إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

كيف تنخرط النخب في الحياة السياسية؟

د. لور أبي خليل - البناء

نسخة للطباعة 2017-06-01

إقرأ ايضاً


تنبع النظريات السياسية، بحسب روبير دال، من حقيقة أنّ كلّ البشر يحيون في مجتمع، لكنّهم لا يشعرون بالحاجة إلى المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية، ولا إلى الاعتزاز بالمؤسسات والقيم السياسية لمجتمعهم. فهؤلاء الأشخاص يفترض بهم أن يوجدوا داخل حدود نظام سياسي لا يكونون فيه عادة مهتمّين بالحياة السياسية بالدرجة نفسها، لأنّ الإنسان عادة يكون مرتبطاً بالوسطاء المحيطين به مثل العائلة ومكان العمل ومكان الصلاة، وليس بالحياة المتعلقة بالدور الذي تقوم به السلطة التنفيذية. وبهذا يحيون معاً من دون الدخول في علاقات النفوذ التي تشكل النظم السياسية.

في ظلّ هذا الأمر تطرح الإشكالية التالية: ما هي الأسباب التي تؤدّي الى ضعف المشاركة السياسية في لبنان؟

كرّس الدستور في لبنان مبدأ الديمقراطية في مقدّمته «لبنان جمهورية برلمانية»، في الفقرة «ج»، ما يعني حرية مشاركة المواطنين في الحياة السياسية، ومع ذلك نجد الكثير من اللبنانيين غير المهتمين بممارسة حقوقهم أو بالقيام بالتزاماتهم السياسية، والذي يثبت ذلك أنّ حوالى نصف الناخبين اللبنانيين الذين يحق لهم التصويت لا يشاركون عادة في الانتخابات النيابية، ونسباً أكبر بكثير يمتنعون عن المشاركة في أنواع أخرى من النشاطات السياسية إذا لم تخدم انتماءاتهم المذهبية والمناطقية.

لماذا؟

بالرغم من ارتفاع نسبة التعليم في لبنان مقارنة بباقي الدول العربية لم ينخرط معظم اللبنانيين بالحياة السياسية بشكل كافٍ. ويعود ذلك إلى أنّ مفهوم المواطنة ضعيف جداً، لأنّ الفرد يتّصل مباشرة منذ ولادته بطائفته، لا بل أكثر بمذهبه، وعندما يبدأ بالمشاركة السياسية ينتظر مكافأة عن كلّ نشاط سياسي يقوم به، مما يعزّز في سلّم قيمه الرشوة والمحاباة في شراء الأصوات في يوم المشاركة السياسية، خصوصاً أنّ اللبناني لم يتعوّد أن يفي بالتزاماته كمواطن إلا ضمن التزامه المذهبي والمناطقي وليس ضمن تفاعله الاجتماعي لتحقيق انتصار لبرنامج ما أو لسياسة عامة تهدف الى التنمية المستدامة، إذ يعتبر العديد من الناس أنّ النشاط السياسي أقلّ مكافأة بكثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والترفيهية.

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الانخراط في الحياة السياسية في لبنان مرتبط بالفوائد الخاصة التي يحصل عليها الفرد مثل الحصول على وظيفة أو مساعدات مادية او تعقيب معاملات في الإدارات الرسمية، والتي لا يستطيع أن يقدّمها له إلا زعماء الطوائف او العائلات السياسية. فنرى أنّ المثقفين الذين يشكّلون العصب الأساسي في التغيير الاجتماعي لا يهمّهم أبداً الانخراط في الحياة السياسية، لأنّ مشاركتهم لا تحدث أيّ فرق في النتائج الانتخابية، وأنّ المرشحين المذهبيين والمناطقيين لا يمثلون أفكارهم وتوجّهاتهم في التغيير فتكون ثقة النخب بالتغيير شبه معدومة.

وهنا يظهر مفهوم «انعدام الثقة سياسياً»، لأنّ الشخص غير واثق بالتغيير تضعف ثقته في انخراطه بالحياة السياسية، لأنه يعتبر نفسه غير فعّال أو مؤثر مما يقلص تدريجياً الشعور بالانتماء الوطني. ومن جراء ذلك نستطيع أن نستنتج أنّ انخراط النخب في السياسة يضعف الاحتمال في التغيير، لذا نرى أنّ لمعظم النخب الثقافية تبعية لزعمائهم الطائفيين.

وهنا أقول للقوى التي تطلب الإصلاح والتغيير إنّ إرساء معايير العدالة الاجتماعية وتفعيل دور الشرعية وإصلاح القرارات السياسية قد تجعل مشاركة النخب أكثر فعالية، خصوصاً اذا كانت هذه النخب تملك المعرفة والجدارة التي تستطيع من خلالهما المشاركة الفاعلة في رسم السياسات العامة كما يفترض بنا أن نؤكد أنّ مبدأ فصل الدين عن الدولة هو معيار أساسي في التغيير والإصلاح فأوجّه مقالي إلى فخامة رئيس الجمهورية وأطلب منه تسهيل إرساء مبادئ المجتمع المدني التي تبدأ بفصل الدين عن الدولة، لأني على ثقة تامة بأنه يؤمن بهذه المفاهيم، ولأنه فقط بهذه الطريقة يسمح بتفعيل انخراط الفرد في الحياة السياسية مما يعزّز الحوكمة والإدارة الرشيدة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024