 عرفت منطقة الزلقا – جل الديب، كما "المثلث الثقافي" المكون من ثلاث قرى: بيت مري، برمانا ورومية الحزب منذ التأسيس وكنت اشرت الى ذلك في مناسبات عديدة، وتمنيت على الرفقاء الذين نشطوا حزبيا في تلك الفترة ان يسجلوا معلوماتهم عن الحضور القومي الاجتماعي فيها.
شكرا حضرة الأمين فاروف أبو جودة الذي خصص سنوات عديدة من جهده ووقته لانجاز هذه المعلومات الغنية عن الحزب في الزلقا، ننشرها كاملة كما وردتنا على أجزاء، مسجلين تهنئتنا لحضرة الأمين فاروق على ما كان انجزه عن تاريخ العمل الحزبي في الكاميرون(1) على امل ان يستمر في اتحاف المكتبة القومية الاجتماعية بالمعلومات الكثيرة الغنية عن تاريخ حزبنا في جل الديب وغيرها من البلدات في المتن الشمالي.
ل. ن.
*
نشط الحزب القومي بشكل سري مدة ثلاث سنوات 1932 – 1935.
وعندما انكشف أمره اعتقلت السلطات الفرنسية مؤسسه والمسؤولين معه واخضعتهم للمحاكمة بتهمة تأليف جمعية سرية تعمل ضد النظام والحكم القائم .
تخوّف الفرنسيون من تشكيلة الحزب الوليد الذي يضم عناصر هامة من مختلف مكونات الشعب.
وجاء في كتاب "الديوان الكامل" عن الشاعر ابو فاروق:
"... لكنّ شاعرنا تأثر بالفكر القومي الاجتماعي وتلقفه، ونهل من معينه الكثير، وأعطته النهضة مجموعة من الأفكار والمواضيع فحاكها، وصاغ في المناسبات القومية أجمل القصائد وأحلى الأشعار وأروع المنظومات.
إذ أنه بعد زواجه من ميليا ضومط زينون، من جل الديب (1930)، تعرّف على الحزب القومي "السرّي" آنذاك، على يد شقيق زوجته، يوسف، الذي كان أحد مؤسسي أول مديرية للحزب في جل الديب مع عبدو رزق الله زينون وميشال الحجل ونهاد ملحم حنا وغيرهم...
فانتمى مع زوجته إلى الحزب وأقسما اليمين على يد الزعيم سعادة، في بستان الليمون لمالكه معوض الحجل، خلال سنة 1933، مع الكثيرين من أبناء الزلقا وجل الديب، حيث أنه لم يخل بيت من بيوت المنطقة إلا واقتحمه فكر النهضة القومية الإجتماعية.
وكان هؤلاء الأعضاء يجتمعون "سراً" في الليالي الحالكات، على ضوء القناديل أو الشموع، وفي الجنائن والبساتين، هربا ًمن جنود وعملاء الإنتداب الفرنسي الذي كان يحظـّر تأسيس الأحزاب، كما كان يمنع تجمعات تضم خمسة أشخاص، حتى كانوا يخفون سرّهم عن أهلهم وجيرانهم والأقربين إليهم.
وكانوا، كما رووا على أسماعنا، يوقفون أحدهم ليراقب المارّين، فيطلق إشارة أو صوتًا، عند شكّه بأحد المارة، أو إشتباهه بحركة غريبة.
وفي غالب الأحيان كان يقف خفيرا ً"حمزة البنّا" المعروف بـ "حمزة النمّورة"، وصَدْرُ الحلوى أمامه، وكانت العلامة بين المجتمعين سراً، وبينه هي: "دبّر حالك بالرّبع"، "النّمورة بربع"، فيسارع هؤلاء إلى إطفاء الشموع وإنتظار الإشارة لإعادة عمل الإجتماع.
من المرويات أيضاً، أنهم كانوا ينقلون مكان الاجتماع في الليلة الواحدة إلى عدة أماكن، لدواعٍ أمنية. وفي أحد الاجتماعات وصل فجأة زعيم الحزب، أنطون سعادة، وكان أكثر الحاضرين لا يعرفونه، فنهضوا وحيّوه التحيّة القومية، ودعاه مدير الإجتماع ليجلس مكانه، فتمنّع قائلا ً له: أنت الآن المسؤول الأول فأكمل إدارتك للاجتماع، وتربّع الزعيم مع الآخرين على الأرض، إذ لم يكن متسع على كرسي لكثرة الحاضرين وقلة الكراسي.
الطبليّة الخشبية التي جلس عليها الزعيم سعادة زمن العمل السّري
وعند الانتهاء من أعمال الاجتماع طلب الزعيم متطوعاً يحمل بريدا ًهاما ً إلى منفذ عام طرابلس، فحمل الرفيق "جريس حنكش" البريد وألقى التحية وسار على قدميه إلى الفيحاء وأوصل البريد لأنه لم يكن يملك مبلغاّ ليستقل وسيلة نقل...
وانخرط العديد العديد من أبناء عائلات المنطقة في الحزب القومي، وتأسست في نطاق الزلقا: مديريتان.
وكان للشاعر دور كبير في ادخال فكر الحزب الى مجمل بيوت المنطقة، لاسيما بيوت اشقائه وشقيقاته وجيرانه ومعارفه، مستفيداً من الإرث المعنوي، السياسي والإجتماعي، الذي تركه والده، حيث كان مرجعاً في كل ذلك"...
إنتشر الحزب القومي في كل المناطق اللبنانية وتشكّلت أول وحدة تنظيمية في جل الديب وامتد نشاطها إلى الزلقا التي تلقفت الفكر الطليعي الجديد فانتمى معظم شبابها منذ 1933 وكان منهم مجموعة من كل العائلات: جريس طانيوس ابوجودة وزوجته ميليا زينون، ملحم ماضي ابوجودة وزوجته ليندا، جريس ماضي، جوزيف ماضي، اسعد ماضي، ابراهيم انطون ابوجودة، البير زينون، موريس زينون، منير زينون، سمير زينون، يوسف رشيد سريح، رشيد مسعود سريح، داوود يوسف ابوجودة، اديب ابوجودة، جهاد ابوجودة، هيام ابوجودة، انطوان يوسف ابوجودة، حنا طانوس، نعيم غالب، يوسف غالب، ميشال غالب، خليل بو عيسي ابوجودة، جريس حبيب، جريس نجيب، أسعد مرشد زينون، جريس الجلخ، انطون الجلخ، أدونيس السمراني، نعوم ميلان، طوني شمعون، كميل شمعون، الياس شمعون، سهيل الحلو، انطون الحلو، هيكل عطالله، محمد حاطوم، نديم عثمان، ايزابيل ابوجودة، جورج مصروعة(2)، فوزية ابوجودة، فريال ابوجودة، جورج اندريا، انطون المشعلاني، بطرس سلهب، عيسى سلوم، طعمة سلوم، داني سلوم، حبيب سلوم، توفيق المعلوف، حبقوق الرحباني، نقولا الرحباني، اسعد طربيه، ديغول مخول، عادل سمعان، معروف ذبيان، علي هَولو، علي بو عاصي، علي حسن، والأخوين علّول محمد وكاظم، جوزيف سليم، فاروق ابوجودة، ميليا قرطباني، جورج اندريا، ايلي فهيم، انعام منصور، داوود يوسف الخوري، يوسف إيليا، كمال ذبيان، هشام ابوجودة، ريما ابوجودة، سولونج سلوم، سيده الياس سركيس ابوجودة، جورج عبود، حسن شقير،
موريس حداد، ادوار حداد وغيرهم وغيرهم....
جوزيف سليم كان ناشطاً ويهتم بالأشبال، يأخذهم إلى باحة أم الحزينة في بياقوت ويدرّبهم على "النظام المنضمّ"، ثم يوقفهم صفوفاً جميلة، ويعود بهم إلى بيوتهم وهم يُنشدون الأناشيد الحزبية: "يا بلادي انهضي يا بلادي"، و "يا ظلام السجن خيّم"...
من عمارة شلهوب جوزيف مسعود، إبراهيم وفوزي ميلان وآخرون.
نما الحزب بشكل مطّرد فأنشأ القوميون مديريتين ومفوّضية للسيدات:
- مديرية الزلقا الأولى وتشمل وسط البلدة حتى عمارة شلهوب.
- مديرية الزلقا الثانية وتشمل ضهور الزلقا وعقبة بياقوت.
- مفوّضية السيدات (بسبب تعارض أوقاتهن مع الرجال).
وُجدت هذه الوثيقة في إضبارات الدولة عن محاكمة القوميين بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة ليل 1961 – 1962 مع ملاحظة: "الحزب القومي المنحل – المحاولة الفاشلة – وثائق عنه".
ملاحظة: تعيّن الرفيق رشيد مسعود سريح منفذاَ عاماً على منطقة المتن الشمالي والّف كتاباً عن الفلسفة المدرحية وعدة كتب أخرى وطبع كتاباً واحداً عن محنة الفكر. وتعيّن يوسف رشيد سريح مديراً لمديرية الزلقا.
تعيّن يوسف رشيد سريح مديراً لمديرية الزلقا
*
إليكم لائحة بأسماء مدراء تعاقبوا على مديرية الزلقا منذ تأسيسها حتى تاريخه آذار 2020 :
- ملحم ماضي ابوجودة
- داوود يوسف ابوجودة(3)
- يوسف رشيد سريح
- اديب يوسف ابوجودة
- توفيق عبد الخالق
- كمال ذبيان
- جورج اندريا
- عصام ميلان
- ايلي فهيم
- فاروق ابوجودة
*
عند انكشاف أمر الحزب القومي 1935 واندهاش مسؤولي سلطات الإنتداب بتنظيم الحزب وتخوّفهم من إمتداداته العابرة للطوائف والعائلات والحدود، تسارعت لإنشاء تنظيمات مذهبية على تعداد الطوائف فكانت الكتائب اللبنانية للموارنة والنجادة للسنّة والغساسنة للروم والطلائع للشيعة لمناهضة القومي ومنع انتشاره، فمنها من بقي على ساحة العمل السياسي (الكتائب) ومنها من صمد مدة (النجادة) ثم افل وغاب، ومنها من لم تُكتب له الحياة (الغساسنة والطلائع).
ثم عمدت سلطات الإنتداب إلى ملاحقة القوميين واعتقالهم وسن قوانين منع التجمّع لخمسة أشخاص ومنع المرور امام الجنود الفرنسيين والأيدي داخل الجيوب خوفاً من حمل سكاكين وطعن الجنود بها وسُمّي القانون:
"pas poche" وتم اعتقال العديد من قوميي الزلقا وأودعوا سجن "الميّة وميّة" شرق صيدا، جاء في قصيدة ابو فاروق من الديوان الكامل بتاريخ 10 ايار 1942عن ذلك:
" الواشي وشي والحاكم بسجني أمر وظن الوشي بوشايتو عبّى الكمر إن دارت الأيام والدهر انقلب منعلمك يا زيد شو بيعمل عمر " وعن الرفيق ملحم ماضي قال: تمارض الرفيق ملحم وتم نقله الى مستشفى السجن ومن ثَمّ أصبح مساعداً للطبيب المناوب وتعلّم شكّ الإبر: " جريس بسجنو كتير جاهد واصطبر مش متل ملحم عل فراق سيّل عبر نحنا رجعنا متل ما رحنا تمام وملحم رجع أستاذ بيضرب الإبر"
جاء في كتاب (الديوان الكامل) صفحة 18: "لم يتحمّل (ابو فاروق) مسؤوليات عليا في الحزب، لكنه كان مناضلا مغموراً، تكلفه الإدارة الحزبية بمهمات صعبة وخاصة، فيقوم بها وينفّذها بصمت ونجاح".
وعنه جاء في مذكرات الأمين مسعد حجل (لم أبدّل ... ولن) الصفحة 114 من المجلد الأول:
مهمة خاصة:
"جاءني مدير مديرية زرعون، إبن الشيخ نعمان ضو، صديق الزعيم، يعلمني أن تعادل الأصوات في انتخاب أعضاء هيئة البلدية، يوجب إعادة عملية التصويت التي ستعطي نفس النتائج مما يحتّم إعادتها مرة أخرى.
وبعد التعادل في المرة الثانية وتعيين موعد الإعادة للمرة الثالثة، عقدنا جلسة خاصة، حضرها أعضاء هيئة المديرية وأعضاء هيئة المنفذية لدراسة الموضوع.
إقترح علينا مدير المديرية فكرة تفضي إلى منع أو إلهاء أو خطف أحد الناخبين من الجهة المقابلة في يوم الإقتراع وهذا يتيح لنا الفوز الأكيد وأعلمنا أن الرجل المقصود يعمل ناطوراً على أرزاق بيت تابت في عمارة شلهوب وعلينا تدبير الأمر هناك. طلبت من المسؤولين ترك الموضوع على عاتقي دون التداول به ريثما أرى ما يمكن فعله بهذا الشأن.
استدعيت الرفيق ابو فاروق (جريس طانيوس ابوجودة) المسؤول عن مياه نبع انطلياس وسألته عما يعرفه عن ناطور بيت تابت؟ وبعد أن فسّر لي عن مدى علاقته به وتأثيره عليه، أطلعته على المهمة التي أكلفه بها يوم انتخاب هيئة مجلس بلدية زرعون وضعني الرفيق ابو فاروق بعدئذ بجو المهمة التي قام بها ونجاحه في دعوة المواطن المعني والذهاب معه الى الجنوب حيث أمضيا الوقت في مدينة صيدا هنأته على حسن صنيعه ونجاحه في مهمته، لكنها لم تأتنا بالنتيجة المتوخاة، حيث أن الأستاذ خليل ابوجودة الذي كان عضواً فاعلا في ما يسمى (الكتلة الدستورية) التي يرأسها رئيس الجمهورية بشارة الخوري، تدخّل شخصياً وأخرج عدداً من السجناء من بلدة زرعون الموقوفين في مخفر درك الجديدة وحملهم بسيارته الى الضيعة وانتخبوا مع الجهة المقابلة فربحوا وتفرّدوا بهيئة مجلس البلدية وكذلك في عام 1949 عندما تمت المؤامرة والتأمت المحكمة العسكرية سريعاً وحاكمت الزعيم سعادة وحكمت عليه دون محام للدفاع بالإعدام فاستشهد على شاطىء الأوزاعي في بيروت صبيحة ذلك الليل الطويل 8 تموز لاحقت السلطات أعضاء الحزب واعتقلتهم وحكمت عليهم، ولم يكن نصيب قوميي الزلقا اقل من غيرهم وخاض الحزب القومي معارك عسكرية ضد "الثورة الشعبية" بقيادة صائب سلام وزبانية المكتب الثاني الشامي بشخص مسؤوله (السلطان الأحمر) عبد الحميد السرّاج الذي احتضن المعارضة اللبنانية في زمن الوحدة بين الشام ومصر برئاسة عبد الناصر الذي طمح إلى ضمّ لبنان ليصبح الإقليم الثالث في الجمهورية العربية المتّحدة فاندلعت الحرب الأهلية في شهر ايار 1958 زمن رئاسة كميل شمعون، وانتهت بعد ستة أشهر عندما اندحرت قوات كمال جنبلاط التي آزرتها أعداد قادمة من الجبل بعتادها وأسلحتها للتواصل مع قوات صائب سلام في بيروت، فحشد الحزب القومي خيرة مقاتليه بقيادة كبار ضباطه في منطقة شملان، (معين عرنوق ومحمود نعمه وغيرهم) وهناك دارت آخر المعارك التي حُسِمت لصالح القوميين وانهزمت قوى المعارضة المسلحة وبقي شمعون حتى آخر لحظة من ولاية رئاسته، فانتهى الوضع باتفاق بين المندوب الأميركاني وعبد الناصر فأتى فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية 1958 – 1964، حول ما جاء عن معركة شملان ورد في قصيدة للشاعر عجاج المهتار:
وبيسألوا عن سر هل وثبات وليش وثبتنا جنونيّه
منقلّهم ما بدها حكايات الرطل بدو رطل ووقيّه
وبيسألوا شو السبب نحنا ما بتتكسّر جوانحنا
منقلهم دابت مصالحنا في بوتقة أمة نظاميّه
أما الشاعر القومي ابو فاروق، فقد نظم قصيدة دامغة مطوّلة نُشِرت في الديوان الكامل، ننتقي منها هذا المقطع:
نحن ما بدنا نيابه ولا وزير نحن ما منكون بالمجلس صُوَرْ
نحن ما منبتزّ أموال الفقير نحنا ما عنا زيد وعبيد وعمر
نحنا خلقنا بسّ لليوم العسير نحنا فدى الواجب إذا الواجب أمر
منبعت الفاتح إلى جهنّم أسير هيدا إذا بلبنان شي مرّة افتكر
الهجمات عا لبنان لو تقلت كتير ووقع المصاب ودقّ ناقوس الخطر
نحنا المنسمع نحن منلبي النفير وعا بريق سيوفنا يطلّ السّحر
والموت عنّا طعمتو شهد القفير والحرب من أفعالنا بياخد عبر
نحنا المنحمي حدود لبنان الكبير روحوا اسألوا شملان عن صدق الخبر"
*
وبعد أن استتب الأمر للرئيس شهاب، بدأ باضطهاد القوميين ومناصري كميل شمعون وضيّق الخناق على أعضاء الحزب القومي وافتعل المكتب الثاني اللبناني برئاسة انطوان سعد أحداثاً إتّهم فيها القوميين واعتقلهم.
كما عمل العهد جاهداً واستعمل كل ادوات التهديد والإرهاب والضغط والتزوير، فأسقط كل المرشحين القوميين في الإنتخابات النيابية التي جرت تلك السنة 1961.
هكذا كانت الأجواء مكفهرّة وكان الظلم مخيّماً والقلق مسيطراً والأمان مهدّداً، والضغوط النفسية والمادية تزداد حتى الإختناق مما دفع الحزب القومي مع عدد من الضباط القوميين الى محاولة إنقلابية ليلة رأس السنة 1961-1962، وعند فشل الإنقلاب تمّ اعتقال الألوف العديدة من القوميين وأصدقائهم ومحبذيهم وتيارهم وكل من كان معارضاً أو متهماً بمعارضة العهد الشهابي كان من بين هؤلاء المعتقلين، العشرات من قوميي الزلقا النساء والصبايا والرجال والشباب، لكنهم لم يمضوا طويلا في المعتقل كونهم لم يشتركوا فعلياً بعمليات ميدانية في تلك المحاولة التي فشلت.
وعندما تمّ اعتقال أم فاروق وكانت آخر أفراد عائلتها يتم اعتقالهم، أقفلت باب بيتها وأودعت المفتاح لدى الجيران كي يسلّموه إلى أول العائدين من "مضافة الأمير الشهابي" وعندما عادت الصغيرة فريال من المدرسة بعد الظهر جلست على درج البيت بانتظار والدتها كي تفتح لها وإذ بجورجيت (إم فادي) تأتيها مبتسمة وفتحت لها الباب وأعلمتها بصدق الخبر.
عندما جاء رجال الأمن يعتقلون الرفيق يوسف بو سليمان كانت زوجته عفيفة ترضع وليدها غسان فانتزعوه عن صدرها واعتقلوها مع زوجها.
وعندما خرجت الرفيقة ايزابيل ابوجودة من أسرها، راحت تترأس اعتصامات نسائية في ساحة الصرح البطريركي في بكركي وامام منازل النواب والمرجعيات طلباً للتدخّل لقمع الاضطهادات الخارجة عن القيم الإنسانية التي تمارسها الطغمة الحاكمة بحق القوميين الذين قاموا بمحاولة انقلابية سياسية لتغيير نظام الحكم الطائفي المتخلّف وإقامة نظام علماني مدني عصري جديد، والتقت تلك الاعتصامات بمثيلاتها تقوم بها الرفيقة "أم غسان" رؤوفة الأشقر، لنفس الغرض، كما انهما راحتا تجمعان الألبسة والحرامات والشراشف والأحذية للمساجين في "ثكنة المير بشير".
لكنها – الاعتصامات – لم تأت بثمار كثيرة أمام مخطّط العهد الشهابي الآيل الى تصفية القوميين الاجتماعيين وإخراجهم من المسرح السياسي النضالي على الساحة اللبنانية.
هوامش:
(1) تاريخ العمل الحزبي في الكاميرون: مراجعة موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية SSNP.INFO
(2) جورج مصروعة: كما آنفا
(3) داوود يوسف ابوجودة: جاء في شهادة الأمين مسعد حجل، عندما كان منفذاً عاماً على منفذية المتن العامة – 1937 – 1947 - عن الرفيق داوود يوسف ابوجودة: "إنه كان صاحب ذكاء ملفت، سريع البديهة، فهيم وعميق في حكمته ودرايته، قارىء من الطراز الأول عصامي في بناء ذاته. أما إدارته (لمعامل العسيلي للغزل والنسيج) فكانت ناجحة جداً. كان مسؤولا عن كل نشاطاته المتعدّدة بكل جوارحه وانكبابه. للرفيق داوود فضل منوّه لإيصاله الفكر القومي الإجتماعي الى مجمل بيوتات الزلقا وعائلاتها، كنت أستشيره في معظم نشاطاتي ومشاريعي التنظيمية على مستوى المنفذية المترامية وأستفيد من حكمته وتجاربه وآرائه ومعارفه. صنع نفسه بنفسه وتعلّم على ذاته وحقّق جلّ طموحاته. كان الرفيق داوود لا يحب الظهور والإدّعاء. كريماً جوّاداً خدوماً عفيفاً. يداه نظيفتا الكفّين كسمعته.
كان يمثّل الأخلاقية القومية الإجتماعية بإيمان عميق وصمت وسكون. ربّى مع زوجته الكريمة لور حدّاد، عائلة مثالية بأخلاقها وعلومها وتربيتها وتعاملها. حقاً، إنه أهل لكل تكريم وتنويه... وجاء على لسان الدكتور فلاح عن جدّه ووالده: "والدي يُشجّع والده على مصارعة الموت في آخر أيامه. كان جدّي "أبو داود" أحد أبطال الحرب العالمية الأولى، فقد خرق الحصار العثماني أيّام سفر برلك، واستقدم مع أشقائه الطحين لأولاده وأولاد منطقته وحماهم من الموت جوعًا. وكان أبي من أبطال مصارعة الحياة، نزل الى العمل في العاشرة من عمره كعامل بسيط، وانتهى كواحدٍ من ألمع صناعيّي لبنان، وغيّر - بجهده الفظيع - مصيره ومصير سلالته، وجعلنا من المتعلّمين. الجدّ أنقذنا من الموت جوعًا، والأب أنقذنا من الموت جهلًا، لهما منّي عميق الامتنان في عيد الأب" .
ملاحظة: بعد نهاية عمله الطويل في معامل العسيلي، أنشأ (أبو هاني) معامل خاصة به في نطاق الزلقا بإسم "مغازل جبل لبنان"، أنهكتها الحرب الأهلية من جهة وسياسات الحكومات المتعاقبة التي أغفلت رعاية المؤسسات الصناعية وحمايتها وتأمين الأسواق لها من جهة ثانية، فضمرت وضعفت.
|