إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

هل يؤجّل عقد «جنيف 3» وما هي الاحتمالات؟

حسن حردان - البناء

نسخة للطباعة 2016-01-21

إقرأ ايضاً


إذا لم يحصل اختراق في غضون الأيام التي تسبق الموعد المقرر لانعقاد لقاء «جنيف 3» حول الأزمة السورية، فإنّ تأجيل الاجتماع سيكون هو الخيار المرجح.

هذه النتيجة المتوقعة في حال الفشل في التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المكوّنة لـ«جنيف 3» على تذليل العقد التي تقف عقبة أمام عقد الاجتماع.

لكن ما هي هذه العُقد؟ وهل بالإمكان تذليها؟ وما هي الاحتمالات المرجحة على ضوء ذلك؟ وأخيراً ما هو المسار الذي ستسير فيه جهود حلّ الأزمة السورية في الحالتين، حالة عقد اللقاء، وحالة تأجيله والمراهنة من قبل البعض في الحلف السعودي التركي على تبدّل الظروف لمصلحته في المقبل من الأيام؟

أولاً: على صعيد العقد: في خضمّ المداولات الجارية لتأمين انعقاد لقاء «جنيف 3» في 25 الشهر الحالي، برزت ثلاث عقد أساسية هي…

العقدة الأولى: الخلاف على تحديد من هي التنظيمات الإرهابية، وهذه نقطة مهمة، لأنه يتوقف عليها تحديد من هي الجهات التي ستشارك في الوفد المعارض، في مقابل الوفد الرسمي السوري.

فالموقف الروسي ـ السوري يصرّ على تصنيف «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» تنظيمين إرهابيّين، انطلاقاً من دورهما المعروف في تنفيذ جرائم إرهابية على مدى سنوات الأزمة الماضية.

في المقابل فإنّ السعودية، وبدعم أميركي، تصرّ على أن يكونا جزءاً من الوفد المعارض الذي جرى تشكيله في مؤتمر الرياض، المثير للجدل أصلاً، وسعت الرياض من خلاله إلى محاولة تقديم «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» باعتبارهما «جزءاً من المعارضة» المعتدلة والركيزة التي تستند إليها لمواصلة التدخل في الشأن السوري الداخلي.

العقدة الثانية: وهي تمثيل وفد المعارضة، ففي وقت تصرّ الرياض وواشنطن على حصر تمثيل المعارضة بالأطراف التي شاركت في مؤتمر الرياض، فإنّ روسيا وسورية وإيران ترفض ذلك، وتؤكد أنّ قوى المعارضة الفعلية في الداخل التي تحارب «داعش»، لا سيما قوى سورية الديمقراطية غير ممثلة فيه، وكذلك فإنّ المعارضة التي عبّر عنها في مؤتمر القاهرة، وفي مؤتمر موسكو أيضاً غير ممثلة في مؤتمر الرياض، وبالتالي فإنه لا يمكن القبول باختصار وفد المعارضة بمؤتمر الرياض كما تريد الحكومة السعودية.

العقدة الثالثة: جدول أعمال «جنيف 3»، تحاول الحكومة السعودية، ومعها الإدارة الأميركية، تقديم بند المرحلة الانتقالية ليكون البند الأول، بينما ترى كلّ من موسكو ودمشق أنّ الأولوية يجب أن تكون أولاً لبند الاتفاق على مكافحة قوى الإرهاب ومن ثم يأتي نقاش بند المرحلة الانتقالية.

ثانياً: إمكانية تذليل العقد الثلاث: إنّ العقد الثلاث المذكورة آنفاً ليست ثانوية، إنما هي عقد جوهرية لا يمكن القفز فوقها، إذا ما أريد لـ«جنيف 3» أن يعقد في موعده، أو حتى في موعد لاحق يجرى الاتفاق عليه.

غير أنّ تذليل هذه العقد بات مرتبطاً حصراً بمدى استعداد كلّ من واشنطن والرياض للتراجع عن موقفهما، وبالتالي التخلي عن التمسك بوجهة نظرهما إنْ كان لناحية تعويم قوى إرهابية، أو لناحية الإمعان باختصار تمثيل المعارضة بالأطراف الموالية لها، والخاضعة لاستراتيجيتها، أو لناحية الاستمرار في محاولة انتزاع مكاسب سياسية في الداخل السوري قبل الاتفاق على محاربة قوى الإرهاب، في إطار سياستها القائمة على توظيف هذه القوى لتحقيق أهدافها التي عجزت عن بلوغها طوال السنوات الخمس الماضية.

لكن يبدو من الواضح أنّ قدرة واشنطن والرياض على فرض وجهة نظرهما في ما خصّ العقد المذكورة صعبة إذا لم تكن مستحيلة وذلك للأسباب التالية:

السبب الأول: إنّ ما عجزت عن تحقيقه كلّ من السعودية وأميركا على مدى السنوات الماضية من عمر الأزمة، لم يعد بالإمكان بلوغه، بل أصبح وهماً، بعد الحضور الروسي العسكري النوعي إلى جانب الجيش العربي السوري في محاربة قوى الإرهاب والتحوّلات والإنجازات النوعية التي تحققت على ضوئه، والتوازن الاستراتيجي الذي أحدثه في موازين القوى العسكرية في مواجهة القوى الأميركية الأكبر في العالم، وأدّى إلى لجم وردع وإحباط أيّ مخططات غربية ـ تركية في المراهنة على تغيير نظام الحكم في سورية، وإزاحة الرئيس بشار الأسد عن سدّة الرئاسة، أو في المراهنة على إقامة منطقة عازلة في شمال سورية.

السبب الثاني: إنّ روسيا وسورية وإيران ليست في وارد تقديم أيّ تنازل بعد أن أصبحت في وضع ميداني قوي، يعزز موقفهم السياسي في مواجهة الموقف الأميركي السعودي التركي.

السبب الثالث: إنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست في وارد التصادم مع روسيا، في سورية، وهي اضطرت إلى التكيّف مع الوقائع التي فرضها الحضور الروسي العسكري وهذا ما دفع واشنطن إلى التسليم في مؤتمر فيينا بوجهة النظر الروسية ـ السورية والموافقة على صدور قرار عن مجلس الأمن يؤكد نتائج مؤتمر فيينا، بعد محاولة سعودية أميركية للارتداد عليها، وجرى إحباطها بفعل الموقف الروسي السوري الحازم والصلب في رفض أيّ تعديل أو انقلاب على نتائج فيينا.

ثالثاً: على صعيد الاحتمالات: انطلاقاً مما تقدّم تبدو الاحتمالات المتوقعة محصورة بِاثنين:

الاحتمال الأول: أن ترفض الرياض وأنقرة التسليم بوجهة نظر روسيا وسورية، وبالتالي تتمّ عرقلة عقد «جنيف 3» انطلاقاً من رهان بأن تؤدّي الانتخابات الأميركية إلى فوز الجمهوريين وعودة الموقف الأميركي إلى التشدّد والتصعيد في سورية.

غير أنّ أيّ متابع لتطورات الميدان السوري يدرك أنه ريثما تحصل الانتخابات الأميركية ويتسلّم رئيس أميركي جديد هناك نحو سنة على الأقلّ، وخلال هذه السنة من المؤكد أنّ الميدان السوري سيشهد تطورات نوعية كبيرة توسّع من سيطرة الدولة السورية على الأرض، وتؤدّي إلى انحسار وجود قوى الإرهاب وجعله مقتصراً على المناطق الحدودية مع تركيا والعراق والأردن، إذا لم يتمّ إنهاء هذا الوجود، بالقياس إلى ما أنجز ميدانياً على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، إثر الحضور الروسي النوعي.

وهذا يعني أنه من الآن، والى السنة المقبلة سيكون هناك واقع جديد قد تكرّس على الأرض في صالح الدولة السورية وحلفائها يعزّز ويقوّي من صلابة الموقف السياسي الروسي السوري الإيراني ويقضي على أيّ طموح سعودي تركي أميركي بالتدخل في الشأن الداخلي السوري.

الاحتمال الثاني أن تقدم واشنطن وانطلاقاً من قراءتها للواقع الميداني وآفاق المستقبل إلى ممارسة الضغوط على حلفائها السعوديين والأتراك كي يتكيّفوا مع موازين القوى الجديدة ويقبلوا بوجهة النظر الروسية الإيرانية السورية لعقد «جنيف 3» لأنّ الآتي من الأيام سوف يضعف دورهم السياسي أكثر إذا لم يفقدهم أيّ تأثير.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024