إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

سعـاده فـي مـديـنة صـور بقلم الرفيق حسن مرتضى

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2017-06-01

إقرأ ايضاً


في كتابه "ونبقى معه"، يورد الرفيق حسن مرتضى، عن زيارة حضرة الزعيم إلى مدينة صور في أواخر أربعينات القرن الماضي. لتاريخنا، لمعاني القدوة، للتأكيد على روحية الحزب ولمعنى السعي إلى تأسيس نهضة في الأمة، وللأمة، ننقل بالنص الحرفي تلك المقالة.

ل. ن.

*

أول مرة رأيته فيها عن قرب بعد ذلك الاستقبال التاريخي الحافل يوم عودته من مغتربه القسري ربيع 1947، كانت صيف العام ذاته على (بوابة صور) أذكر كيف أصرّ يومها أن نقطع المسافة التي تفصلنا عن منزل الرفيق الدكتور شكر الله الحداد(1) سيراً على الأقدام... وكيف تمهّل وتأنّى في خطواته وهو يرنو بناظريه إلى تلك السفن العائدة إلى الميناء لتنضم إلى مثيلاتها في الحوض الواسع وكأنه أحد الكهنة في معبد ملكارت...

ويشرد بأفكاره إلى البعيد البعيد ليرى الأشرعة ذاتها وهي تقلع من هذا المرفأ الفينيقي تحمل إلى العالم "أوروبا وقدموس وإليسار وهانيبعل وأقليدس وزينون" وغيرهم وغيرهم من الرواد الأوائل، منارات أضاءت ليل العالم...

ويفاجئه بوقفته العسكرية مارد أسمر تسلل من بين الشباك المنتشرة على امتداد رصيف الميناء هاتفاً: تحيا سورية...

ويقطر من بين أصابع كفه اليمنى المتطاولة إلى العلاء رحيق أعشاب البحر التي كان منهمكاً بتخليص شباك جاروفته بما كان قد علق فيها...

ويصافح الزعيم الرفيق صالح فران أو (صالح شيخ الضيعة) كما يناديه زملاؤه من البحارة... ويأبى الرفيق صالح إلا أن تلامس شفتاه خد الزعيم لتبقى تلك القبلة أغلى وسام غنمه في حياته...

ويتعالى الهتاف والتصفيق من مقهى الميناء المنتشرة كراسيه وطاولاته تحت خيمة واسعة أرساها (المعلم شحاده) على حطام بعض الصواري وغطى سقفها بما توفر لديه من مزق أشرعتها وتطل من بين الجموع المندفعة للترحيب بالزعيم وجوه مميزة في الشارع الصوري فهذا هو الرفيق "أبو سامي" شيخ الحمّالين والمشهور بحمل ما يعجز عنه الآخرون...

وذاك هو الرفيق "أبو خليل" القبضاي المعروف والذي تكاد تظهر قبضة مسدسه من تحت قميصه...

وذلك هو الرفيق "أبو حسين" الذي يدوي صوته كقصف الرعد حتى ليكاد يصل مداه إلى مشارف البص وهو ينادي على أطيب وأشهى نمورة: طيبين، يُموسِقها ويمطها حرفاً بعد حرف...

وغيرهم من الرفقاء الذين يضيق بهم وبزملائهم من البحارة والعمال هذا المقهى الشعبي....

ويسارع المعلم "شحادة" لينثر ما طالته يداه من زهر تلك الياسمينة العجوز التي تكاد تغطي سقف المقهى على مقدمة الموكب...

ويتوقف الزعيم لحظات وهو يتأمل في هيكل سفينة يداعب أخشابها أزميل محترف صوري من آل بربور إشتهرت عائلته منذ القدم بصناعة السفن والمراكب الشراعية فيحييه ويشيد بأعماله...

ولا يكاد الموكب المتنامي يصل إلى مدخل منزل الحكيم (شكرالله حداد) حتى تنطلق زخات الرصاص مرحبة بالزعيم، وتجنح إحداها فتصيب جانباً من الشرفة يأبى الرفيق شكر الله أن يمس مكانها أحد في كل مرة يعاود فيها ترميم منزله... فهي شامة ووسام وهي الشاهد على أجمل يوم في حياة الدكتور شكر الله الحافلة أيامه بالعطاءات والمآثر التي لا تزال صور ومنطقتها تتحدث عنها حتى اليوم بتقدير وإعتزاز...

ويربّت الزعيم بحنان على كتف "أبي خليل" هامساً في أذنه: أما كان من الأفضل يا رفيقي أن تحفظ هذه الرصاصات ليوم آخر...

ويأبى الزعيم إلا أن يُعرّج على منزل الرفيق المناضل خليل توفيق حلاوي (أول منفذ عام لمدينة صور) حيث غصت الحديقة هناك بجموع الرفقاء والمواطنين المتشوقين لمشاهدة الزعيم...

وما كاد الموكب يقترب من المنزل حتى دوّى المكان بعاصفة من التصفيق والهتاف ردّ عليها الزعيم برفع يمناه وبتلك الإبتسامة المميزة على أساريره...

واستراح على كرسيه بين تلك الجموع يرد على تحيتها ويجيب على تساؤلاتها، ويسأله صديق كان قد إلتقاه في البرازيل:

حضرة الزعيم إذا كانت بلادنا الجميلة تفيض بالخيرات ولا ينغص صفاء عيشها سوى وجود وحش كاسر يتهددها بين الحين والحين فما هو الحل في نظرك لإعادة الطمأنينة إلى نفوس أبنائها؟؟؟

ويفترّ ثغره عن الإبتسامة ذاتها وتنساب الكلمات هادئة كمياه جدول في حقل بعيد...

" يا رفيقي العزيز أنت من صور وتسألني مثل هذا السؤال؟؟

ألم تقرأ في حكايا آبائك وأجدادك كيف تقهقر الغزاة والبرابرة وكل أولئك الطغاة الذين دانت لجبروتهم وقوتهم الأمم، عن أسوار هذه المدينة البطلة، مغلوبين مذعورين تاركين جثث جنودهم وقادتهم طعاماً سائغاً لأسماك البحر ووحوش البر؟؟؟ نحن أمة حية يا رفيقي... وإذا كانت الزلازل والأعاصير قد دمرت مدننا وقرانا فإن إرادة الحياة والصراع ما زالت تنبض في شرايين شعبنا...

كل ما نحن بحاجة إليه هو أن نعرف كيف نتوحد لرفع هذه الأنقاض عن بلدنا... عن نفوسنا. أما حكايتنا مع الوحش والتنين فيحدثك عنها جلقامش والخضر وملكتكم البطلة إليسار.

ولما كان قد داهمه الوقت إذ كان مدعواً لتناول طعام الغداء على مائدة قنصل لبنان الفخري في شاطئ الذهب (غانا اليوم) إلى جانب سفيرها في لبنان فقد سارع إلى توديعنا وسط هتاف رافقه حتى السيارة التي أقلته إلى منزل الأستاذ صلاح الخليل على مدخل صور(2).

*

هوامش:

(1) كنا نشرنا نبذة عن السيرة الشخصية والحزبية للرفيق الدكتور شكرالله حداد. مراجعة قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info.

(2) ذكر اكثر من رفيق من القدامى (ومنهم الرفيقان علي حمزة وعبد الحسين زلزلي) ان الزعيم لم يتغدّ في منزل صلاح الخليل انما في منزل مدير مديرية صور، ذلك ان زيارة الزعيم كانت لتفقد الفروع الحزبية في صور. نحن نميل الى الاخذ بما جاء في مقالة الرفيق حسن مرتضى الا اذا وردت معلومات إلينا تؤكد العكس.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024