إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

المناهج عند سعاده والقراءات الخمس 3 ـ نهج النهوض

د. حيدر الحاج اسماعيل - البناء

نسخة للطباعة 2014-11-14

إقرأ ايضاً


أبدأ كلامي على نهج النهوض عند سعاده، بذكر الملاحظات التالية:

اعتقد سعاده أن النهوض، هو نهوض قومي في الدرجة الأولى وعلى قاعدة أن الأمة مجتمع واحد. والنهوض القومي غير ممكن بدون تأسيس عقلية أخلاقية شعبية جديدة، أو وضع أساس مناقبي اجتماعي جديد. والعقلية الأخلاقية الجديدة، يجب أن لا تكون مقتلعة بدون جذور في تاريخ الأمة. وهذا ما فعله سعاده عندما قال في المبدأ الأساسي السابع: «تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها، من مواهب الأمة السورية وتاريخها الثقافي السياسي القومي»، هذا المبدأ يفيد فائدتين هما:

أ ـ فائدة أنه إثبات على إيمان سعاده، بضرورة النهج التاريخي وأهميته.

ب ـ فائدة أنه تأسيس للاستقلال الروحي، الذي كان فقدانه من أهم عوامل فقدان الوجدان السوري القومي.

سعاده، الذي يقول إن النهضة تستمد روحه من مواهب الأمة وتاريخها، يعتقد بأن النظريات الثقافية التي ظهرت في تاريخ الأمة، هي جذور مبادئ النهضة الجديد. فهناك استمرارية أو اتصال أو اشتراك، بين عقائد الأمة السابقة، وعقيدتها النهضوية الجديدة.

نبدأ بالقضية السورية، أي قضية الشعب السوري والوطن السوري، فنجدها أنها كانت قضية الأجيال السورية منذ أيام الساميين القدماء، أمثال الآشوريين والبابليين، الذين حرروا بقيادة سنحاريب ونبوخذنصر فلسطين، حتى أيام السوريين الذين تعاونوا مع المسلمين المحمديين لتحرير سورية من الروم، حتى أيام السوريين الذين قادهم صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس والبلاد من الصليبيين الأوروبيين، حتى أيام السوريين الذين تعاونوا مع الحلفاء الإنكليز والفرنسيين ، لتحرير سورية من الحكم العثماني، حتى أيام يوسف العظمة بطل ميسلون، حتى أيامنا هذه حيث نجد الأمة السورية ممثلة بالحزب السوري القومي الاجتماعي، وبدولها وتنظيماتها القومية والوطنية والتقدمية الأخرى، كلها مهتم بتحرير ما تبقى محتلاً من جنوبي لبنان والجولان وفلسطين.

ثم هناك قضية السلام، التي كانت مركز الدائرة في كل العقائد التي آمن بها الشعب السوري، ابتداءً من زينون الرواقي ابن صيدون ، الذي علم أن كل البشر أخوة، ودعا إلى السلام الكوني cosmopolis منذ أربعمائة سنة قبل ميلاد المسيح، إلى عيسى بن مريم الذي قال و«على الأرض السلام» لجميع الأمم، إلى محمد الرسول الذي هذب بالقرآن الناس، فصاروا يحيّون بعضهم بأسمى تحية، ألا وهي: «سلام الله، عليكم»، إلى سعاده الذي أدخل في نشيد الحزب، فكرة السلام فصرنا ننشد ونسمع عبارة: «سورية لك السلام».

ثم هناك قضية المسيحية عموماً، والمحمدية عموماً، وقد جاءا في تعليم سعاده، قضية واحدة ظاهرة في قوله: كلنا مسلمون لرب العالمين، منّا من أسلم لله بالإنجيل، ومنّا من أسلم لله بالقرآن، ومنّا من أسلم لله بالحكمة.

ثم هناك قضية صورة الزوبعة في علم الحزب، التي هي مستمدة من الهلال والصليب، في وحدة سامية، فالزوبعة تجد جذورها فيهما، لكنها لا تجمع الهلال والصليب جمعاً تدابرياً أو خارجياً، بل هي مندمجهما، وهما فيها متمازجان متحدان اتحاداً حقيقياً، لذلك هي الزوبعة رمز الوحدة القومية الاجتماعية الحقيقية، التي تنتج عن تمازج الشعب بكل فئاته في مجرى الزمان.

نلاحظ إذن أن سعاده، يصل فضائل الثقافة الشعبية القديمة، بتعاليم النهضة الجديدة، وذلك لكي يتمكن بهذا النهج، أن يحقق استقلالاً روحياً قومياً لا غنى عنه، لأنه يحرس النهضة ويحميها من المداخلات والتأثيرات الخارجية، ثم لكي تقوم النهضة على أساس راسخ في تاريخنا، وفي ثقافة شعبنا.

لنعد الآن إلى مجرى حديثنا الرئيسي، وهو المختص بالملاحظات التي أردتها على نهج النهوض عند سعاده، فأذكر الملاحظة التالية:

والنهوض غير ممكن بدون التمييز بين مفهوم الأمة ومفهوم الدولة، واعتبار الأمة أساس للدولة، وما يتبع هذا التمييز، من وضع مبادئ جديدة خاصة بالأمة، ومبادئ جديدة خاصة بالدولة القومية، وهذا فعله سعاده بوضعه المبادئ الأساسية الثمانية، والمبادئ الإصلاحية الخمسة.

النهوض غير ممكن بدون التمييز بين مفهوم الفرد ومفهوم الأمة ـ المجتمع، فلا يضيع الفرد في كلية الأمة، ولا يستغل الأمة أفراد منها.

هذا البند من نهج سعاده النهضوي هام جداً، وأهميته تكمن في أن سعاده، تمكن بواسطته من أن يحل مسألة الدين، ومسألة العروبة، في مجتمعنا السوري، كما أسلفنا. ولما كانت هاتان المسألتان واردتين في تاريخنا السوري، لذلك جاء حل سعاده لهما، حلاً يحتفظ بهما، وفي نفس الوقت يبعد الأذى، الذي يمكن أن ينشأ عن وضعهما في غير مكانهما العصري الحديث، الذي اقتضته الظروف الموضوعية والحقائق العلمية.

مثلاً، لم يعد الدين ظاهرة المجتمع كله، فليس حقيقة أن الدين المسيحي، هو دين المجتمع كله، وليس حقيقة أن الدين الإسلامي، هو دين المجتمع. ولكن الدين لم يذهب أمره، ولم يختفِ بسبب تلك الظاهرة. الذي حصل هو أن الدين بقي، وسعاده يؤكد بقاءه، لكن كصفة للفرد وليس كصفة للمجتمع، فموضع الدين أو محله، هو الفرد وليس المجتمع أو الدولة .

ومثل آخر نضربه من مسألة العروبة. سعاده يقول إن العروبة كانت صفة الفرد، كل فرد في شبه الجزيرة العربية، وربما في بعض المناطق الأخرى من عالمنا العربي. لكن النظرة العلمية للواقع البشري وللحقائق الاجتماعية الجديدة لبلادنا السورية خصوصاً، وللعالم العربي عموماً، تكشف لنا عن ظاهرة جديدة، هي أن العروبة لم تعد صفة الفرد، كل فرد، بالضرورة بل صارت صفة الشعوب، أو الأمم، ذلك لأن الأفراد ليسوا كلهم عرباً، أو من أصل عربي، هذا واضح في سورية، حيث يوجد آشوريون وكلدان وأكراد وأرمن وشركس وفينيقيون، إلخ… بالإضافة إلى الأفراد الذين يعتقدون أنهم من أصل عربي، وواضح في مصر، حيث أقباط وعرب، وواضح في المغرب العربي الكبير حيث يوجد عرب وبربر وطوارق، إلخ. وواضح في شبه الجزيرة العربية، حيث عرب وفرس، إلخ.

العروبة لم يذهب أمرها، لأنها لم تعد صفة الأفراد كلهم، بل بقيت عند سعاده في قوله العظيم، إن الأمة السورية، أمّة عربية، الذي معناه العميق، أن العروبة صفة الأمة في سورية، وصفة الأمة المصرية في مصر، وصفة كل الشعوب في العالم العربي.

هذا النهج هام جداً كما ذكرت، لأنه يربط بين الحقائق الاجتماعية الجديدة، والعقائد الثقافية القديمة، ربطاً جميلاً مؤكداً للحقائق، ومحافظاً لها في خدمة حركة النهوض لسورية وللعالم العربي. خلاف ذلك، شلل لسورية وشلل للعالم العربي.

من كتاب «المناهج عند سعاده والقراءات الخمس»، ضمن سلسلة التعريف بفكر سعاده، عن «دار فكر للأبحاث والنشر»

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024