إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

التاريخ لا يسجّل الأماني.. ولا يرحم

ليلى زيدان عبد الخالق - البناء

نسخة للطباعة 2012-10-06

إقرأ ايضاً


لطالما كان سِجلّ حياة الشعوب، شاهداً على ما جرى وحصل في الماضي، إن كان يدوّن تاريخاً سحيقاً وبعيداً، أو معاصراً قريباً. وفي كلتا الحالتين، لم يُعرف قَطّ عن هذا التاريخ، أنّه كان رحوماً غفوراً، بل أنصف حيث يجب أن يقيم قسط العدالة، ووصم بالعار حيث يقتضي أن يكون البعض، في المزبلة.

ومن هذا المنطلق، برزت أسماء كثيرة في هذا التاريخ كان لها وقعها ومكانتها التي خُلّدت، فتناقلت الأجيال هذه الأسماء، وزيّنت صُوَر أصحابها ورسوماتهم الكتب والمخطوطات، كما ارتفعت لهم التماثيل، وسمّيت المدن والساحات والشوارع والجسور بأسمائهم، فكانوا ولا يزالوا قدوةً لدى الشعوب، ومُثُلاً عُليا يُستشهد بمأثوراتهم ومآثرهم في كلّ مناسبة ولدى أيّ استحقاق.

ولو أردنا فقط أن نذكر أسماء عظماء من بلادي، لما اكتفينا بعددٍ واحدٍ من الجريدة، هذا من دون أن نُطلع القرّاء على نبذة ولو قليلة عن حيواتهم ومصدر عَظمَتهم.

التاريخ لا يرحم، بل ينصف. ومناسبة هذا الكلام، تغيّر أحوال البعض لدى هبوب العاصفة، وتبديلهم أماكنهم، ظنّاً منهم أنّهم يفعلون الصّواب، ربّما تكون هذه سياستهم واستراتيجياتهم، ولكن للتذكير، التاريخ يدوّن، والشعب لا يمكن أن ينسى.

ظلّت سورية، حاضنةً المقاومة في وجه العدوّ الصهيوني على مدى عقود وما زالت، أنّى كانت هذه المقاومة، وكيفما كان شكلها. ولا يمكن أن ننسى أبداً، كيف احتضن الرئيس الراحل حافظ الأسد المقاومة في لبنان وفي فلسطين، ولا يمكن أيضاً أن ننسى كلامه عن الشهداء، حين قال: «الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر»، ولم يعد خافياً على أحد أن سورية، كانت ولا تزال الداعم الأساس للمقاومة في لبنان، منذ نشأت وحتّى اليوم، وما تعرّضها لهذه المؤامرة الكونية، إلا من أجل كسر شوكتها، وإجبارها على توقيع معاهدة السلام مع العدو «الإسرائيلي»، والقبول به جاراً جديراً بـ«حُسن الجيرة».

وبما أننا نتحدّث عن التاريخ، الكلّ يعلم كيف تعاملت سورية مع ملفّ «السلام»، منذ مؤتمر مدريد حتّى اليوم، ولا ننسى في مدريد، حين رفع وزير الخارجية السوري آنذاك فاروق الشرع صورةً للإرهابي «الإسرائيلي» اسحق شامير، مشيراً إلى أنّه لا يمكن أن يتمّ السلام مع الإرهاب. والتاريخ أيضاً يشهد كيف حيكت المؤامرات بـ«دوزات» مختلفة، بدءاً من قرار الأمم المتحدة رقم 1559، ومروراً باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وعدوان تمّوز عام 2006، ومحاولة «الحركشة» حين قصف الطيران «الإسرائيلي» مواقع في دير الزور في أيلول 2007، وأخيراً وليس آخراً، العدوان على غزّة.

غزّة، هذه المدينة الجريحة التي وقطاعها اختصرا آلام فلسطين في الآونة الأخيرة، والحديث عن فلسطين وآلامها يطول ويكاد لا ينتهي. الحديث عن فلسطين يحضر في كلام الصادقين الذين لا حول لهم ولا قوّة إلا بالمقاومة الفاعلة تحت طبقات الثرثرة والصّياح. والحديث عن فلسطين حاضرٌ في «بازارات» ملوك العرب والرؤساء، فتراهم بُعيد كلّ لقاءٍ مع رؤساء آخرين، أوروبيين وأميركيين وآسيويين، يصرّحون أنهم تباحثوا في القضية الفلسطينية، حتّى بلغت الوقاحة بأمير قطر، أن يصرّح يوماً أنه بحث في القضية الفلسطينية مع تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية «الإسرائيلية» سيئة الذِكر. عجبي!

والحديث عن فلسطين ينبغي أن ينطوي على المقاومة فيها، هذه المقاومة التي سطّرت ـ والتاريخ يشهد ـ أعظم البطولات وأشرفها، واستطاعت أن تخلق معادلةً جديدة في الصراع مع العدو «الإسرائيلي»، مفادها أن شعب فلسطين لا يمكن أن يسكت عن حقّه، حتّى لو باع أرضَها كلّ ملوك وادي عربة، وحتّى لو انفضّ عن القضيّة كلّ من كان ذا صلة وثيقة بها.

من ينسى دعم سورية للمقاومةَ في فلسطين فهو كالولد العاق، من ينسى تضحيات سورية تجاه القضيّة الفلسطينية، وانفرادها ـ ولبنان ـ بتصدّر المعارك، العسكرية والدبلوماسية في الدفاع عن فلسطين، فإن بوصلته انحرفت ووجب تقويم مسارها.

لا يمكن لأيّ أحد، صديقاً كان أم عدوّاً، أن ينسى ما قدّمته سورية إلى الفصائل الفلسطينية وفي مقدّمها «حماس»، هذه الحركة التي آوتها دمشق، وحضنتها، وغذّتها بالمال والسلاح والغطاء السياسي، ودافعت عنها في شتّى المحافل. هذه الحركة التي لا يختلف عاقلان حول جدوى عملياتها فيما لو لم تكن سورية داعمةً لها.

ماذا تفعل «حماس» اليوم؟ وما سرّ هذا التبدّل المحوري في مواقفها؟ فإذا كان هذا التغيّر نتيجة تقاطعها الإيديولوجي مع جماعة «الإخوان المسلمين» ربّما يجد التاريخ لها منفذاً للرحمة، أمّا أن تدخل «حماس»، منطقة صنع القرار التي أسّستها قطر، فليس غريباً أن يتساءل أيّ مواطنٍ، عربيّاً كان أم غربياً، عن سرّ هذا التبدّل الرهيب في المواقف.

إذا كانت «حماس» ـ وغيرها ـ تظنّ أن ما سمّي بـ«الربيع العربي» أوصل محمد مرسي إلى سدّة الحكم في مصر، وأنّ عهد الخلافة الإسلامية قد عاد إلى البلاد العربية، ويمكن أن تحظى بحصّتها من الولاية، فهي واهمة، وتكون قد برهنت عن خطأ فادحٍ في قراءة المستقبل، أو بالأحرى، تكون قارئةً ما يرسمه الغرب للعرب كي يقرأوه، كالمقولة التي تتصدّر اللقاءات السياسية، التي تقول: «مرحلة ما بعد الأسد»، فتراهم يتباحثون حول هذه المرحلة، وهم الواهمون كما قال عنهم وزير الخارجية السوري وليد المعلّم تحت قبّة الأمم المتحدة منذ فترةٍ وجيزة.

ربما فات متلقّفي هذه النظرية الواهمة ـ «مرحلة ما بعد الأسد» ـ كالذين بدّلوا مواقفهم ومواقعهم خلال المؤامرة التي تتعرّض لها سورية، أنّ «مرحلة ما بعد الأسد» تعني تفريخ قتلةٍ مأجورين يؤدّون قسطهم من العمالة إلى «إسرائيل» من أجل قيام إماراتهم الطائفية في ربوع سورية، تعني هذه المرحلة عودة الاستعمار إلى سورية، ورسمها كنموذجٍ عن لبنان الذي لا يمكن إلا أن يشهد حرباً أهلية كل عقدين من الزمن.

لكنّهم واهمون، لأنّ المحادثات الدائرة بين «السّاسة الكبار» اليوم لم تعد تتطرّق إلى «مرحلة ما بعد الأسد»، حيث عبّر عن ذلك أكثر من مراقب ومحلّل سياسي، ولعلّ أبرز من أوضح ذلك، دبلوماسيّ غربي سابق قال حرفياً: «لم يعد في استطاعة الغرب أن يبحث في مرحلة ما بعد الأسد، إذ أنّه يبحث في مرحلة «الأسد ما بعد مرحلة الأسد»، فالأسد بعد «الربيع العربي» ليس كما الأسد قبله، ومرحلة ما بعد الأسد ربما هي مرحلة أسد المرحلة».

سورية منتصرة، التاريخ يقول ذلك، والحقّ يقول ذلك، إذ لم يسجّل التاريخ يوماً انتصار الباطل على الحقّ، وفي انتظار هذا النصر، يبقى على من بدّل موقعه وتموضع، أن يعيد النظر قبل أن يكتشف نفسه منحدراً نحو مزبلة التاريخ.

ختاماً، يحضرني قول زعيمٍ فذّ حُفر اسمه عميقاً على لوح المجد ـ أنطون سعاده ـ «التاريخ لا يسجّل الأماني والنيّات، بل الأفعال والوقائع».

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024