إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الأزمات السياسية ومتاهة ارتفاع الأسعار في العالم

محمد خليفة

نسخة للطباعة 2008-07-13

إقرأ ايضاً


على الرغم من الانتصارات الإنسانية المتلاحقة في ميادين علمية واقتصادية متعددة ، فإن المجمّع الإنساني اليوم يواجه مجموعة كبيرة من التحديات المصيرية ، ومنها أزمة ارتفاع الأسعار في العالم التي لم يسبق لها مثيل في أي وقت مضى . وما يحدث اليوم في هذا العالم يمسّ كل دولة وشعب ، لا بل كل فرد في هذا الكون ، وفي ذلك إشارة صريحة إلى معطيات جديدة تهدد شعوب العالم . ويعني أن مشكلات العالم هي مشكلات إنسانية واحدة تواجه كل المجتمعات والأفراد والجماعات في آن واحد . والشيء الأكثر أهمية هو الطابع الكوني لعملية التنمية والنماء التي تحتاج إلى تنسيق وتعاون أكثر اتساعاً وشمولاً وخاصة في مجال مكافحة الفقر حيث تشير البيانات الإحصائية إلى وجود 3 مليار إنسان يعانون من الفقر المدقع ، 800 مليون منهم ينامون جياعاً ، مليار ونصف إنسان لا يحصلون على مياه صالحة للشرب ، ومليار شخص أو أكثر يعملون دون الوصول إلى الحدّ الأدنى للحياة والوجود . ويحدث هذا في وقت طغت فيه ظاهرة ارتفاع الأسعار والخدمات في أسواق العالم على ما عداها من القضايا العالمية ، وهي تحديات خطيرة حتى أصبحت الهمَّ الأساسي للحكومات المختلفة . ولعل منبع القلق في هذه الظاهرة ، هو أنها تمسُّ أمن واستقرار المجتمعات البشرية ، وتهدد دوام واستمرار هذه الحضارة المعاصرة . وتعددت التفسيرات حول أسباب ظاهرة ارتفاع الأسعار ، إلاّ أن معظم هذه التفسيرات تحيل الأمر إما إلى عوامل طبيعية كالجفاف والأوبئة التي تصيب المحاصيل الزراعية ، أو إلى الاستهلاك المتزايد لموارد الطبيعة كالنفط والغاز . لكن السبب الأساسي لهذه الظاهرة ما زال الخبراء والمختصون يغضون الطرف عنه ، بقصد أو من دون قصد . ونعني بذلك انهيار الدولار ودخول العالم أجمع في أزمة اقتصادية هائلة ، فالدولار الذي تم تبنيه في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 كعملة عالمية تُقاس على أساسها العملات المختلفة ، لم يعد اليوم يتمتع بمزية العملة العالمية من حيث الثبات والاستقرار . فقد أصبح خاضعاً للتجاذبات بسبب ضعف الاقتصاد الأمريكي ، مما أدى إلى حدوث بلبلة في أسواق العالم ، وأصبحت السلع التي تتدفّق من هنا إلى هناك أو من هذه الدولة إلى تلك ، تخضع لتغيرات في الأسعار ليس بسبب أن الدولة المصدّرة لها قد زادت من أسعارها ، بل لأن عملة هذه الدولة الوطنية ارتفعت أمام الدولار . فإذا كانت سلعة معيّنة تنتجها دولة بسعر (10) دولار ، وتبيعها بسعر (12) دولار ، فإنها بعد انخفاض سعر صرف الدولار في السوق العالمية ، لم تعد قادرة على بيع نفس السلعة بسعر (12) دولار ، بل ستبيعها بسعر (14) دولار . والمشكلة في الأمر أن الولايات المتحدة تعلم تماماً أن سبب التضخّم الاقتصادي الحاصل في أسواق العالم ، هو ضعف اقتصادها ، وبالتالي انخفاض سعر عملتها . ولكنها لا تبادر إلى إنقاذ العالم من الكارثة التي تُحيق به من خلال إلغاء عملتها كعملة عالمية واعتماد معدن الذهب كمعيار وحيد لعملات العالم . ولا شك أن الولايات المتحدة إذا فعلت هذا الأمر ، فإن السوق العالمية ستعود إلى الاستقرار من جديد . لكن الذي يملك شيئاً يعزُّ عليه أن يفقده ، والولايات المتحدة التي نصّبت نفسها كدولة قائدة للعالم ، يصعب عليها أن تفقد هذه المكانة وأن تتحوّل إلى دولة مثلها مثل الدول الأخرى . ولذا فهي سوف تصرّ على مكتسباتها العالمية وخاصة في موضوع الدولار . وهذا الأمر سيعيد العالم إلى الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1929 ، وكان السبب الأساسي فيها هو تراجع القوة الاقتصادية البريطانية التي كانت قائدة لاقتصاد العالم لصالح قوى اقتصادية أخرى جديدة كالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وألمانيا . وقد حدث آنذاك كساد عالمي وارتفعت أسعار المواد والسلع وانتهى الأمر إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 . وقد وضعت هذه الحرب نهاية للأزمة الاقتصادية العالمية ، إلاّ أنها في الوقت نفسه ، دمّرت أوروبا وحطّمت كل قوتها ، وظهرت قوتان جديدتان هما: الولايات المتحدة في الغرب ، والاتحاد السوفيتي السابق في الشرق . وقطعاً أن الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية سوف تستمر مترافقة مع الضعف المستمر للدولار حتى تبلغ هذه الأزمة أقصاها ، وعند ذلك ستندلع الحرب العالمية الثالثة بين القوة الأمريكية المنهارة والقوى الجديدة الطامحة ، وهي الصين وروسيا وبعض الدول الكبيرة الأخرى في آسيا وأمريكا اللاتينية . وهذه الحرب القادمة ، لا محالة ، سوف تنهي الأزمة الاقتصادية العالمية ، كما أنها ستؤدي إلى ولادة عالم جديد بوجوه عالمية مختلفة عن الوجوه الحالية .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024