إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

بريطانيا تحسم خيارها بـ «أبغض الحلال» مع أوروبا!

إنعام خرّوبي - البناء

نسخة للطباعة 2016-06-27

إقرأ ايضاً


في حدث لا يخلو من دلالات وتداعيات سياسية واقتصادية كبرى، صوّت البريطانيون على خيار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. انتهت العضوية البريطانية في الكتلة الأوروبية بعد مدة تفوق الأربعة عقود، بضربة قاضية وجّهها أكثر من ثلاثين مليون بريطاني صوّتوا بنسبة 51.9 في المئة لصالح الخروج من الاتحاد، مقابل 48.1 في المئة صوّتوا من أجل البقاء فيه.

واللافت في نتائج الاستفتاء كان تصويت إنكلترا وويلز إلى جانب الخيار الأول، فيما مالت دفة الأصوات الاسكتلندية والإيرلندية باتجاه الخيار الثاني. وكما بات معلوماً، فقد تسلّح أنصار «معسكر الخروج» بمبلغ يقارب الثلاثة عشر ملياراً تضخُّها لندن سنوياً في ميزانية الاتحاد الأوروبي، إلى جانب موجة التذمُّر من نسب النمو في الاقتصاد البريطاني التي تكاد تكون صفراً، فضلاً عن طريقة تعاطي الاتحاد مع أزمة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانه، والذين يناهز تعدادهم في المملكة المتحدة حوالي 863 ألفاً، فيما تمسَّك أنصارُ «معسكر البقاء» بمزايا يوفرها «النادي الأوروبي» لأعضائه ولا يمكن لبريطانيا أن توفرها لنفسها بنفسها، كمستويات الاستثمارات الخارجية المرتفعة في المملكة المتحدة والتي تعود أسباب ارتفاعها إلى الثقة باقتصاد بريطانيا، بوصفه جزءاً من السوق الأوروبية المشتركة.

وسياق في ردود الأفعال الأولية على نتائج الاستفتاء، صرّح زعيم حزب «الاستقلال» البريطاني نايجل فاراج بأنه عيد استقلال جديد للبلاد، فيما أعلن رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون عن نيته الاستقالة بحلول تشرين الأول المقبل، موعد انعقاد مؤتمر حزب «المحافظين» الذي ينتمي إليه كاميرون. وبعد موجة إرباك كبيرة طاولت الأوساط السياسية في الآونة الأخيرة التي سبقت الاستفتاء، فإنّ المرحلة التي ستليه لن تكون، على الأرجح، أفضل حالاً نظراً للتصدعات المتوقَّعة في المشهد السياسي الداخلي البريطاني جراء الاستفتاء الذي يُهيمن عليه حزب «المحافظين» وحزب «العمال» اللذان لن يكونا بمنأى عن استحقاقات مصيرية قريبة، كمسألة حسم الصراع على الزعامات، ودورهما في صيغة الحكم المقبل، علماً أنّ هناك محاولات لإعادة إجراء الاستفتاء من جديد، بعد وصول عدد تواقيع المواطنين البريطانيين المطالبين بذلك إلى ما يزيد عن المليوني توقيع.

وبينما كانت الأنظار تتّجه إلى ردود الفعل المرتقبة في الكيانات الواقعة ضمن جغرافيا «بريطانيا العظمى»، لا سيما اسكتلندا التي أعلنت رئيسة حكومتها نيكولا ستيرغون أنّ خيار استفتاء الانفصال أُعيد وضعه على طاولة البحث مجدّداً من أجل «الطلاق» مع لندن، كخطوة أولية لإعادة الروابط الأكبر مع أوروبا، كانت تحذيرات البعض تشير إلى تداعيات الزلزال البريطاني على مختلف أقطار «القارة العجوز»، لا سيما فرنسا وهولندا وإيطاليا واليونان والمجر وبعض الدول الاسكندنافية. ففضلاً عن التراجع غير المسبوق بنسبة عشرة في المئة، الذي سجله الجنيه الإسترليني للمرة الأولى منذ العام 1985، لم تسلم بورصات باريس وفرانكفورت وغيرها من البورصات الأوروبية، بدورها، من موجة الخسائر الفادحة.

وعن السيناريوات المتوقعة بعد الخروج البريطاني الذي لن يكون تلقائياً، على ضوء مهلة السنتين القابلة للتمديد التي تمنحها «المعاهدة الأوروبية» للدولة المعنية، بعد الاتفاق معها، لإنجاز عملية الانفصال عبر توقيع ما يسمّيه البعض «اتفاقية انسحاب» من الاتحاد الأوروبي، خلصت إحدى الدراسات الغربية إلى القول إنّ «السيناريو الأفضل، عند خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2018، هو أن تتمكن لندن من الفوز بوضع مشابه لسويسرا، أي بوضع اتفاقية تجارة مع شركائها السابقين في الاتحاد الأوروبي»، أما السيناريو الأسوأ، بحسب الدراسة، فيتمثل بفقدان بريطانيا لاتفاقيات التجارة الحرة، حيث ستبلغ الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي لكلّ فرد بين 0.6 و 3 في المئة، ما سيكلف اقتصاد المملكة المتحدة 224 مليار جنيه استرليني. واعتبرت صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية، من جهتها، أنّ الأضرار الناجمة عن انسحاب بريطانيا من «التكتل الأوروبي» سوف تمتدّ لتطال الاتحاد الأوروبي كذلك، لأنّ المملكة المتحدة هي أكبر شريك تجاري لمنطقة اليورو، ومعروف أنها تشكل 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بأسرها. وهناك من يتخوّف، من انعكاسات خروج بريطانيا من العباءة الأوروبية على «التكامل الأوروبي العام»، وعلى أداء اقتصادات البلدان الأوروبية كالاقتصاد الألماني الذي من المتوقع، بحسب التقديرات الأولية، أن يتكبّد خسائر تتراوح ما بين 6.2 مليار جنيه إسترليني و41 مليار جنيه إسترليني، ناهيك عن التوقعات بأن تواجه كلّ من إيرلندا ولوكسمبورغ وبلجيكا ومالطا وقبرص خسائر متوسطة.

«الحدث المؤسف»، بحسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت، و«اليوم الحزين بالنسبة لبريطانيا والاتحاد الأوروبي»، كما وصفه وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، كان له أنصاره ومؤيدوه أيضاً على المستوى القاري من أمثال زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» في فرنسا مارين لوبان، حيث تبلغ نسبة الاستياء من مؤسسات الاتحاد الأوروبي نحو 61 في المئة، وغيرت فيلدز زعيم «حزب الحرية» في هولندا حيث تتواتر بين الحين والآخر الأفعال والتصريحات المعادية للمهاجرين. فالزعيمان المحسوبان على جناح اليمين المتطرف في أوروبا، المعارض لـ«الكيان الأوروبي الكبير»، وللسياسات الأوروبية المتبعة في ملف اللاجئين، عبّرا عن رغبتهما في إجراء استفتاء مماثل في بلديهما، في حين يُعدُّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أشدّ المستفيدين من نتائج الاستفتاء.

قد يتوقف البعض عند الآثار السياسية للحدث الذي يبدو أنّ النقاش الاقتصادي هو الغالب على معطياته. فبريطانيا لطالما مثلت، في نظر البعض، «السفير الأوروبي» لأميركا داخل «مؤسسات بروكسل»، لا سيما أنّ مواقفها لطالما شكلت حجر عثرة أمام توحيد السياسة الخارجية الأوروبية، على غرار ما شهدنا إبان غزو العراق عام 2003 حين خرجت لندن عن «الإجماع الأوروبي». كما أنها عارضت على الدوام اتخاذ أيّ خطوات جدية لإقامة قوة عسكرية أوروبية موحّدة وفاعلة.

على هذا الأساس، يتحدّث البعض عن» بريطانيا أخرى»، وينتظر آخرون «أوروبا جديدة» تخرج عن ثوب تقليدي شكلت «أعلام المواقف» البريطانية الملحقة بالسياسات الأميركية إحدى العلامات الفارقة المميّزة له. هنا يجوز التساؤل: أيّ مستقبل ينتظر بريطانيا؟ وأيّ دور وصورة ستكون عليهما أوروبا بعد الطلاق مع لندن؟ وأين سيصرف كلّ ما جرى في سياسة واقتصاد العالم؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024