إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مصر بين الرجعية والعلمانية

ليلى زيدان عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2011-12-10

إقرأ ايضاً


بدأت ثورة مصر في 25 كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، ومن المعروف أن من أطلقها هم شباب مصر العلمانيون والليبراليون والديمقراطيون والجامعيون والمثقفون والإعلاميون، أي النخب الشبابية التي حرّكها الشاب «وائل غنيم». وهي تتطلّع إلى مصر عصرية متقدمة وحرّة، تواكب الديمقراطية والتطور بشكل سليم عبر وسائل معينة منها الإعلام الحرّ.

هلّل الجميع للثورة، وقال العارفون والمثقفون في العالم العربي إن التغيير في مصر لن يقف عند حدودها فقط، بل سيطاول العالم العربي كلّه، وعندما أخذت هذه الثورة مداها، وأُخِذ الجميع في العالم بميدان التحرير، وبعد التأكّد من أن سقوط حسني مبارك ونظامه قد أصبح حتمياً، قامت الأحزاب المصرية وعلى رأسها الإسلامية بركوب هذه الموجة، إذ تلمس «الإسلاميون» نجاح هذه الثورة، فانضموا إليها واستغلّوا أهدافها ليروّجوا لأفكارهم وشعاراتهم الدينية.

ومن المعروف أن هؤلاء الإسلاميين موجودون بأعداد كبيرة في مصر قبل قيام الثورة، ويتمتعون بقاعدة شعبية لا يُستهان فيها. ومع انضمامهم إلى الثورة، بدأت تتغير الرؤية حولها، وحول مسارها، والتغيير هذا حصل لمصلحة الأحزاب الإسلامية: الحرية والعدالة الإخواني، والنور السلفي، والكتلة المصرية، وحزب الوسط، وغيرها، فكانت فرصةٌ لهذه الأحزاب لأن تستغل الثورة تحت شعارات دينية من دون تقديم أي برنامج أو رؤية مستقبلية لبناء مصر بعد مبارك.

وقبل الانتخابات التي جرت أخيراً، شعر الشباب أن الثورة سُرقت منهم، فعاودوا النزول إلى ميدان التحرير ليؤكّدوا وجودهم، وطالبوا بتأجيل الانتخابات لأنهم شعروا أن الثورة سُحبت منهم، وأصبحت في يد الأحزاب الإسلامية بالذات، غير أن المجلس العسكري ـ حاكم مصر الجديد والموقت ـ أصرّ على إجراء الانتخابات في مواقيتها، وهكذا كان.

استطاع الإسلاميون اكتساح الانتخابات في المرحلة الأولى، حيث حصلوا على حوالى 65 % من الأصوات، وجاء من بعدهم السلفيون، ثم الأحزاب المدنية والليبرالية والعلمانية ومنها الأقباط، وقد صوّتت هذه الأحزاب لصالح الإخوان ليس محبة بهم، بل لأنهم «أهْوَن الشرّيْن»، ليكتسح هؤلاء ويتصدّروا المرتبة الأولى بفارق كبير عن نظرائهم السلفيين.

إذاً، أصبح من الواضح الذي لا يقبل الجدل ولا الشك، أن الإسلاميين هم حكام مصر الجدد من دون منازع، وسيشاركهم السلفيون في الحكم، وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية قد نشرت لقاءً خاصاً مع «جيفري فيلتمان»، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون العالم العربي، قال فيه «إن إدارة الرئيس باراك أوباما تُجري في هذه الأيام حواراً بنّاءً مع زعماء حركة الإخوان المسلمين في مصر، وأنه في سياق هذا الحوار جرى التوصّل إلى تفاهمات بين الجانبين تقضي بأن تحترم هذه الحركة اتفاق السلام مع «إسرائيل» الذي أُبرِم خلال فترة حكم الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات.

كما أن المجلس العسكري شكّل هيئة استشارية للنظر في سنّ دستور جديد لمصر، وكانت حركة الإخوان ممثلةً في هذه الهيئة، وطالبت بشدّة حذف اي عبارة في الدستور العتيد، تتضمن كلمة «مدني»، إلا أن المجلس العسكري لم يوافق على هذا الأمر، فما كان من الحركة إلا أن تنسحب من عضوية الهيئة.

وثمّة معارك باردة تدور رحاها في الفلك المصري، بين السلفيين والإخوان، وبينهما مجتمعيْن والمجلس العسكري، ولا يخفى على أحد أهداف كل طرف من أطراف هذا النزاع.

يُذكر أن القيادي السلفي ورئيس جمعية «أنصار السنّة المحمدية» الشيخ محمود عامر كان قد أفتى بتحريم التصويت في الانتخابات للمرشّح المسلم الذي لا يصلي، والقبطي والعلماني والليبرالي الذين لم يتضمّن برنامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية، وصرّح عامر قائلاً: «التصويت لهؤلاء حرامٌ شرعاً، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب إثماً كبيراً، وتجب عليه الكفارة»، وطالب الناخبين بالتصويت لـ«مرشّحي القائمة الإسلامية أو أي مرشّح دائمِ التردّد على المساجد، ومشهود له بحسن الخلق لتكوين برلمان إسلامي».

ويذكر أن عامر وسلفيين آخرين كانوا من أشدّ المعارضين للثورة المصرية، وعبّروا عن رفضهم الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، لأن ذلك ـ وفقاً لآرائهم ـ يُعدّ «خروجاً عن الحاكم».

كما صدرت أخيراً تصريحات مثيرة للجدل على لسان عبد النبي الشحّات، أحد الرموز البارزة في التيار السلفي والناطق باسم «الدعوة السلفية»، والمرشّح لعضوية مجلس الشعب المصري، منها قوله إن «الديمقراطية كفرٌ»، واعتباره «روايات الأديب الراحل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الآداب، تدعو إلى الرذيلة، وتتضمن فلسفة إلحادية»، ما استدعى ردّاً قوياً من قبل أدباء ومثقفين مصريين استنكروا فيه تصريحات كهذه، واعتبروا أنها «تشكّل خطراً على ثقافة الوعي المصري».

كما أكد الشحات أنه دعا من قبل إلى «تغطية وجوه التماثيل الفرعونية المصرية بالشمع، لأنها تشبه الأصنام التي كانت موجودة في مكة».

في السياق ذاته عبّر الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشّح المحتمل للانتخابات الرئاسية في مصر، عن رفضه اختلاط الرجال والنساء في أماكن العمل، والفضاءات العامة.

وعلى الرغم من رفض معظم قيادات التيار السلفي فكرة الديمقراطية، ومشاركة المرأة في الحياة العامة والسياسية، إلا أنّهم انخرطوا بسرعة في تشكيل أحزاب سياسية، وحصل حزب النور السلفي على نسبة عالية من الأصوات في الجولة الأولى للانتخابات التشريعية في مصر، حيث حلّ ثانياً وفقاً للنتائج الأولية خلف حزب الحرية والعدالة- الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.

عندما نسمع هذا الكلام ونلاحظه، نتأكد أن ما يحصل هو عبارة عن شعارات دينية لا أكثر ولا أقل، فهل سيطبّق حكّام مصر الجدد ما تطبقه الآن بعض البلدان العربية باسم الدين؟ هل حقاً ستُمنع المرأة - والحال هذه- من قيادة السيارة وارتياد دور السينما والمسرح ومشاهدة بعض البرامج التلفزيونية؟ هل سيفرضون عليها الحجاب أو النقاب؟ هل يريدون فعلاً شعباً مصرياً من دون ثقافة؟

عندما استطلعنا آراء بعض المقرّبين من الإسلاميين عن مدى جدّية هذه الشعارات السياسية والدينية التي يرفعونها، أجابوا أنها مناورة، فهل هي فعلاً مناورة؟ أم أن هذا الكلام يُبثّ فقط لتهدئة النفوس في الشارع؟

تميّزت مصر على مرّ العصور بثقافتها وشغفها للفن والعلم والشعر والأدب والإعلام والسينما، فكانت مدن كبيرة وأساسية فيها كالقاهرة والاسكندرية وبور سعيد تحيا حياة عصرية ومدنية على الرغم من ديكتاتورية مِن حكمها.

هل سيُمحى كل ذلك بـ«شحطة قلم»؟ هل ستعود «أم الدنيا» إلى القرون الوسطى بسبب الإسلاميين؟

إذا كانت مصر ستعود إلى الظلام وإلى القرون الوسطى، فإننا نتوقع ثورة شبابية جاهزة، للوقوف في وجه من يحاول نزع ثوبها الثقافي والإعلامي وكل ما يحدّ من حرية الإنسان عنها، فهي، ولا بد، تحتاج إلى ثورة جديدة تعيد الثورة إلى مسارها الحقيقي.

هذا الطموح إلى دولة حرّة عادلة ومتطورة يبدو أنه سيتقوّض ليجعل من دولة عمرها آلاف السنين تنحدر إلى قاع الحضارات.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024