إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

مآزق الكرد وحوار الضرورة مع دمشق

أمجد إسماعيل الآغا - البناء

نسخة للطباعة 2019-02-09

إقرأ ايضاً


رغم الدعم الدولي الهائل للكرد في توجهاتهم، إلا أنّ الطبيعة المقعدة لعلاقاتهم الإقليمية، لا تسنح لهم بتأسيس شبكة تحالفات قد تُثمر استقراراً داخلياً في مناطق تواجدهم، تُشكل في حيثياتها بداية لكيان مستقلّ شرق سورية، حيث أنّ جُملة الخيارات والأوراق التي كانت بيد الكرد، بدأت تتلاشى نظراً للتطورات السياسية والميدانية التي فرضتها الدولة السورية وجيشها، ونتيجة لذلك، برز عامل مؤثر في هذا المضمار، والذي يتمثل بالموقف الإقليمي والدولي من توجهات الكرد الانفصالية، فضلاً عن مُستجدّ ثقيل أرهق الكرد وأدخلهم في محدودية الخيارات، فـ القرار الأميركي بالانسحاب من سورية، وما تبعه من تعقيدات وتناقضات أرخت بنتائجها على طريقة التعاطي مع الملف الكردي، في هذه الأجواء، أدركت واشنطن أنّ مواصلة اللعب على تناقضات الموقف التركي حيال الكرد، سيُدخلهم مع تركيا الأطلسية في إطار القضايا الخلافية، وهذا الأمر سيزيد التباعد بين ما يجمع الأميركي والتركي في ما يخص قضايا إقليمية ودولية، لا يمكن أن تكون بعيدة عن تأثيرات أنقرة. في مقابل ذلك، هناك بُعد استراتيجي أميركي يتمثل بالاستمرار في استخدام ورقة الكرد، وما تُشكله من ضواغط قد يُمرّر من خلالها مكاسب سياسية، وبين التوجهات الأميركية والهواجس التركية، فقدَ الكرد العامل المؤثر في المسارات السياسية، وكـ نتيجة طبيعية لتطورات الأزمة السورية، وجد الكرد أنه لا بدّ من فتح حوار مع الدولة السورية، لكنه حوار لن يكون إلا امتداداً ومساراً لمنجزات دمشق السياسية والعسكرية.

تطورات متسارعة شكلت في جزئياتها عاملاً ضاغطاً على الكرد، الذين باتت خياراتهم محدودة للغاية، وبغضّ النظر عن مسار التطورات المستقبلية لنتائج الانسحاب الأميركي من سورية، يبدو أنّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة للشرق الأوسط ككلّ، تضع الكرد أمام تساؤلات كبرى، وباتت هواجسهم تتمحور حول الدور الأميركي الباحث عن تفاهمات تُرضي تركيا، لا سيما الحديث الأميركي عن منطقة آمنة، كلّ هذا أدخل الكرد في دوامة الأسئلة المفتوحة والتي تحتاج إلى أجوبة يقينية، ففي ضوء التفاهم الأميركي التركي على مبدأ المنطقة الآمنة، من المنتظر أن تخضع هذه المنطقة للتفاوض مع الجانب الأميركي في الأيام المقبلة، ما يُفسّر دعوة مجلس سورية الديمقراطية إلى إقامة منطقة آمنة شمال سورية تحت رعاية وإشراف دولي، فقد رفض المجلس خلال اجتماع في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، أيّ منطقة آمنة تحت الإدارة التركية، مشدّداً على ضرورة إيجاد منطقة آمنة تحت رعاية وإشراف دولي، أو منطقة حظر جوي لشمال وشرق سورية، وأكد المجلس على ضرورة الحوار السوري – السوري وفتح علاقات دبلوماسية مع الدول العربية والإقليمية، والتواصل مع المعارضة في الخارج من أجل استقطابها والاستمرار في العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن على الرغم من قرارها بالانسحاب من سورية، وبالتالي يبدو واضحا أنّ الكرد يرفعون سقف مطالبهم، ويوجهون رسائل مبطنة لـ دمشق، مفادها ضرورة منحهم بعض الامتيازات السياسية، بعد أن تمّ التخلي أميركياً عن خدماتهم، على الرغم من التطمينات الأميركية والتغريدات الترامبية.

قد بات واضحاً أنّ فكرة إنشاء إقليم كردي في شمال سورية، لم يعد مطروحاً للنقاش، وإذا ما أنشئت فعلاً منطقة آمنة شرق سورية خاضعة للنفوذ التركي، فمن المؤكد أن يكون الشرق السوري كاملاً ضمن مرمى الأهداف التركية، والتي تُمهّد في مرحلة لاحقة إلى ضمّه للدولة التركية، ضمن هذا المعطى، لن يكون أمام الكرد إلا خيارين، الأول التعاون مع التركي والانغماس في مخططاته وهذا خيار مُستبعد نظراً للعديد من الأسباب المرتبطة بالعلاقة الدموية التاريخية بين الكرد وتركيا، والثاني العودة إلى حضن دمشق وتسليمها كافة أوراقهم وهذا الخيار يبدو أقرب إلى التعاطي، فتجارب الكرد أظهرت انّ التطورات البعيدة عن توجهاتهم، قد تضعهم في مأزق جديد، وبالتالي، فقد بدأ الكرد حوارهم مع الحكومة السورية، وخلافاً لتوقعات أنقرة، فقد تمكّن الكرد من التوصل إلى حلّ حكيم والبدء في التعاون مع الحكومة السورية، والذي سيؤدّي بدوره إلى تحقيق الكثير من النتائج الإيجابية لجميع الأطراف السورية، على الرغم من أنه في نفس الوقت تسبّب في غضب وقلق الجانب التركي والأميركي وبعض الدول العربية في المنطقة.

الكرد وعطفاً على جُملة المتغيّرات التي فرضتها الدولة السورية على مسارات الحرب المفروضة عليها، هم أحوج ما يكونون إلى حوار مع دمشق، خاصة أنها الطرف الأقوى سياسياً وميدانياً، وذلك نتيجة العديد من المعطيات والتي من الممكن أن نُجملها في قضايا ثلاث:

أولاً: بالنظر إلى مناطق سيطرة الأكراد التي تحتوي شرائح متعددة، فقد برزت في الآونة الأخيرة تحركات احتجاجية ناجمة عن طريقة تعاطي الكرد مع بقية الشرائح، وبالتالي بات لزاماً عليهم أن يتعاطوا بإيجابيةٍ أكثر مع مختلف المكونات في مناطق سيطرتهم، وتغيير مسارهم عبر التوجه إلى دمشق لوضع خارطة طريق تضمن لكلّ المكونات الحصول على الخدمات الاجتماعية والادارية.

ثانياً: من الملاحظ أنه لا يوجد تجاوب دولي مع قضية فيدرالية الكرد، وحتى الأميركي الحليف الأبرز لهم لا يريد الضغط سياسياً تجاه هذه القضية، لكن واشنطن وعبر مراوغتها السياسية تريد فقط أن تستخدم هذه الورقة للضغط على الدولة السورية وروسيا، بالتالي بات يدرك الكرد بأنهم ورقة ضغط بيد الأميركي، ومن المؤكد بأنه سيتمّ التخلي عنهم عاجلا أم أجلا ضمن التسويات الكبرى.

ثالثاً: إنّ المتابع لتطورات الشأن السوري، بات يدرك بأنّ الكرد فقدوا الثقة بحليفهم الأميركي، خاصة أنّ واشنطن خذلتهم أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة، فكيف اليوم بعد الإنجازات الاستراتيجية التي تحققها الدولة السورية في السياسة كما في الميدان، بالإضافة إلى أنّ الرغبة الدولية بالعودة إلى دمشق باتت واضحة، وبالتالي لا بدّ من انعطافة نحو الدولة السورية، فهي القادرة على ضمان حقوقهم وآمنهم، في ظلّ تجاذبات وتعقيدات لن تكون إطلاقاً في صالح الكرد إذا ما استمروا في اتباع سياسية البحث أوراق قوة، لاستخدامها على أيّ طاولة مفاوضات.

في المحصلة، وضمن جزئيات التطورات المتسارعة، على الكرد أن يدركوا أنّ مصير القوات الأميركية والتركية لن يبقى رهناً بسياسات ترامب وأردوغان، بل سيكون مصير هذه القوات رهناً بيد الدولة السورية وجيشها، وبالتالي على الكرد التفكير بعقلانية والابتعاد عن الأميركي، ليبقوا ضمن المعادلة السورية، هذه المعادلة التي فرضتها إرادة الانتصار السوري، ولا بدّ للكرد من تعميق تحالفهم مع دمشق، من أجل إحباط أيّ مخطط أميركي أو تركي يهدّد الوجود الكردي في سورية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024