إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

استفتاء اسكتلندا ومستقبل أوروبا وخلاصة عربية

د. جورج جبور - البناء

نسخة للطباعة 2014-09-15

إقرأ ايضاً


يوم الخميس 18 أيلول 2014 سوف يتقرر مصير اسكتلندا، فتستقل عن المملكة المتحدة أو تبقى جزءاً منها. إلا أن من المؤكد، مهما كانت نتيجة الاستفتاء، أن اسكتلندا ستصبح إما مستقلة أو أكثر استقلالية ضمن المملكة المتحدة. الاستفتاء، بحد ذاته، إشارة إلى صعود القوميات المحلية في الدول الأوروبية الكبرى. هي قوميات غلبت على أمرها في مراحل مختلفة من التاريخ، وهي ترى في الصعود الاسكتلندي ضد أو ضمن الدولة الأوروبية الأكثر استقراراً سياسياً – ونعني بذلك المملكة المتحدة- مثالاً يقتدى به في عملية صعودها.

محركات الصعود الاسكتلندي

إلى جانب الموروث التاريخي منذ صلح عام 1707 والذي أتى نتيجة معركة عسكرية، ثمة أيضاً موروث لغوي يتمثل في لغة همشتها الإنكليزية معتمدة على التطورات السياسية. لكن الموروث التاريخي والتهميش اللغوي ليسا سببين مباشرين للصعود الاسكتلندي.

الأسباب المباشرة اقتصادية وسياسية بالدرجة الأولى. ولا ريب في أن الأسباب الاقتصادية هي المحرك الأكثر فعالية الذي قاد إلى المطالبة بالاستفتاء، تلك المطالبة التي أقنعت حكومة ديفيد كاميرون إلى القبول بإجرائه. أما الأسباب السياسية فقد نضجت، بوجه خاص، من خلال الشعور الاسكتلندي بغبن سياسي ناجم عن طبيعة التركيبة الحاكمة في لندن.

يمكن إجمال الشأن الاقتصادي بأمرين، اسكتلندا غنية بنفط يرى الاسكتلنديون أن ريعه لا يذهب إليهم بقدر ما يستحقون منه، ذلك هو الأمر الأول. أما الأمر الثاني فيتمثل في الازدهار الكبير الذي عرفته لندن ولا سيما في السنوات الأخيرة لناحية أنها عاصمة عالمية للمال والتحركات المالية، ولَّد هذا الازدهار شعوراً لدى الاسكتلنديين، ولدى سواهم من غير اللندنيين خصوصاً، والبريطانيين عموماً، بأنهم ريفيون تستغلهم المدينة المزدهرة.

ويرتبط الاقتصاد بالسياسة، في اسكتلندا هناك ميل إلى مفاهيم العدالة الاجتماعية التي قوضتها سياسة مارغريت تاتشر القائمة على أساس إعطاء معظم السلطة إلى قوة الرأسمال، ومن المعروف أن العنوان السياسي لقوة رأس المال هو حزب المحافظين، ومن مظاهر الاحتجاج السياسي الاسكتلندي على الشراكة القوية بين المحافظين ورأس المال، أن لاسكتلندا في مجلس العموم البريطاني 59 مقعداً ليس بينها في المجلس الحالي الذي انتخب عام 2010 إلا مقعداً واحداً للمحافظين، بينما يشغل حزب العمال أكثر من ثلاثين مقعداً. اسكتلندا إذن أكثر ميلاً لحزب العمال، إلا أن ميلها العمالي غدا فاتراً بعد التحولات الفكرية التي أدخلتها على الحزب قيادة طوني بلير، الابتعاد من المحافظين وضمور التوجه الاشتراكي لدى العمال أنتجا شعوراً اسكتلندياً بأن بلادهم مهملة على النحو الذي تهمل المدينة به الريف.

نقاشات معركة الاستفتاء

تركزت النقاشات حول بضع نقاط أهمها ثلاث كما يلي:

للاستقلال صعوباته: ينبغي للدولة الجديدة أن تحدث هيكلية لها، وهذا أمر له تكلفته المالية والزمنية والإدارية، يرد الاستقلاليون على هذه الحجة بالإشارة إلى أن غيرهم فعلها ونجح. الأمثلة: تشيكيا وسلوفاكيا والدول التي انبثقت عن يوغوسلافيا السابقة.

مسألة العملة: يؤكد سالموند الوزير الاسكتلندي الأول والرئيس الذي يقود الحركة الاستقلالية، أن الدولة الوليدة سوف تحتفظ بالجنيه الاسترليني عملة لها، ولا يقبل معارضو الاستقلال بهذا الطرح. ينكرون على اسكتلندا حقها بالحفاظ على الجنية عملة رسمية لها. يجيبهم الاستقلاليون: الجنيه ملك لنا بقدر ما هو ملك لكم، لقد بنيناه معاً. هذا الإشكال لا يزال قائماً يغذي النقاش اليومي.

مسألة الارتباط بالاتحاد الأوروبي: يود الاستقلاليون الارتباط بالاتحاد الأوروبي دولة كاملة العضوية على قدم المساواة مع الدول الأخرى، تعارض القيادة البريطانية هذا الارتباط، ففي الأمر معضلة، لكي تنضم دولة إلى الاتحاد لا بد من موافقة كل الدول أعضاء الاتحاد ومنها المملكة المتحدة. إذا عارضت لندن فلا ارتباط. يرد الاستقلاليون بأنهم دولة وريثة وليست دولتهم بحاجة إلى طلب ارتباط، تلك مسألة يعود حسمها في كل حال إلى الاتحاد الأوروبي الذي لا يساهم حالياً في الإضاءة على هذه النقطة.

الرئاسات البريطانية والاستفتاء

كانت استطلاعات الرأي في البداية تشير إلى تقدم أنصار استمرار اسكتلندا في المملكة. تطورت نتائج الاستطلاعات في الفترة الأخيرة، فاقترب الطرفان من التساوي وبذلك اشتد التنافس، تراوحت سياسة كاميرون في التعامل مع الاستفتاء، بدا أحيانا ممارساً للتهديد ولا سيما في البدايات، ثم أصبح مناشداً. أما في الفترة الأخيرة، قد أخذ يمارس فن الإغراء، ملوحاً للاسكتلنديين بمزيد من التدابير الاستقلالية – أي بتوسيع إدارتهم لشؤونهم إن استمروا في المملكة.

في خطاباته الموجهة إليهم يعتمد كاميرون على العقل والعاطفة، ويعبر عن القلق من تحجيم المملكة إن نجح الاستقلاليون، هو يخشى على مكان المملكة في العالم، بل ويخشى من إمكان خسارة المملكة ما تتمتع به من حق النقض في الأمم المتحدة، ومن المفيد في كل حال إخضاع خطاباته بشأن الاستفتاء إلى مزيد من التحليل، ولا سيما في منطقتنا من العالم، إذ مارست المملكة هيمنة لم تبلغها غيرها من الدول الغربية الكبرى. من المفيد أن نتمثل كيف يشعر القوي بضعفه أمام أزمة وجودية لم يسبق أن واجهها من قبل، وبما أنني اطلعت على هذه الخطابات فلا بأس من أن أقول إنها أحيت في الذاكرة والوجدان خطاباتنا عن ضرورة الوحدة العربية وفوائدها.

في 8 أيار 2011 فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بـ69 مقعداً من أصل 129 من مقاعد البرلمان الاسكتلندي الذي يجتمع في العاصمة أدنبرة. في شباط 2012 جرى الاتفاق على إجراء الاستفتاء وعلى السؤال الوحيد البسيط في صيغته: «هل تريد اسكتلندا مستقلة أم لا؟». الإجابة بنعم تضعف رئاسة كاميرون، ولكنها أيضاً قد تؤدي إلى شرخ جديد في كيان المملكة التي تضم أربع أمم هي إنكلترا واسكتلندا وإيرلندا الشمالية وويلز. إذا استقلت اسكتلندا، بل وربما إن لم تستقل، ستكون لويلز «همروجة» مع فكرة الاستقلال.

أيّ مستقبل لأوروبا وأممها التي لا دول لها؟

مهما كانت النتيجة التي سيأتي بها استفتاء 18 أيلول فثمة ظاهرة واضحة في العالم، وفي أوروبا بشكل خاص، هي صعود النزعات المحلية – سواء أطلقنا عليه صفة قومية أو لم نطلق – ضمن إطار الدولة الراهنة. هذا الصعود مستمر وسيستفيد من الاستفتاء الاسكتلندي إما استمراراً في الصعود العادي الذي سيدعمه استحواذ اسكتلندا على مزيد من صلاحية إدارة شؤونها بنفسها إن فشل الاستقلاليون، أو تحولاً نوعياً في الصعود إن نجح الاستقلاليون.

وثمة بعد الاستفتاء الاسكتلندي استفتاء له موعد قريب مرجّح في 9 تشرين الثاني 2014. قد تقدم السلطة الكاتالونية في ذلك التاريخ على إجراء استفتاء على الاستقلال عن إسبانيا، قد تقدم عليه منفردة من دون رضى السلطة الإسبانية، خلافاً لما كانت عليه الحال في اسكتلندا، وقد يُغيّر الموعد إن حصل اتفاق بين السلطتين الكاتالونية والإسبانية. في كل حال، سيكون لذلك الاستفتاء أثر أكبر ضمن القارة العجوز، ولاسيما أنه يجرى في منطقة شهدت توتراً استقلالياً دموياً دام سنوات طويلة وهو المتمثل في المسألة الباسكية.

ولا نهاية لحديث النزعات الاستقلالية الأوروبية. في بروكسيل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، ثمة مكتب يضم حوالى أربعين حزباً استقلالياً يطلق على نفسه اسم «الائتلاف الأوروبي للأمم التي لا دول لها». يترأس المركز كورسيكي من نشاطاته هذه الأيام الترويج لاستقلاليي اسكتلندا، وفي مكتبه خريطة بالألوان لأوروبا تظهر مئة دولة وتزيد.

وتبقى أسئلة كثيرة من طبائع مختلفة. قانونياً، متى يكون الاستفتاء شرعياً إن لم يتوافق عليه الطرفان أو الأطراف؟ إجرائياً، ما مدى الاعتماد على آليات الرقابة الدولية. سياسياً، ما مدى التدخل الأجنبي في إثارة النزعات الاستقلالية واستغلالها؟ ثم ما مكان العنف في العملية الاستقلالية؟ وتبقى بعد الأسئلة التقليدية الكبرى: ما هي القومية؟ ما الذي يميز جماعة من المواطنين في الدولة الواحدة عن جماعة أخرى؟

خلاصة عربية

أتوقع أن تكون لدينا عام 2016 بعد عامين، وقفات مطولة عند ما جرى بين سايكس الإنكليزي وبيكو الفرنسي ما أدى إلى تقسيم بلاد الشام، أتفهم أن لدينا جميعاً مخاوف من «سايكس بيكوات» جديدة. نناضل في سورية من أجل وحدة العرب، ونكافح الإرهاب الذي يحاول تهديد وحدة دولتنا الراهنة. ضمن هذه الظروف التي إليها ألمحت، من المفيد لنا أن نراقب بإمعان النزعات الاستقلالية لدى غيرنا لكي نتحاشى الأسباب التي أدت إلى صعودها، ولكي نعالج هذه الأسباب، ولو متأخرين عن زمن وقوعها.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024