إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مئة عام على سايكس بيكو... مئة عام والقتل مستمرّ

جمال محسن العفلق - البناء

نسخة للطباعة 2016-05-17

إقرأ ايضاً


كم ذكرى مؤلمة يجب ان نكتب عنها؟ من الاحتلال العثماني الهمجي مروراً باتفاق سايكس ـ بيكو الذي تقاسم أرضنا وكان مقدّمة لوعد بلفور، الذي حوّل قلب وطننا إلى وكر للعصابات الصهيونية وقطعان المستوطنيين، وما زالت الدماء العربية تسيل في شوارع المدن وتغمر الأرض التي نعيش عليها.

ما كنا لنتذكر اتفاق سايكس بيكو، ذلك الاتفاق البريطاني الفرنسي الذي أنتج دويلات عربية متفرّقة، وأسّس لحدود الدم بين الاخوة والأشقاء، ليتحوّل اليوم وبعد مائة عام إلى وثيقة تزعج صانعيها فأنتجوا وثيقتهم واتفاقاتهم التالية القاضية بتقسيم المقسّم وزيادة الفرقة بين الأشقاء تحت عنوان كبير اسمه الصراع المذهبي والعرقي، والذي ما كان ليكون موجوداً أصلاً لولا تلك الدول التي تسعى للحفاظ على مصالحهم لمائة عام أخرى.

لن أغرق في التاريخ، فالحاضر أشدّ إيلاما من الماضي ولكن اليوم هناك علامة فارقة علينا أن نقف عندها ونطرح عشرات الاسئلة… منذ مائة عام قسّمت كل من بريطانيا وفرنسا التركة العثمانية، ولكنها اتت بجيوشها لتثبيت التقسيم ولم تدخل تلك الدول الاستعمارية الى بلادنا بسهولة، ولم تجد يوماً واحداً فيه استقرار وكانت التكاليف عليها كبيرة، وخسرت الجيوش الفرنسية والبريطانية الكثير في منطقتنا وخرجت مجبرة وحصلنا على الاستقلال، لكن اليوم نفس المشروع ينفذ بجنود من المنطقة ومال عربي وخيانة معلنة لم يعد أصحابها يخجلون منها إنما أصبحت حالة مستمرة تجد التبرير عند أصحابها من مثقفين ورجال مال وسياسة.

فهذا ما يسمّى رئيس ائتلاف الدوحة الخائن يلقي محاضرة عن «حق» تركيا في إنشاء منطقة آمنة على الأراضي السورية، ويعترف باتفاقية سورية تركية حول هذا الأمر، في المقابل لا يعترف هو ومن معه باتفاقات سورية روسية أو سورية إيرانية حول الدفاع المشترك، ومن قبله أعطى الكيان الصهيوني الغاصب الضوء الأخضر بما قيل إنه «حقه» في حماية الحدود الشمالية لاحتلاله، وفق تعبير الجماعات الإرهابية، وقدّم الشكر للدولة الصهيونية على تقديمها المساعدة للإرهابيين، ولم يكتف الخونة ببيع ما لا يملكون، بل قالوا أنهم يمثلون الشعب السوري في ذلك وهم أكثر الناس علماً أنهم لا يمثلون إلا من يدفع لهم المال ويسكنهم الفنادق ويعطيهم تذاكر السفر، أما الجماعات الإرهابية العاملة تحت مظلة المشروع التقسيمي الجديد فهي لا تبخل على أسيادها بشيء، ولا تنكر مجازرها بحق المدنيين العزل ولا تكتفي بالقتل، إنما تأخذ أبشع الصور لتعبّر عن مدى حقدها وبنفس الوقت تقدّم وثائق لأسيادها بأنها تنفذ الأوامر دون اي تردّد، فما قامت به تلك الجماعات منذ وقت قريب في قرية الزارة لا يمكن أن يكون فعلاً انسانياً أو ثورياً أو دينياً، لتعيد هذه الجماعات بأفعالها إلى الأذهان مجازر قطعان المستوطنيين في فلسطين المحتلة ولبنان، وتذكرنا بمجازر فرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا، وبريطانيا في مصر والعراق، كما الولايات المتحدة الاميركية راعية حقوق الإنسان، وكما مجازر العثمانيين بحق الأرمن والسريان وغيرهم، فالصورة واحدة للهمجية، والمدرسة نفسها، لكن الفرق أنّ بعض المجرمين هم من أبناء جلدتنا هذه المرة ويعملون لصالح أعداء وطننا.

إنه قرن من الزمن أنتج ما أنتجه من آلام وأوجاع، وسرق المستعمرون خيرات بلادنا، وقبل ان يطردوا استطاعوا تأسيس مدارس للقتل خلفهم و تعمل وفق أوامرهم وتسوق لنفسها باسم الدين، والدين منها براء.

واليوم نعيش مرحلة المخاض الصعب في القضية السورية حيث يقف العالم بأسره ضدّ شعب رفض الذلّ والهوان وقرّر أن يلتزم خط المقاومة والحرية والدفاع عن الأرض، عالم يرى كلّ هذه الجرائم ويلتزم الصمت وإذا ما قرّر الكلام فكلامه أشدّ ألماً من الجريمة نفسها، عالم يدافع عن «جبهة النصرة» الإرهابية وجميع الحركات التي تعمل وفق أجندات القتل والترويع والترهيب، ولا يكتفي هذا العالم بالدفاع عن الإرهاب إنما يُسهّل تمويله بالسلاح والمال من خلال دول عربية تمّت صناعتها لخدمة الاستعمار. ذلك الاستعمار الذي يعلن عن مشروعه من خلال الصحف ومراكز الأبحاث، ويؤكد أصحاب المشروع أنهم ماضون في عملية تقسيم المنطقة، ويؤكدون ذلك من خلال تلاعبهم بعملية المفاوضات، ولن ننسسى عبارة عرابة المشروع كونداليزا رايس عندما قيل لها أنّ هذا المشروع سيخلف الكثير من القتلى فكانت إجابتها لا يهمّ نخفف عن سلة الغذاء العالمي!

فكيف يمكننا أن نتحدّث اليوم عن تسويات سياسية وبأيّ حبر سنوقع تلك الاتفاقيات؟

وإذا كنا اليوم نجد التفاوض ضرورياً لوقف شلال الدماء، فهذا لا يعني أننا مجبرون على نسيان دماء الشهداء من المدنيين والعسكريين ورجال المقاومة الذين عطّروا أرض سورية بدمائهم، وأتوا من الجنوب المحرّر إلى دمشق طلباً للشهادة من أجل أجيال قادمة يجب أن تعيش بكرامة وحرية.

قد يكون إحياء ذكرى اتفاق سايكس ـ بيكو مؤلماً، ولكننا بعد مائة عام على هذا الاتفاق ما زلنا نقاوم وما زلنا مؤمنين بأننا أصحاب الأرض، وأنّ حق تقرير المصير هو ملك لنا. مائة عام في التاريخ رقم عابر، إذا ما حققت الشعوب النتائج المرجوة من نضالها وصمودها، مائة عام قد نكون خسرنا فيها الكثير ولكننا لم نستسلم بعد ولن نستسلم، فحقنا بالعيش نحن من يضمنه لا المواثيق والقرارات الدولية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024