ودواوين الشعراء، وكتابات الفلاسفة، التي كتبت بتلك الفترة، وبعبارة اخرى، كان اعتمادنا على المصادر الاساسية لتلك الفترة بنسبة 99%، والاحالات عليها توضّـح ذلك بجلاء.

*أردنا من خلال هذه العودة الى تلك المصادر إثبات أسبقية تراثنا العربي الاسلامي في تناول فلسفة الفـن، قبل ظهور أي فلسفة اوروبية ـ غربية، لا تفلسف للنظريات الجمالية المعاصرة، وقد تعمدنا بذلك ايضاً ـ ضمن منهج الاحالة المصدرية ـ مناقشة كتابات المستشرقين وغيرهم، من الذين تناولوا تراثنا هذا، والرد عليهم ـ كدراسة مقارنة من خلال التعليق في الهامش على مراجعهم ومقارنتها بمصادرنا السابقة عليهم بأكثر من ألف وثلثمائة سنة تقريباً.

*وختاماً نقول، هكذا نظرنا الى تراثنا الادبي والموسيقي، بهذا المنظار وتلك الطريقة، فإن أصبنا كان الهدف، وإن اخطأنا فحسبنا الاجتهاد في الامر، ووحدنا نتحمل هذا الخطأ، إن وجد.


المؤلف د. خيرالله سعـيد


الإحالات والهوامش


1ـ نشرت هذه الدراسة في مجلة الموقف الأدبي السورية / العدد 267/ تموز 1993.

2ـ نشرت هذه الدراسة في مجلة الحياة الموسيقية /سورية ـ العدد 3و4 لعام 1993م.

3ـ صدر الجزء الاول منها بعنوان "وراقوا بغداد في العصر العباسي" عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية ـ الرياض 2000م ـ وبقيت 5 أجزاء لم تنشر بعد.



 
جميع الحقوق محفوظة © 2024