إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية السورية لئلا يكون انتصار بطعم الهزيمة!!

أحمد أصفهاني

نسخة للطباعة 2014-05-27

إقرأ ايضاً


إذا لم تحدث مفاجآت حتى الثالث من حزيران، فإن الانتخابات الرئاسية السورية ستجري في موعدها، وسيفوز الرئيس بشار الأسد بفترة رئاسية ثالثة لمدة سبع سنوات. ليس هناك توقعات أخرى مناقضة. ومع أن المأساة التي تعانيها سورية الشام منذ أربع سنوات تلقي بظلال كثيفة على سلاسة العملية الانتخابية، فإن مجرد إجرائها يعتبر إنجازاً للدولة السورية، يُضاف إلى انجازها الأساسي بمنع سقوط سورية كلها في براثن المتربصين شراً بالشعب السوري.

من الطبيعي أن تصدر من هنا ومن هناك أصوات تندد بإجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف. وسترتفع نبرة الصياح دراجات أعلى بعد الفوز المتوقع للأسد. لكن شيئاً لن يتغير بالنسبة إلى ملايين السوريين، لا من جانب الحكومة ولا من جانب المعارضة، اللهم إلا إذا بادر الرئيس السوري نفسه إلى اتخاذ خطوات شجاعة جذرية تكسر الحلقة الجهنمية المفرغة التي تواصل تدمير البلاد والعباد بصورة منهجية مقصودة.

وقبل الدخول في التفاصيل، لا بد من إيضاح الفارق الحيوي بين النظام والدولة. النظام هو الأجهزة التي تتولى الحكم في فترة معينة، وتكون عرضة للتغيير والتطوير وما إلى ذلك. أما الدولة فهي مؤسسات الشعب العامة، لا تتأثر بتغيير النظام لأنها مرتبطة بمصالح الناس.

النظام صمد في وجه حرب داخلية ــ إقليمية ــ دولية واسعة النطاق، بل وانتقل خلال السنة الماضية من مرحلة امتصاص الصدمات إلى أخذ زمام المبادرة في مناطق المواجهات الرئيسية حيث حقق إنجازات ميدانية ملحوظة. غير أن ذلك لا يعني القدرة على الحسم النهائي في ظل موازين القوى الراهنة، خصوصاً أن بعض فصائل المعارضة المدعومة إقليمياً ودولياً لا مانع عندها على الاطلاق من استمرار معارك الاستنزاف ضد شعب سورية وجيشها.

الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون يعلنون بوضوح أنهم لا يرغبون في تفكك مؤسسات الدولة السورية وبالتحديد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى. لكنهم في الوقت نفسه يواصلون دعم غالبية أطياف المعارضة المسلحة طالما أن المواجهات تدور على الأرض السورية، وطالما أن "الإرهابيين" القادمين من مختلف أنحاء أوروبا يقاتلون ويُقتلون في ميدان المعارك السورية. ولذلك لسنا نتوقع من بعض فصائل المعارضة المرتهنة إلى الخارج، وتلك التي تعتاش على مخصصات مالية إقليمية، وغيرها من جماعات الفكر التكفيري الإقصائي الإرهابي، أن تبادر إلى وقف هذا القتال العبثي سعياً إلى كسر دائرة العنف التي لم يعد يستفيد منها الآن إلا أعداء سورية.

لو أمعنت المعارضة السورية، بكل تشعباتها وشرذماتها، النظر في الرفض الأميركي ــ الأوروبي ــ الإقليمي تزويدها بالسلاح المتطور الكاسر للتوازن مع القوات الحكومية، لكانت اكتشفت أن الاستمرار في القتال هو جنون عبثي في ظل عدم تكافؤ القوى. ولكان من أول واجباتها، حرصاً على ما تبقى من الوطن، أن تبحث عن وسائل أخرى لتحقيق "التغيير" الذي يطمح إليه الشعب السوري. لكن غالبية فصائل المعارضة باتت أسيرة رهانات خارجية بعيدة تماماً عن المصالح السورية العليا.

وهذا يوصلنا إلى الجهة التي بإمكانها كسر دوامة الدمار المجاني بعد سنوات أربع عجاف، وأقصد بذلك الرئيس الأسد بعد فوزه الأكيد في الانتخابات الرئاسية. لقد حقق النظام أقصى ما يستطيع، وأثبت الجيش قدرته وجاهزيته واستعداداته على رغم التضحيات العظيمة التي قدمها وما يزال. لقد كان الثمن باهظاً جداً. والأمة التي تدفع مثل هذا الثمن تستطيع أيضاً أن تقطف الثمار. لذلك نقول إنه قد حان الوقت للمبادرة السياسية التي تنطلق من موقع القوة (قوة الدولة وليس قوة النظام) ومن موقع الحرص (الحرص على الوطن وليس الحرص على النظام)!!

سنوات الحرب القاسية، والتدخلات الخارجية، أصابت المجتمع السوري في الصميم. كما أن الارتكابات الوحشية الميدانية وضعت الشعب السوري كله أمام تساؤلات مصيرية مستجدة. وهذا ما يتطلب تعاطياً يتجاوز المسكنات الحكومية الإصلاحية الجزئية. الرئيس الأسد مطالب، بعد فوزه المتوقع، بأن يدعو إلى مؤتمر تأسيسي حقيقي تشرف عليه وتديره حكومة وحدة وطنية جامعة. على أن توجه دعوة المشاركة في المؤتمر ليس فقط إلى القوى المؤيدة أو المتحالفة مع النظام، بل أولاً وقبل أي طرف آخر إلى قوى المعارضة السياسية الوطنية التي رفضت الارتباط بالخارج، ورفضت "عسكرة" المطالب الشعبية المحقة، ورفضت كذلك الانخراط في التدمير الممنهج لقدرات سورية وموقعها الاستراتيجي.

إن دعوة الرئيس الأسد إلى هذا المؤتمر التأسيسي المصيري الشامل يجب أن تترافق مع حكومة وحدة وطنية تعبر عن تطلعات الأمة، يقتصر برنامجها الوزاري المرحلي على نقطتين محوريتين فقط لا غير: وقف المواجهات أولاً، ثم رعاية المؤتمر ومتابعته الحثيثة وصولاً إلى نتائجه المرجوة. هذه الدعوة ستكون خطوة أولى في مسيرة السلم الأهلي الذي لا بديل عنه. فالسوريون المؤمنون بالوطن والدولة ووحدة المجتمع والدور المركزي الاستراتيجي لسورية، إذا جمعتهم الإرادة المخلصة الساعية إلى الانقاذ، هم وحدهم قادرون على وضع القواعد الجديدة لقيامة وطنهم... بعيداً عن أي مؤثرات خارجية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024