إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

صافحته، فسطعت شمس حياتي، الاعلامي الرفيق عبد الهادي حماد

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-12-22

إقرأ ايضاً


سطع الاعلامي الرفيق عبد الهادي حماد في نضاله الحزبي، وفي حضوره الاعلامي في الاردن.

ابن طبريا، كان خسر شقيقه الرفيق عباس شهيداً، لمشاركته في الثورة القومية الاجتماعية عام 1949، وشقيقه الآخر الرفيق سعيد الذي استشهد اغتيالاً في ثكنة الحلو- بيروت، بعد الثورة الانقلابية، وقد كان موقوفاً في الثكنة قبل فترة من المحاولة الانقلابية(1).

في عدد "البناء- صباح الخير" الخاص بمئوية سعاده (آذار 2004) نشر الرفيق عبد الهادي المقالة التالية التي يفيد اعادة نشرها، فيطلع على مضمونها ما لم يتسنّ له ذلك في وقت سابق.

*

المقطع اعلاه اعددته قبل فترة، ليرد مقدمة لكلمة الرفيق حماد المشار اليها، وكانت الرفيقة الناموس على وشك انهاء طباعة النبذة عندما ورد نبأ رحيل الرفيق عبد الهادي، لينضم الى شقيقيه الشهيدين عباس وسعيد، وليحتل معهما صفحة مضيئة في تاريخ النضال الحزبي.

بتاريخ 18/12/2014 نعى تيار السوريين القوميين الاجتماعيين في الاردن، وفاة المناضل القومي الاجتماعي عبد الهادي حماد. قال البيان:

"قد تسقط أجسادنا.. أما نفوسنا، فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود"

بألم عميق، ينعي تيار السوريّين القوميّين الإجتماعيّين في الأردن وفاة المناضل القومي الإجتماعي عبدالهادي حماد. الراحل من رفقاء الرعيل الأول، وقد عُرف بمناقبيته القوميّة وإقدامه وتنفيذه المهام الموكلة اليه بكلّ تفانٍ وإخلاص. وهو من القوميّين المضحّين الذين برّوا بالقسم وكرّسوا حياتهم لخدمة القضيّة القوميّة، ولعب دورا مهماً في الدفاع عن حزبه، مقارعاً أعداء أمّته بالكلمه وبالبطوله المؤيّده بصحّة العقيدة. ولد الراحل في مدينة طبريا، وانتمى الى صفوف النهضة في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، وسيرته الحزبيّة حافلة بوقفات العز والأباء القومي. شارك في الثورة القوميّة الإجتماعيّة الأولى، وسجِن إثر ذلك.

*

صافحته فسطعت شمس حياتي

في حياة الانسان ايام قد تظل ذكرياتها نابضة وماثلة في وجدانه تمده بآمال وتوجّهات تقود خط حياته، كأنما هي شموس منيرة تهدي خطاه. وفي حياتي اربع محطات تفتح شموسها مغاليق كل مجهول، ورغم اقترابي من الثمانين من سنّي عمري اجدني دوماً أقف متأملاً استرجع مجريات ما كان فأراه كأنه جديد حدث بالأمس لم يعتّقه غبار الزمان او تتراكم فوقه احداث السنين. ذلك ان سعاده، كان ولم يزل وسيبقى، نديَّ الذكر فاعل الحضور في الاذهان والفكر كما هي نسمة الصيف المنعشة، يدخل القلوب بطلعته المؤنسة، ويرافق العقول بما يحمله فكره وما تمثله عقيدته ومبادئه، إنساناً فريداً في اتصاله بالناس ومعلّماً مميزاً في قربه من النفوس، منذ كان مؤسساً وزعيماً وحتى بعد ان صار شهيداً، والى ما سيأتي في مقبل الايام.

المحطة الاولى: كنت في بيروت يوم السبت الاول من تشرين الثاني 1947 ومتوجها الى دمشق. مررت بعكا فعلما الشعب فصور فبيروت فعاليه. وفي اليوم الثاني انفصلت عن صحبي، وتوجهت الى باب ادريس في بيروت. لم اكن اعرف احداً، لكن عينيّ دلتاني على مكتب جبران جريج الذي قادني الى خان انطون بك، وهناك هيأ لي اميل رعد فرصة العمر لأقابل سعاده.. ثم كنت امامه، ومباشرة وبفضل منه انتقلت من حالة الترقب والرهبة الى حالة الالفة والإيناس. حدثته عن مهمتي فحدثني عما يجب ان تكون عليه أطر هذه المهمة، واستمر الحديث والاستماع الى توجيهاته قرابة الثلاثين دقيقة، ثم ختم اللقاء بأن وقّع على صورة له طلبتها منه تذكاراً، وللأسف فقد صودرت هذه الصورة بين جملة ما صودر مني ساعة اعتقالي بعد حادثة مقتل المالكي، في دمشق. وقبل انصرافي طلب مني ان أنقل معي كمية من بيانه للأمة بمناسبة الثاني من تشرين الثاني، الى عنوان معين في دمشق وقد فعلت.

المحطة الثانية: كانت يوم الاثنين 27 حزيران 1949 حين كان في دمشق بعد حادثة الجميزة، واستدعاني من جملة من استدعى من القوميين الاجتماعيين. قادني الى المنزل بشير الموصلي وصبحي فرحات، أذكر أنه كان منزل نجيب شويري في بناية كسم وقباني.

كانت الامور على اشدها من التأزم إثر ما حدث في بيروت. كان يلبس شورتاً وقميصاً صيفياً بنصف كم. لم أمدّ يدي لمصافحته إلا بعد ان بادر هو بذلك ورافقت المصافحة بسمة لن أنساها تحمل للنفس طمأنينة ما زلت أحار في معناها. تحدث عن رد الاعتبار والكرامة والثبات على الموقف وان لا تُحنى هاماتنا لمذلة وان نثبت واقفين حتى الموت دفاعاً عن شرفنا وإرادتنا وعزتنا، كان الصدر عساف كرم يقف الى اليمين من سعاده، ثم قال انه يجب تلقي اوامر المهمات المقبلة من عساف وان نتهيأ ونعدّ العدة لما سوف يتقرر على ضوء المستجدات. هذه كانت الشمس المنيرة الثانية التي أضاءت طريق وقفة العز التي لم يكن لنا سواها من طريق.

المحطة الثالثة: كان يوم الاثنين 4 تموز 1949. كانت عند فجر ذلك اليوم. ورغم انه كان فصل صيف، فإن البرد اخترق الاجساد حتى العظم فارتجفنا جميعاً إلا هو رغم انه كان يرتدي لباساً خفيفاً. كنا بالكاد نتحقق من بعضنا، كنا قريبين من "الحدود بين لبنان والشام". كنت قريباً منه. تحدث الى الحشد الذي تحلّق حوله عن مهمتنا وارشدنا وهو يحضّنا الى عدم إلحاق الاذى والضرر بأحد ولو من رجال الامن، ووضّح لنا ما يجب عمله تجاه ابناء أمتنا، وان الحاكمين في لبنان فرضوا علينا هذا النهج الذي لا بد منه. اتجهنا غرباً وعاد هو الى دمشق. هذه المحطة حملت لنا شمسها التبصر والتوعية في الامر الذي قصدنا إليه.

المحطة الرابعة: كانت يوم الخميس 7 تموز 1949. شمس تلك الليلة رسخت في النفوس الخط الذي رسمه لنا جميعاً درساً عملياً: "كل ما فينا هو من الامة وكل ما فينا هو للامة. الدماء التي تجري في عروقنا عينهاـ ليست ملكنا، هي وديعة الامة فينا متى طلبتها وجدتها"، كان قولاً قرنه بالفعل، في تلك الليلة كان وجهه المليء بالعزم والإرادة والثبات يرفض الإعتراف بالتعب والإرهاق والإجهاد. كان عملياً يمارس البطولة ... ثم غاب عن العيون ليدخل بوابة التاريخ وليطل علينا في اليوم التالي شمساً، بل شموساً، تنير دربنا وتحمل لنا من معاني الشهادة معاني جديدة للحياة القومية الاجتماعية. كان قدوة ومثالاً وسيبقى. فالذين مارسوا البطولة بعده حققوا مفاهيم ارادها ان تكون مثالاً لحياة حرة عزيزة تشق الطريق لتحيا سورية.

هوامش:

(1)كثيراً ما شاهدت الرفيق سعيد حماد عندما كنت امرّ في شارع مار الياس – المصيطبة، في الاشهر الاولى من عام 1962، وهو في باحة ثكنة الحلو. طويل القامة. عريض المنكبين، يرتدي قميصاً قطنياً رمادي اللون ويقوم بتمارين رياضية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024