إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بطل القفز الى الماء الرفيق محمود مصطفى شبارو

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-04-04

إقرأ ايضاً


كلما صدف ان شاهدت حلقة من مسلسلsplash الذي كانت تعرضه احدى محطات التلفزة المحلية، ومحوره مباريات في الغطس على المياه، يشارك فيها هواة ومحترفون، تعود بي الذاكرة الى رفيق مميز كان بطل لبنان بالقفز، مشاركاً في دورات على مستوى العالم العربي، وبلدان البحر المتوسط، متوجاً بطلاً أكثر من مرة، متمتعاً بجسم رياضي كأنه خلق خصيصاً للسباحة ولبطولات الغطس، هو الرفيق محمود شبارو.

وكلما التقيت الرفيق الياس عوض، لا بد أن يكون ثالثنا الرفيق محمود، اذكره، او يتذكره الرفيق الياس، وقد كان صديقاً له، في العمل، في الحزب وفي الحياة.

فالرفيق محمود لم يكن فقط بطلاً في القفز الى الماء، انما كان قومياً اجتماعياً تميز بالجرأة، ملبياً لكل عمل حزبي، مواجهاً خصوم الحزب في شركة طيران الشرق الاوسط حيث كان يعمل، وفي الطريق الجديدة، الحي الذي ولد فيه وترعرع، كما العامل بوحي النهضة لنقل مفاهيمها الى المواطنين من اصدقائه.

وافته المنية شاباً مليئاً بالصحة والعافية أثر نوبة قلبية حادة، فشيعه رفقاؤه في اذار 1962 من منزله في الطريق الجديدة سيراً على الاقدام، يحملون اكاليل الورد الى مدافن الباشورة حيث القى الرفيق رؤوف ابو زكي كلمة مناسبة، وأدى له الرفقاء تحية الوداع، بالرغم من كل الوضع الامني السائد في تلك الفترة السوداء التي اعقبت الثورة الانقلابية اواخر العام 1961.

لو قدر للرفيق محمود شبارو ان يبقى على قيد الحياة لشهدت الطريق الجديدة حضوراً افضل للحزب، ليس لأن عائلته كبيرة ولها شأنها، انما لأنه كان مثالياً في تعاطيه، وقومياً اجتماعياً في التزامه.

رغم مرور خمسين عاماً على وفاته، فإن الرفيق محمود شبارو ما زال ماثلاً بإطلالته اليافعة، وبصلابة ايمانه، وبكل ما تميز به من فضائل الالتزام. وما زلت أتذكره كيف كان في المناسبات الحزبية يصفق على الحائط فيما نحن نصفق بأيادينا وقلوبنا.

ولن انسى تلك اللحظة عندما اتصلت بمنزله هاتفياً، فاستمعت الى صراخ شقيقته، وقد طلبتُ منها ان اتكلم مع محمود: محمود..محمود مات، فوقعت لا أعي على شيء، إلا على دموع تتساقط وحشرجات صوت، شاركتني بها والدتي التي كانت تحبه كثيراً وترتاح الى اخلاقه.

*

ولان الرفيق الياس عوض هو اكثر من رافق الرفيق محمود شبارو وكان له "اخاً لم تلده امه" فقد رغبنا اليه ان يسجل الشهادة التالية:

طويل القامة، عريض المنكبين، اسمر السحنة، ازرق العينين، يدخل علينا في دائرة الهندسة في طيران الشرق الاوسط موظفاً جديداً وعلامات الوثوق بالنفس ظاهرة للعيان. اختصاصه الكهرباء الميكانيكية. سرعان ما فرض نفسه بتهذيبه وتمكنه من خبايا الامور الفنية وقلة كلامه، فأسر الجميع.

انسجم مع الجميع، إنما سطحياً، ولم يفته جو الالتزام والتلاحم السائد بيني وبين الرفيقين محمد ديراني ـ من قصرنبا – بعلبك) وجورج جدي (من الجنوب السوري ومن سكان حدث بيروت) فما هذا السر الذي يربط بين الفلسطيني واللبناني ومن ثلاث طوائف مختلفة، ولم تفته الهمسات والاحاديث الجانبية بيننا وبين رفقاء من اقسام اخرى في الشركة ومنهم: منير زينون، غازي العقل، عبد بشناتي، اسكندر ملكون(1) وغيرهم.

عندما دخل علينا الرفيق انطون ابو ديب(2) موظفاً جديداً، ذهل محمود من السرعة التي انضم فيها الى شلتنا. ولم يأخذ الوقت الطويل وهو حاد الذكاء حتى اكتشف انتماءنا الى الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي هو، حسب قناعات الرفيق محمود انذاك، عدو العرب والعروبة. هنا قرر محمود، حسب ما اقرّ لي ان يتقرب منا قارئاً يومياً جريدة "البناء" ومنها انتقل الى الاطلاع على مبادئ الحزب: الى المحاضرات العشر وغيرها. ثم بدأ يحضر الحلقات الاذاعية. عندما فاتحته بخصوص الانتماء، قال لي: امهلني بعض الوقت لان هناك مادة في القسم لا استطيع ان انفذها في الوقت الحاضر، وهي: (وان اجعله شعاراً لبيتي). فقلت له يمكن ان تنفذ هذه المادة عندما يصبح لديك بيتك الخاص، كما يمكنك ان تحصل على قرار بالانتماء سري. عندها انتفض ثائراً: " انا محمود شبارو بدي كون سري وجبان", وهنا اذهلني عندما ردد القسم كاملاً بدون اغلاط. وتابع: "انا ما بخاف من حدا وانا قومي حتى الشهادة"، ولكن الوقت لم يمهله حتى الشهادة، فقضى عن 24 عاماً. كان في العشرين من عمره عندما اقسم على يد الرفيق نقولا حلاق(3) الذي كان في الاسر، عند وفاة الرفيق محمود فلم نشأ ان نخبره، انما عند خروجه من الاسر وتدفق الاهل والمقربين للتهنئة، ورغم ضخامة الجموع فقد افتقد محمود صارخاً: اين البطل. واذ علم، وقع عليه الخبر كالصاعقة، وانقلب فرحه بالخروج من الاسر، الى ما يشبه الكارثة.

الى كونه بطلاً في القفز الى الماء، وحيازته على ميداليات في الدورة العربية الاولى في المغرب، ثم في بيروت، فقد كان من امهر راكبي الدراجات النارية، وقد عمل على تدريبنا، الرفيق ابرهيم غطاس(4) ورفيق من عاليه لم اعد اذكر اسمه، وانا، على قيادة الدراجات النارية، فنكون في طليعة موكب رئيس الحزب الامين اسد الاشقر في يوم الحشد الذي اقيم في ساقية الجنزير في 2 اذار 1958، (مراجعة النبذة المعممة بتاريخ 22/07/2013).

ويختتم الرفيق عوض شهادته عن الرفيق البطل محمود شبارو بالقول:

"ترك الفراق المبكر للرفيق محمود، في قلبي، جرحاً بليغاً لم يندمل بعد. كان الاحباء من معارفنا، من شدة تعلقي بمحمود وتعلقه بي، يدعونني "ابو محمود" ويدعونه "ابو الياس"، حتى اني اسميت ابني الوحيد: مروان محمود.

*

أوردت جريدة "لسان الحال" في عددها بتاريخ 12 اذار 1963 الخبر التالي:

انتقل امس الى رحمته تعالى المأسوف على شبابه محمود شبارو بطل لبنان بالقفز الى الماء وذلك اثر نوبة قلبية.

وسيحتفل بالصلاة على جثمانه ظهر اليوم الثلاثاء في جامع البسطة التحتا ثم يوارى الثرى في جبانة الباشورة.

تقبل التعازي في منزل عمه احمد شبارو، شارع الرواس، الساعة العاشرة والنصف.

فللفقيد الرحمة ولأهله جميل الصبر والعزاء.

هوامش

(1)منير زينون، من رومية – غازي العقل: من المحيدثة – بكفيا. عبد بشناتي من بيروت وقد كتبت عنه نبذة تعرف عن حياته الحزبية النضالية، لمن يرغب الاطلاع الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info باسم عبد الرحمن بشناتي. اسكندر ملكون من الشياح، نشط حزبياً في كل مكان تواجد فيه. رحل منذ نيّف و5 سنوات.

(2)من زغرتا، ما زال ناشطاً ومتولياً لمسؤوليات حزبية .

(3)من الجنوب السوري: تولى مسؤوليات حزبية عديدة في حمص، اذ نزح إليها، في الحدث-بيروت، في الامارات، وفي بوسطن حيث امضى ايامه الاخيرة ناموساً لمنفذية الشرق الاميركي.

شارك في الثورة الانقلابية واسر لمدة اربع سنوات .

(4)من مشغرة. شارك في الثورة الانقلابية، انما امكنه مغادرة لبنان، كما الامين فؤاد غزال ووصلا

سدني حيث يقيمان فيها.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024