إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

القرار الإتهامي: السمعة لبلمار والفعل لفرع المعـلومات

حسن عليق - الأخبار

نسخة للطباعة 2011-08-18

إقرأ ايضاً


في ما سُمِح نشره من قرار الاتهام، أكثر المدعي العام دانيال بلمار من الاستناد إلى الاستنتاج والإمكان. كرر بلمار في النص المنشور أكثر من 12 مرة عبارتي «يمكن الاستنتاج» و«المعقول الاستنتاج». دزينة سمحت للمدعي العام بتوقع مضمون اتصال هاتفي من دون أن يملك تسجيلاً صوتياً له. هو القرار الاتهامي الأول. بدا نسخة «مزيدة ومنقحة» عن التقرير الذي بثته هيئة الإذاعة الكندية قبل نحو عشرة أشهر. وهو لم يضف كثيراً إلى ما سلمه فرع المعلومات للجنة التحقيق الدولية عام 2006. قرار أول سعى فيه بلمار إلى إضفاء طابع السرية على معلومات منشورة سابقاً، ومتوافرة لكل من يريد الحصول عليها

لم يأت القرار الاتهامي المنشور بجديد. المضمون الذي رُفِعَت السرية عن جزء كبير منه ورد في تشرين الثاني 2010 في التقرير الذي بثه تلفزيون هيئة الإذاعة الكندية (CBC). الجديد الوحيد هو ربط بعض الأسماء ببعض أرقام الهاتف. لكن المدعي العام الدولي دانيال بلمار، يريد الإيحاء بأن بعض التفاصيل لا تزال سرية، علماً بأن معظمها منشور سابقاً، فيما البعض الآخر موجود في حوزة عشرات الجهات والأشخاص. وبالتالي، يسهل على المتابعين لملف التحقيق الدولي وضع الكلمات والأرقام المناسبة في الفراغات التي غطاها بلمار بحبر أسود. والأبرز مما تقدم، أن ملايين الدولارات التي صرفها المحققون الدوليون لكشف «الحقيقة»، لم تمكنهم من إضافة شيء يُذَكر على التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية اللبنانية، بدءاً من يوم حصول الجريمة.

القرار الاتهامي مبني على استنتاجات مبنية بدورها على التقاطعات المكانية والزمانية لأرقام الهواتف الخلوية. وهذه التقاطعات حددها المحققون اللبنانيون ابتداءً من نيسان 2005. حينذاك، توصل الفرع التقني في مديرية استخبارات الجيش (كان برئاسة العقيد غسان الطفيلي) إلى تحديد ثمانية أرقام هواتف (يسميها بلمار الشبكة الحمراء) هي: 3123741، 3125636، 3127946، 3129652، 3129678، 3129893، 3292572، 3478662. وهذه الأرقام لم تتواصل إلا بعضها مع بعض. وتركزت اتصالاتها يوم تنفيذ الجريمة على منطقتي ساحة النجمة وسان جورج وما بينهما، وصولاً إلى ما قبل تنفيذ الجريمة. واستُخدم ستة أرقام من الأرقام الثمانية المذكورة بكثافة. وقبل نهاية نيسان 2005، سلم الطفيلي تقريراً مفصلاً عن نتائج عمله لمدير استخبارات الجيش العميد جورج خوري. لاحقاً، أقصيت مديرية استخبارات الجيش عن التحقيق الذي تولاه فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. المحققون اللبنانيون، وزملاؤهم في لجنة التحقيق الدولية عجزوا عن معرفة مستخدمي الشبكة الحمراء. فهؤلاء، خلال مراقبتهم لموكب الرئيس رفيق الحريري خلال الأيام السابقة لاغتياله، لم يرتكبوا أي خطأ يمكّن المحققين من تحديد هويتهم. لجأ النقيب وسام عيد إلى أسلوب جديد لمحاولة إحداث خرق. بحث عن أرقام الهواتف التي تقاطعت حركتها المكانية والزمانية مع حركة الشبكة الحمراء. والمقصود بالتقاطع هو أن يكون رقم هاتف ما قد تحرك في منطقة معينة في وقت قريب من وجود هاتف آخر في المكان ذاته. وإذا تكرر هذا التقاطع، يستنتج المحققون أن شخصاً واحداً يستخدم الرقمين.

وبناءً على هذه النظرية، حُدِّدت شبكة هواتف خلوية مؤلفة من 18 رقماً (يسميها بلمار الشبكة الخضراء) هي الآتية:

3140023، 3140050، 3140064، 3140032، 3140049، 3140026، 3155992، 3159300، 3140029، 3140260، 3140034، 3140046، 3150071، 3140030، 3140048، 3140280، 3140290، 3150065.

توصل فرع المعلومات إلى هذه الشبكة قبل نهاية عام 2005، ليتوصل بعدها مباشرة إلى تحديد شبكة مؤلفة من 18 رقماً آخر (يسميها بلمار الشبكة الزرقاء) هي:

03071233، 03079501، 03043585، 03067324، 03067322، 3020967، 3846965، 3085338، 3071235، 3872349، 3872354، 3197610، 3197817، 3198864، 3193428، 3196742، 3196813، 3198940.

وبالتزامن مع تحديد هذه الشبكات الثلاث، حدد محققو فرع المعلومات شبكة رابعة (يسميها بلمار الشبكة الصفراء) تضم الأرقام الآتية:

3345457، 3376078، 3205294، 3379513، 3199120، 3464763، 3468669، 3831170، 3712024، 3971933، 3960809، 3983932، 3791425.

لكن الشبكة الأخيرة كانت قد أخرجت من الخدمة منذ ما قبل اغتيال الحريري بنحو شهر كامل.

وفي أيار 2006، ختم فرع المعلومات تحقيقاته في هذا المجال، وأرسل الملف الذي في حوزته إلى المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، ومنه إلى لجنة التحقيق الدولية.

بقي هذا الملف مهملاً في أدراج اللجنة، إلى أن ترأسها دانيال بلمار نهاية عام 2007. لكن النقيب وسام عيد كان لا يزال يستكمل تحقيقاته في هذا المجال. وبعد وصول بلمار، أُعيد فتح الملف بقوة، وبوشرت تحقيقات إضافية بشأنه. وبعد اغتيال عيد (كانون الثاني 2008)، عاد فرع المعلومات وأجرى تحقيقات إضافية، وأرسل النتائج التي توصل إليها إلى لجنة التحقيق الدولية.

ونتيجة للتحقيقات اللبنانية والدولية، حُدِّدت الشبكة الخامسة (يسميها بلمار الشبكة الأرجوانية) وتضم الأرقام الثلاثة الآتية:

03618254، 03261341، 03628231.

التقاطعات الجغرافية والمكانية أيضاً أوصلت المحققين إلى تحديد هذه الأرقام، قبل ربطها بأسد صبرا وحسين عنيسي، اللذين رُبطا، بحكم التقاطعات ذاتها، بأحمد أبو عدس واختفائه والشريط المسجل الذي يتبنى فيه اغتيال الحريري.

لاحقاً، حصل المحققون على «معلومات» عن مكان إقامة كل من مصطفى بدر الدين وسليم عياش، و«أرقام هواتفهما الشخصية». ومجدداً، تؤدي التقاطعات دورها، فيستنتج المحققون أن بدر الدين كان يستخدم الرقم «الأخضر» 03140023 ويتصل بواسطته بعياش الذي يستخدم الأرقام الآتية: 03123741 من الشبكة الحمراء و 03159300 من الخضراء و 03071233 من الزرقاء. وكان التواصل بين الرجلين، بحسب استنتاج المحققين، يجري من خلال رقمي الشبكة الخضراء.

أمر آخر يستند إليه بلمار في اتهامه، ولم يكن للمحققين الدوليين أي صلة بالتوصل إليه، هو عملية شراء الميتسوبيشي. ففيما كان المحققون الدوليون في بداية عام 2006 يبحثون عن الشاحنة في اليابان، تمكن محققو فرع المعلومات من تحديد كيفية دخولها لبنان والمعرض الذي بيعت منه في منطقة البداوي الشمالية. وبناءً على التقاطعات الجغرافية والزمانية، حُدِّد الرقمان 03197610 و03197817 (من الشبكة الزرقاء) اللذان تحركا في مناطق البداوي وطرابلس والميناء يوم 25/1/2005 (اليوم المفترض لشراء الميتسوبيشي بحسب سجلات معرض السيارات)، وكان الأول منهما على تواصل مع الرقم 03071233 المنسوب إلى عياش.

خلاصة القول أن ما كُشِف عنه من القرار الاتهامي ليس جديداً، وليس سرياً، ومعظمه مما لن يستطيع بلمار إنكار الدور المحوري لفرع المعلومات في التوصل إليه، أو أقله، دور فرع المعلومات في التوصل إلى وقائعه التي سبقت استنتاجات المحققين الدوليين. ورغم أن التحقيق يستند في الجزء الغالب منه إلى بيانات الهواتف الخلوية، يبقى «شاهد ملك»، عسى ألا يكون كسلفه زهير محمد الصديق.

--------------------------------------------------------------------------------

بلمار يصنّف حزب الله «إرهابياً»... و14 آذار تصفّق

لم يذكر النص المنشور للقرار الاتهامي أي دليل صلب ومباشر. كان المدعي العام الدولي دانيال بلمار قد مهد لهذه الخطوة منذ عام، عندما قال في مقابلة مع موقع «ناو ليبانون» في آب 2010 إن «الأدلة الظرفية أكثر قيمة من الأدلة المباشرة». وتماشياً مع ذلك، استند إلى استنتاجات مبنية على بيانات اتصالات الهواتف الخلوية. وبعيداً عن الأدلة، تبنى بلمار وجهة النظر الأميركية التي تصنف الجناح المسلح لحزب الله منظمة إرهابية، لكونه ذكر في الفقرة الـ59 من قراره أن «الجناح العسكري لحزب الله تورط في الماضي في عمليات إرهابية». أضف إلى ذلك أن المدعي العام الدولي ربط، من دون أي مبرر واضح في قراره، بين اثنين من الذين وجه إليهم اتهامات، وبين القائد العسكري للمقاومة الإسلامية عماد مغنية، عندما أشار في الفقرة ذاتها إلى أن مصطفى بدر الدين وسليم عياش مرتبطان بمصاهرة مع مغنية الذي «كان مطلوباً على المستوى الدولي بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية». واللافت أن بلمار، في الفقرة الـ59، يصف المتهمين الأربعة بأنهم «مناصرون لحزب الله»، ثم يعود في الفقرة ذاتها ليصف عياش وبدر الدين بأنهما منتسبان إلى الحزب.

في بيروت، وطوال أكثر من عام، كانت قوى 14 آذار تقول إنها ستنتظر مضمون القرار، وإذا وجدت أدلته غير صلبة، فسترفضه. لكنها يوم أمس، سارعت إلى تبنيه، قافزة فوق «الأدلة الظرفية» والاتهام لتصل إلى إدانة المتهمين. ظهر ذلك في بيان الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري (راجع ص 4). لكن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، كان أقل حدة من سلفه، رغم إعجابه بمضمون القرار. فبرأي السنيورة، إن «المعلومات والمعطيات التي نشرت حتى الآن عن القرار الاتهامي، تمثّل دلائل قوية ومتينة تدعم اتهام الأشخاص الأربعة المتورطين بارتكاب الجريمة». وقال الرئيس الأسبق للحكومة «إن خطوة رفع السرية عن مضمون القرار الاتهامي ونشر ملخص كاف عنه يؤكد قوة وجدية ومهنية لجنة التحقيق الدولية والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان وفريق عمل المدعي العام». ويعيد كلام السنيورة إلى الأذهان ما ذكره يوم 3/12/2005 في وداع الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية، ديتليف ميليس، إذ أكد السنيورة حينذاك «تقديره الشخصي الكبير للجهد الذي بذله القاضي ميليس في عمله والمهنية والحيادية التي اختطها في منهجه في التحقيق».

وفي بيانه أمس، ذكّر السنيورة المتهمين «ومن يحميهم» بأن «قرينة البراءة لا تزال متاحة وممكنة»، لافتاً إلى أن «الاستمرار في تجاهل المحكمة والتهرب من الدفاع أمامها والتقليل من جديتها تثبت التهمة على المتهمين». وتابع قائلاً: «نكرر القول إن هدفنا ليس الانتقام ولا الثأر، بل تحقيق العدالة. إن ما تقدم ليس حكماً نهائياً، بل هو اتهام من الممكن ومن خلال المحكمة تبيان ثُغَره إذا ما وجدت وتوافرت الأجوبة المقنعة والقاطعة».

النائب المستقبلي محمد قباني أطلق مواقف قريبة من موقف رئيس كتلته، لناحية عدم المسارعة إلى إدانة المتهمين. لكن النائب البيروتي بدا كمن لم يسمع بتقارير دير شبيغل وهيئة الإذاعة الكندية وغيرها، ولا بالتنسيق الذي كان قائماً طوال زمن التحقيق بين رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن والرئيس سعد الحريري؛ إذ نفى قباني علم «تيار المستقبل» بأي تفاصيل تتعلق بالتحقيقات؛ «لأن التحقيقات سرية للغاية، ولا يملكها سوى أصحاب الشأن».

أما من طرف الأمانة العامة لقوى «14 آذار»، فبدا الابتهاج بصدور القرار طاغياً على البيان الذي صدر عقب الاجتماع الأسبوعي؛ إذ رأت أن نشر القرار الاتهامي «حدث استثنائي كبير». وطالبت الأمانة العامة حزب الله «بتسليم المتهمين الأربعة من أعضائه للعدالة الدولية». ورغم أن البيان شدد على أن «العدالة التي لا تقتص من طائفة أو مذهب أو جهة بل من مجرمين، يجب أن تتحقق، وعلى أن رفضها هو الفتنة بذاتها؛ إذ يتحدى اللبنانيون وشهداؤهم من كل الطوائف والأطياف»، فإن من قرأ البيان، أي منسق تيار المستقبل في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش سارع إلى الحديث عن «الخناق» الذي «بدأ يضيق على جهة وعلى الخيارات السياسية والناس الذين دعموا أو يريدون الاستمرار في دعم أو حماية المتهمين، والذين يجب عليهم على الأقل في الوقت الحالي أن يراجعوا حساباتهم».

بدوره، عبّر عضو كتلة «المستقبل» النيابية جمال الجراح، عن سعادته «لجلاء الحقيقة في قضية اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري». أما الوزير الكتائبي السابق سليم الصايغ، فكرر كلام فريقه السياسي السابق لصدور القرار، لناحية القول إن حزب الله يبدو كمن يتهم نفسه من خلال دفاعه عن المتهمين.

وفي مقابل قوى 14 آ ذار، ذكّر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إفطار أقامه أمس في السرايا، بأن «الحكومة التي التزمت في بيانها الوزاري احترام القرارات الدولية، مستمرة في هذا الالتزام، ولا سيما في ما خص عمل المحكمة الخاصة بلبنان والقضاء الدولي الذي نشر اليوم القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وهي خطوة متوقعة، في إطار الإجراءات التي تعتمدها المحكمة في ما خص التحقيق الدولي في الجريمة». ودعا ميقاتي «إلى التعاطي مع هذه المستجدات بوعي وحس عميق بالمسؤولية الوطنية»، آملاً أن «يتمكن التحقيق الدولي من جلاء الحقيقة كاملة إحقاقاً للحق والعدالة، مع المحافظة على استقرار لبنان ووحدته واستتباب الأمن فيه».

من جهة قوى 8 آذار، خرجت أصوات عديدة مشككة بمضمون القرار، وخاصة لناحية عدم استناده إلى أدلة مباشرة. بدوره، كرر السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي موقف بلاده من المحكمة الدولية، وخاصة لناحية وصفها بالمسيسة. وقال أبادي: «نحن أكدنا سابقاً موقفنا بالنسبة إلى المحكمة، وأعلنا أننا مع العدالة بعيداً عن التسييس، وهذا موقف أساسي ومبدئي لدى إيران ولا يتغير. ولا نستطيع أن نقول إلا الحقيقة. كل العالم يقولون «اللبن أبيض»، فهل يمكن أن نقول «إن اللبن أسود»؟ لا يمكننا أن نكون كاثوليكيين أكثر من البابا، وما دام المعنيون في المحكمة يقولون إنها سياسية، فماذا نقول نحن؟».


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024