إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

وحدة الهلال الخصيب حل للأزمة، ومصهر للحياة الاجتماعية

سهيل رستم - جريدة النهضة

نسخة للطباعة 2012-12-22

بمراجعة تاريخية سريعة ودون الخوض في التفاصيل، يتضح لنا أن بيئة الهلال السوري الخصيب، استناداً إلى التاريخ المدون، تعرضت لموجات وافدة ولغزوات واحتلالات ولهجرات قسرية وطوعية، لكن هذه البيئة كانت مصهراً لكل من وصل إليها بغضّ النظر عن أغراضه وأهدافه، إذ إن العناصر التي دخلت، بعد أن تصادمت مع مكونات البيئة تفاعلت معها وانصهرت في بوتقتها بنسبة تفاعلها معها، فالعديد من الشعوب الآسيوية والأوروبية وصلت إلى البيئة وكان لكل منها أهدافها وأغراضها وأسلوبها، وحتى مصر وصلت إليها في بعض المراحل أيام الفراعنة ثم في فترة حكم محمد علي ثم في الوحدة التي تمت مع الشام عام 1958، فقط، القارة الأميركية وقارة أستراليا لم تصل شعوبهما إلى بيئتنا، مع الإشارة إلى أن شعوب هاتين القارتين تشكلوا مع بدايات القرن الخامس عشر من خليط من شعوب أوروبا بشكل أساسي، وفيما بعد وفدت إليهم شعوب آسيوية، وفقط، الهجرة اليهودية لم تتمكن من التفاعل ولا الاندماج مع مكونات البيئة السورية كما أنها لم تتمكن من الاندماج مع أي مجتمع آخر وصلت إليه.

وحسب النصوص التاريخية، دخلت إلى البيئة السورية شعوب آسيوية كان منها الفرس والتتار والمغول، وعرب الجزيرة العربية، والعثمانيون فيما بعد، إضافة إلى الهجرات القسرية من شركس وأكراد وأرمن، ومن أوروبا، جاءها الرومان واليونان ثم التجمع الأوروبي الذي دخلها في حروب عرفت بحروب الفرنجة أو (الحروب الصليبية)، ثم فيما بعد دخلت فرنسا وبريطانيا كدول منتدبة بعد الحرب العالمية الأولى، ويبدو من خلال القراءة التاريخية أن هذه القوى أو الشعوب لم تستطع أن تلغي الشخصية السورية بالرغم من همجية بعضها، بل إن بعضها تأثر بالبيئة الطبيعية وبمكوناتها الاجتماعية وتفاعل معها وانصهر بها، إضافة إلى أن الثقافة السورية أثرت بشكل واضح في ثقافات الفرس والرومان واليونان، حتى إنه بعد انقسام إمبراطورية الاسكندر المقدوني، استمر الشق السلوقي منها في سورية و(تسرين) وأصبحت الممالك السلوقية ممالك سورية.

بهذا التشكل السوري تبدو سورية الطبيعية وكأنها نواة العالم التي تختزن كل ثقافاته بعد تفاعلها وتطورها لتلائم مزاج ونفسية مكونات البيئة، وتبدو بذلك كما هي البذرة النباتية التي تختزن كل مكونات النبات العائدة له، وكما أن سحق البذرة النباتية أو إتلافها يعني تدمير النبات أو انقراضه، كذلك فإن العمل لتدمير سورية أو تفتيتها يعني تدمير العالم، إلاّ أن سورية بالرغم مما تتعرض له، فإنها تبدو عصيّة على التدمير أو التفتيت، لذلك لا بد للعالم أن يدرك، وعلى الأخصّ السوريين المضللين أن سورية والسوريين ضرورة تحتاجها الإنسانية كلها لتكون قادرة على الاستمرار، وعلى بناء الحضارة وارتقاء الإنسان في كل مكان في الأرض، فالإنسان السوري المبدع قادر على الخروج من الأزمات التي يتعرض لها، وقادر على العودة لبناء الإنسان الجديد وفق قواعد علاقات حضارية توفر للإنسانية كلها سبل التقدم والارتقاء، ولأن الإنسان السوري بثقافته المتراكمة هو إنسان بنّاء صارع ويصارع قوى الهدم والضلال وقوى الشر والتخلف، كما صارع تموز الخنزير البري ونبت دمه ربيعاً وولادة حياة جديدة، وكما صارع أنكيدو طيمات ذات الحيات برؤوسها الثلاثة وانتصر على عوامل الشر ومهّد للإنسان الجديد بقيم الحياة الراقية التي غزا فيها العالم كله، ووضع أسس بناء المجتمعات وتطورها وارتقائها، فالسوري لن يضمحل، وسيستمر دوره فاعلاً في إغناء الحياة والمجتمعات الإنسانية بما يختزنه من تاريخ ثقافي حضاري، ولا بد للسوريين من اليقظة والعودة إلى عملهم البناء والقيام بواجبهم تجاه الإنسانية كلها مهما حاولت القوى الظلامية العمل لإلغائهم أو إلغاء دورهم، ولا بد للعالم الذي تشرب ببعض الثقافة السورية من التنبه إلى الدور السوري في بناء مستقبل الإنسانية التي هي الآن وأكثر من أي زمان آخر، بحاجة إلى الإرث الثقافي السوري وإلى العقل السوري البنّاء الذي لم ولن ينفكّ يغذي العالم والمجتمعات الإنسانية.

الكاتب : سهيل رستم / رقم العدد


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024