إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الغرب والصين: هل يُصلح الاقتصاد ما أفسدته السياسة؟

إنعام خرّوبي - البناء

نسخة للطباعة 2015-11-02

إقرأ ايضاً


على وقع التصعيد الذي أدّى إلى توتير العلاقات الصينية ـ الأميركية، بعد خرق مدمرة أميركية تحمل صواريخ موجهة، منطقة أعلنت الصين ملكيتها لها حول شعاب سوبي وميتشيف في أرخبيل سبراتلي في بحر الصين الجنوبي، ووسط سياسة الانفتاح الذي تنتهجها الصين تجاه دول الاتحاد الأوروبي، جاءت زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى بكين. وتأتي هذه الزيارة في إطار ديبلوماسية نشطة بادرت إليها الصين في عهد الرئيس شي جينغ بينغ، وبعد زيارتين ناجحتين للأخير إلى كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي. كما أنها تأتي بعد اجتماع عقده الحزب الشيوعي الحاكم في الصين ركز فيه على الإصلاحات المالية وكيفية الحفاظ على النمو عند مستوى سبعة في المئة تقريباً ووضع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للسنوات الخمس المقبلة، وسط قلق متزايد من تباطؤ الاقتصاد الصيني، ولا سيما أنّ الصين خفّضت أسعار الفائدة ستّ مرات خلال أقلّ من عام.

ويرى محللون أنّ هذه الزيارة، التي من المرتقب أن تعقبها زيارة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى بكين، جاءت لتؤكد على ثقة أوروبا بالاقتصاد الصيني بعد الهزة التي تعرّض لها قبل أشهر، والتي أثارت تكهّنات حول متانته.

فقد أظهرت بيانات نمو الاقتصاد الصيني 6.9 في المئة خلال الفترة من تموز إلى أيلول، بالمقارنة مع العام الماضي.ومن المعلوم أنّ الصين هي أحد اللاعبين الرئيسيين حالياً في الاقتصاد العالمي، وواحدة من أكبر عشر دول مصدّرة في العالم، ويُتوقع أن تملك أكبر اقتصاد في العالم خلال العقد الثالث من هذا القرن.

الزيارة استهلت بتوقيع الصين صفقة لشراء مئة طائرة «إيرباص إيه 320». كما تمّ توقيع اتفاق إطاري لتعاون استراتيجي بين شركة «فولكسفاغن» الألمانية لصناعة السيارات والبنك الصناعي والتجاري الصيني، حيث رافق ماتياس موللر، الرئيس التنفيذي الجديد لمجموعة فولكسفاغن أكبر منتج سيارات في أوروبا والتي تبيع ثلث إنتاجها في الصين، المستشارة الألمانية في زيارتها.

وأكدت ميركل خلال لقائها رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ «ثقتها» بقدرة ثاني اقتصاد في العالم «على الصمود في مواجهة التحديات»، معلنة أنّ ألمانيا ستكون مسرورة إذا أدرج صندوق النقد الدولي اليوان الصيني في سلة عملاته لحقوق السحب الخاصة. كما أنها ستؤيد إبراماً «سريعاً جداً» لمعاهدة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين والتي ستفتح الطريق أمام دراسة للجدوى في شأن محادثات للتجارة الحرة.

وقال تشيانغ، بدوره، إنّ بلاده ستكون سوقاً ضخمة لألمانيا، في حين يمكنها أن تتعلم من الصناعة الألمانية، مشدّداً على جهود إعادة التوازن التي بدأتها بكين وتستهدف «الارتقاء بجودة» الصناعات الصينية، لصالح التكنولوجيا الحديثة والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية.

ولم تخلُ الزيارة من التصريحات والمواقف السياسية، فقد تطرّق الجانبان إلى الأزمة السورية، معربين عن اعتقادهما بضرورة إيجاد حلّ سياسي لها.

وقال رئيس الوزراء الصيني إنّ الحاجة إلى حلّ الوضع في سورية «تزداد إلحاحاً»، معتبراً أنّ «أهمّ شيء هو اغتنام الفرصة لتنفيذ حلّ سياسي، وإقامة حوار متوازن شامل ومفتوح».

وقالت ميركل من جهتها: «نحتاج إلى حلّ سياسي ديبلوماسي. من الضروري إيجاد هذا الحلّ».

وبغضّ النظر عن الطابع الاقتصادي الذي يطغى على الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين الصينيين والأوروبيين، وزيارة الرئيس الصيني إلى واشنطن، يذهب مراقبون إلى أبعد من ذلك، منطلقين من خلفية التباعد الذي حصل مؤخراً بين الصين وروسيا حول بعض الملفات الدولية، ولا سيما الملف الأوكراني، بعد أن دعمت الصين طموحات أوكرانيا بالحصول على مقعد في مجلس الأمن، علماً أنّ العلاقات الاقتصادية بين الصين وأوكرانيا توسعت كثيراً، بعد ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، وتجلى ذلك في صفقة القمح الأوكرانية الضخمة مع الصين. وكما بات معلوماً، فإنّ بكين، وعلى الرغم من تحالفها الاستراتيجي مع موسكو، تتبنى سياسة أكثر حذراً وأقلّ ميلاً إلى التصعيد مع العالم الغربي من الأخيرة، لأسباب مختلفة. وهي كذلك، لا تنظر بارتياح إلى ضمّ موسكو لشبه جزيرة القرم، خشية أن تنعكس آثار ذلك على أوضاع الأقاليم الصينية التي تطالب بالانفصال، كإقليم التيبت. هذا بالإضافة إلى الخلاف الروسي ـ الصيني حول ملف جنوب السودان، وقد صوتت الصين الشهر الماضي لصالح قرار تعديل تفويض بعثة حفظ السلام في جنوب السودان لتمكينها من الوقوف على تنفيذ الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في الآونة الأخيرة بين الأطراف المتحاربة، في وقت امتنعت روسيا عن التصويت بسبب مخاوف من فرض عقوبات ونشر طائرات مراقبة من دون طيار.

تجدر الإشارة، إلى أنّ الصين ترتبط بعلاقات ديبلوماسية كاملة مع ألمانيا منذ فترة طويلة وكذلك بعلاقات اقتصادية عميقة حيث أعلنت الغرفة التجارية الألمانية في الصين أنّ حجم التجارة الثنائية بين البلدين ارتفع إلى مستوى قياسي عام 2014. وتشير تقارير اقتصادية إلى أنّ حجم المبادلات التجارية بين البلدين وصل في 2013 إلى 161.5 مليار دولار. كما تعدّ بكين الشريك التجاري الأول لبرلين في آسيا، في حين أنّ ألمانيا هي الشريك التجاري الأول للصين في أوروبا، ويتم التداول على أسهم نحو عشر شركات صينية في بورصة فرانكفورت. واللافت أنّ هذه العلاقات التجارية الوطيدة تجعل الاقتصاد الألماني مرهوناً بصورة خاصة بظروف الاقتصاد الصيني.

على مدار سنوات، ظلت المنافسة شديدة بين البلدين، للحصول على لقب بطل العالم للتصدير وقد فازت به في نهاية المطاف الصين، فيما حلّت ألمانيا في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة.

وتشتري الصين من ألمانيا مجموعة واسعة من المنتجات، تراوح بين المعدات الثقيلة والمنتجات الكيماوية، وحدّدت الحكومتان هدفاً، رفع المبادلات التجارية بينهما إلى 200 مليار يورو في 2015.

انطلاقاً من كلّ هذه المعطيات، هل يمكن القول إنّ زيارة ميركل إلى الصين تعطي مؤشرات حول استمرار سياسة «الوفاق الاقتصادي» بين الغرب والصين، رغم العراقيل السياسية؟ هل يصلح الاقتصاد ما أفسدته السياسة، أم أنّ الأخيرة ستبقى عنصر تهديد «كامن» قد يطيح بالترابط الاقتصادي بينهما في مقبل الأيام؟

لعلّ الإجابة تتعلق إلى حدّ بعيد بالوضع في بحر الصين الجنوبي، وبمدى قابلية «صرف» التصعيد الكلامي الأخير بين واشنطن وبكين، في الميدان، وعلى أرض الواقع.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024